تحقيقات أسبوعية

متابعات | الانتحار ظاهرة خطيرة تهدد استقرار الأسر المغربية

شهدت العديد من المدن المغربية مؤخرا، انتشارا خطيرا لظاهرة الانتحار في صفوف الشباب والنساء، بسبب عدة عوامل اجتماعية ونفسية واقتصادية، الشيء الذي أثار الجدل والنقاش لدى النشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي، حول تفشي هذه الآفة الخطيرة والتي يرى فيها بعض الناس وسيلة للهروب من المشاكل ووضع حد للحياة، بينما يعتبرها الشارع المغربي هروبا من القدر ومعصية خطيرة، فيما يعتبرها محللون ظاهرة لها أبعاد أخرى مرتبطة بأمراض نفسية ومعاناة يعيشها الشخص المنتحر قبل وفاته.

فقد شهدت مدينة سلا مؤخرا، حادثة مأساوية هزت الرأي العام الوطني، تمثلت في سقوط سيدة وانتحار زوجها من أعلى سطح إحدى العمارات السكنية، بسبب مشاكل اجتماعية أو مادية، مما جعل الناس تتساءل عن أسباب انتشار هذه الآفة الخطيرة في المجتمع المغربي، والتي لم تكن من قبل، لا سيما في ظل تزايد حالات الانتحار في مدن أخرى مثل انتحار سيدة في طنجة، وسيدة أخرى قرب الحسيمة، وشاب آخر بسلا، وانتحار العشرات في مدينة شفشاون.. فما هي أسباب الظاهرة؟ وهل الانتحار مرتبط بمرض نفسي غامض، أم استسلام للمشاكل الاجتماعية ؟

 

تتمة المقال بعد الإعلان

إعداد. خالد الغازي

 

محسن بنزاكور

    يرى أستاذ علم النفس الاجتماعي الدكتور محسن بنزاكور، أن ظاهرة الانتحار مرتبطة بالظروف الاجتماعية، لأنها من بين أهم العوامل التي قد تكون سببا في الانتحار، لأن الإنسان قد يكون مريضا نفسيا بسبب الضغوط العائلية والعوامل الخارجية، ما يجعل المرض النفسي يتفاقم، مضيفا أن الحادثة التي حصلت في سلا عرفت تأويلات اختلط فيها المرض النفسي واحتمال حصول جريمة.

تتمة المقال بعد الإعلان

وأوضح أن المقبل على الانتحار تتغلب عليه مشاكله، بحيث يصعب عليه حلها، وفي هذه الحالة يرى نفسه أنه إنسان فاشل وليس له أي دور في الحياة وليست له القدرة على أداء وظيفته بطريقة منتظمة ومنتجة، فهذه العوامل تدفع الشخص لإمكانية الانتحار، مبرزا أن هناك أسبابا أخرى تؤدي إلى الانتحار، منها الشخصية الهشة ومصاعب الحياة، والقروض المتزايدة وضغوطات اجتماعية، إلى جانب ضغوطات العمل ومعاناة قد تفضي إلى هشاشة النفس، وبالتالي، لا يستطيع الشخص الصبر ومقاومة هذه الظروف فيلجأ إلى وضع حد لحياته.

وأكد بنزاكور، أن انتحار الأطفال ظاهرة جديدة، من أسبابها وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية، حيث يفكر الأطفال في الإقدام على الانتحار بسبب الإدمان على لعبة مثل “الحوت الأزرق” التي هي من اختراع شخص يعاني من مرض نفسي، وظف فيها أفكاره ومعلوماته حول علم النفس لدفع الأطفال إلى الانتحار، مشيرا إلى وجود عوامل أخرى تؤدي بالأطفال إلى التفكير في الانتحار مثل التنمر في المدرسة، وهناك من يقوم بتجريب حبل المشنقة ظنا منه أنها لعبة، بسبب تأثره بألعاب إلكترونية.

وكشف بنزاكور أن مسألة “فض النزاع” تعتبر ذات أهمية كبيرة وتعرف نقصا كبيرا بسبب نقص وغياب هذا الاختصاص، مما يؤدي إلى ظواهر الطلاق والجريمة والانتحار في المجتمع، بحيث أن المقاربة تقلل الخطر الذي يهدد الأسر، مبرزا أن غياب “فض النزاع” يؤدي بالشخص إلى التفكير في الانتحار بعد تعرضه للعنف اللفظي أو العنف الجسدي، لكونه لم يجد من يقدم له مساعدة اجتماعية ونفسية.

تتمة المقال بعد الإعلان

وشدد على ضرورة تفعيل دور خلايا الإنصات داخل المجتمع، التي تراجع دورها كثيرا، والتي يمكنها من خلال الوسائل والاستماع، اكتشاف الأشخاص المقبلين على الانتحار، وأيضا تفعيل دور الإرشاد والاستماع في المؤسسات التعليمية والإدارات والتجمعات الاجتماعية الكبرى، وتفعيل الإرشاد الأسري والوساطة الأسرية وفض النزاع، داعيا إلى حماية الأسر من الجانب الاقتصادي والبعد الاجتماعي، عبر نهج سياسة حكومية وخلق حلول اجتماعية لاستقرار الأسر والأشخاص والأفراد وحمايتهم من خطر الانتحار.

نقص مراكز الإنصات

صباح فصالي

    الكثير من الناس الذين يعانون مشاكل اجتماعية وضغوطات، سواء داخل الأسرة أو في العمل، لا يجدون من يستمع إليهم وإلى معاناتهم، بسبب عدم قدرتهم على دفع تكاليف العيادة النفسية، أو لغياب مراكز أو مؤسسات اجتماعية متخصصة في هذا المجال، حتى يتمكنوا من الخروج من دائرة الضغوطات أو الاكتئاب الذي يعانون منه، وذلك بسبب قلة الأطر والخبراء في هذا المجال، مما يجعل نسبة الانتحار في تزايد.

تتمة المقال بعد الإعلان

في هذا الإطار، ترى الأستاذة صباح فصالي الكاتبة العامة للشبكة المغربية للوساطة الأسرية، أن هناك مجموعة من العوامل تكمن وراء انتشار ظاهرة الانتحار في المجتمع، منها أسباب نفسية واجتماعية، وغياب متنفس للأسر التي تعيش المشاكل والضغوطات، بالإضافة لعدم وجود مراكز أو مؤسسات منفتحة لاستقبالهم والاستماع إليهم، مضيفة أن المرأة التي تعيش العنف داخل بيت الزوجية تكون لديها نفسية مدمرة وغير قابلة للحياة، بسبب اليأس ومجموعة من العوامل التي تساهم في التفكير في الانتحار.

وأوضحت أن مركز الاستماع استقبل بعض الحالات التي كانت تفكر في الانتحار، حيث يتم توجيههم للاستشارة النفسية والاستماع إليهم من قبل الخلية، ثم عرضهم على أخصائي نفسي أو مستشار في المركز، للإنصات إليهم والاهتمام بهم، وذلك لمساعدتهم على الخروج من الأزمة النفسية والضغوطات التي يعانون منها، مشيرة إلى أن المشكل في منزل الأسرة هو أن لا أحد يستمع للآخر، ولا أحد يعطي فرصة للآخر للاستماع إليه، الشيء الذي يدفع البعض للجوء إلى هذه المراكز، وبالتالي، عند الاستماع إليهم وإعطائهم الاهتمام يحسون بالراحة والانتماء، وهناك بعض الحالات تشعر بالاطمئنان ولم يعد لها مشكل.

وأضافت أن “بعض الحالات لهم أمراض نفسية تتطلب العلاج، استقبلنا في المركز بعض الحالات من خلال الحوار والاستماع إليهم، فوجدنا لديهم أمراضا تتطلب علاجا نفسيا، وهناك بعض الحالات ترفض العلاج ولا تقبل الذهاب لمستشفى الأمراض النفسية، ولكن بمواصلة الحديث والتدرج معهم، يتم إقناعهم بأهمية العلاج، خاصة الشباب والشابات، وكمثال، هناك شابة قامت بمحاولة انتحار أربع مرات وتهدد أسرتها بوضع حد لحياتها، ولكن من خلال الحديث معها، تم إقناعها بقبول جلسات الحوار والعلاج النفسي”.

تتمة المقال بعد الإعلان

وقالت صباح فصالي أن هناك فئة من الأزواج يعانون أمراضا نفسية ويلجؤون للعنف اللفظي والجسدي، ومن خلال الحديث والاستماع لبعض النساء، يتبين للخلية أن الزوج يعاني من مرض نفسي، الشيء الذي يطرح إشكال كيفية إقناع الزوج بزيارة المركز والخضوع للتوجيه والقيام باستشارة نفسية قصد الخضوع للعلاج، معتبرة أن مثل هذه الحالات إذا ظلت ستكون لها عواقب وخيمة على الأسرة والمحيط العائلي، وأيضا على الأطفال الذين يقعون ضحية اضطرابات أسرية، ويحملون معهم هذا العنف ويصرفونه في المجتمع.

وأكدت على أهمية إحداث مراكز للاستماع، لأنها تمتص الكثير من المشاكل داخل المجتمع، وتحد من الظواهر السلبية التي يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة على الأسرة والعائلة والمجتمع، مبرزة أن مركز الاستشارة والإرشاد الأسري ينظم العديد من الدورات التكوينية لفائدة النساء قصد توعيتهن بكيفية التعاطي مع مشاكل الأسرة والإشكالات للحد من الظواهر السلبية، وتقوية القدرات، واللجوء للعلاج النفسي عوض الذهاب إلى مجالات أخرى تستنزفهن ماديا ومعنويا بدون نتيجة.

 

الاكتئاب يؤدي إلى الانتحار

محمد حبيب

    كشف تقرير سابق لمنظمة “بارومتر” العربي، حول الصحة النفسية لمواطني دول شمال إفريقيا، عن إصابة 20 في المائة من المغاربة بمرض الاكتئاب، يتوزعون بين 24 في المائة بالمدن، و17 في المائة في القرى والبوادي، كما أكدت التقارير أن هذه النسبة تمثل ثلث المغاربة، تؤكدها أرقام سابقة لوزارة الصحة بأن 40 في المائة من المغاربة الذين تتجاوز أعمارهم 15 عاما يعانون إما اضطرابا نفسيا أو عقليا.

وفي هذا السياق، يقول الخبير الأسري والاجتماعي، محمد حبيب، أن “أرقام وزارة الصحة تقول أن ثلث المغاربة يعانون من الاكتئاب، والمعروف أن هذا المرض من الناحية النفسية والاجتماعية يؤدي إلى الانتحار بالأساس، أسبابه تعود إلى تفاقم مجموعة من المشاكل الاجتماعية والنفسية والاقتصادية، وخصوصا بعد جائحة كورونا، فهذه الظروف الاجتماعية والاقتصادية أدت إلى تزايد هذا المرض الذي يؤدي إلى الانتحار، وهو سبب رئيسي لورود الأفكار السلبية المرتبطة بالفشل وبالتشاؤم وانسداد الأفق، كل هذه الأفكار عندما يتعرض لها شخص معين، لا بد له أن يلجأ إلى العلاج، والغريب في الأمر أن المجتمع المغربي لا يريد علاجا دوائيا باعتبار أن الشخص الذي يتداوى من الاكتئاب قد يصاب بالإدمان على هذا الدواء، وهذا اعتقاد خاطئ”.

وأوضح أن الاكتئاب من الأمراض الوراثية التي لا يعلم بها جميع الناس، ويدخل ضمن الأمراض النفسية الصعبة، والتي تتطلب أخذ الحيطة والحذر، لأن الحزن الشديد والتشاؤم ليست اضطرابات عادية، فهناك مستويات محددة، فإذا تعرض الإنسان للحزن والتشاؤم لأكثر من شهر، يجب أن يعرض نفسه على أخصائي نفسي قبل أن يصل إلى نتائج لا تحمد عقباها، والتي تتمثل في الانتحار، مشيرا إلى أن هناك مجموعة من المدن التي يعاني فيها الناس اضطرابات نفسية، هي مدن تعيش التهميش والإقصاء والبطالة والإحباط.

وأكد محمد حبيب أن الاكتئاب يدق ناقوس الخطر، خاصة وأن الإحصائيات تشير إلى أن ثلث المغاربة يعانون منه، مما يستوجب الاهتمام بالجانب النفسي والاجتماعي والرفاهية والسعادة، مثل بعض الدول التي لجأت إلى خلق وزارات للسعادة والترفيه، ليس من باب الترف وإنما من باب الاهتمام بالنفسية والسيكولوجية المجتمعية، التي لها أثار على مستوى الإنتاج والتنمية الاقتصادية والاجتماعية داخل المجتمع، معتبرا أن الاهتمام بسيكولوجية المجتمع المغربي والعمل على الترفيه والتنفيس عنه، يعتبر وسيلة ناجعة كعلاج جماعي لكل فرد في المجتمع للحيلولة دون الوصول إلى مطبات الاكتئاب، والظواهر السلبية المؤدية للانتحار، وقال: “الأسرة تخلت عن أدوارها الطلائعية، وكل دور الشباب أغلقت بسبب الجائحة وأصبحت تتخلى عن أدوارها، المخيمات الصيفية هي الأخرى توقفت والمساجد لم تقم بأدوارها، كل المؤسسات الاجتماعية أصبحت مغلقة، وأمام هذا الإغلاق أكيد سنعيش نوعا من الاكتئاب، والاضمحلال في الجانب النفسي والوجداني والعاطفي، سواء من طرف الأطفال أو الشبان أو الكبار، كل هذه الأشياء تجمعت وأعطت هذه النتائج، بطبيعة الحال خلال الجائحة توقفت مجموعة من خلايا الاستماع والإرشاد، والتي يجب أن تبقى مستمرة ومواكبة للمجتمع المغربي، وأن تقوم الجامعات التي تدرس بها شعب علم النفس وعلم الاجتماع بهذه الأدوار والانفتاح على محيطها كمؤسسة من المؤسسات المواكبة لكل الأسر، وتفتح مجانية الاستماع والاستشارة، لأن المجتمع المغربي يريد من ينصت إليه ويشعر به”.

وأشار إلى وجود إشكالية يعيشها القطاع الصحي، متمثلة في غياب أخصائيين نفسانيين في المستشفيات المحلية، والمستوصفات، للقرب من الساكنة واستقبال الأشخاص الذين يعانون اضطرابات نفسية أو مشاكل من هذا القبيل، لتوجهيهم للعلاج، بالإضافة إلى قلة الأطباء في هذا التخصص على مستوى المراكز المتواجدة بالأحياء، مشددا على ضرورة البحث عن سيكولوجية القرب لإنقاذ المجتمع والناس من براثن الاكتئاب.

 

غموض الانتحار في شفشاون

    تعرف مدينة شفشاون العديد من حالات الانتحار في كل شهر، مما جعل هذه الظاهرة معروفة لدى سكان المدينة الذين يتساءلون بدورهم عن الأسباب الحقيقية وراء لجوء شبان وشابات المنطقة لخيار الانتحار.

وتقدر عدد حالات الانتحار في مدينة شفشاون بالعشرات، فحسب بعض المراقبين، فإن حالات الانتحار المسجلة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من سنة 2021، بلغت 13 حالة، بينما سجلت سنة 2020 أكثر من عشر حالات انتحار في الفترة ما بين شهري مارس وأبريل.

وحسب بعض المصادر، فإن مدينة شفشاون تعرف ما بين 40 إلى 50 حالة انتحار في السنة في صفوف الفتيان والشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 10 إلى 20 سنة، الشيء الذي يطرح علامات استفهام كبيرة حول دور المدرسة والمؤسسة التعليمية، للعمل على الحد من هذه الظاهرة وتوعية التلاميذ بخطورتها.

وحسب “مرصد الشمال”، فإن ظاهرة الانتحار التي يعرفها إقليم شفشاون، تدخل ضمن ما يسمى في الحقل السوسيولوجي بـ”الانتحار اللامعياري”، الذي يحدث عندما تضطرب ضوابط المجتمع نتيجة إما للكساد الاقتصادي، أو انتعاشه، مشددا على أن تفاقم الظاهرة، حاليا، يرجع إلى عقود من التهميش، واللامبالاة، وهي الأسباب نفسها التي أدت كذلك إلى مجموعة من الظواهر كالهجرة نحو المدن، وارتفاع معدلات الطلاق والإدمان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى