جهات

إرادة إنقاذ الرباط من الارتجال والفوضى

    في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، كانت الرباط في ركب المدن العالمية التي تمخر أمواج المشاكل والتخلف، من أجل الرسو في ميناء الحواضر الصاعدة، حتى أن بعض المدن وبمبادرة منها، طلبت التآخي مع العاصمة، فكان ذلك مع إشبيلية في أكتوبر 1985، ومع العاصمتين لشبونة ومدريد سنة 1988، ومع إسطنبول في عام 1991، ووصل “الركب” بدون الأخت الرباط التي يبدو أنها ترجلت وانسحبت من المنافسة، أو على الأقل المحافظة على موقعها الذي كان مميزا، فتنامت الدواوير و”البراريك” و”الجوطيات” والمنازل الآيلة للسقوط والبناء العشوائي واحتلال الساحات الفارغة والشوارع وإهمال الطرقات والإنارة، وساءت الخدمات الجماعية وتراجع النقل الحضري بشكل فظيع، واختفت المناطق الخضراء وتأزم السير والجولان وانفجرت أزمة مواقف السيارات، وانتشرت “كراريس” الباعة المتجولين في كل مكان، وصار في حكم الفريضة: “كل شيء بثمنه”.

وفي ظل هذا الارتجال والفوضى، و”السمسرة” العلانية لتصفية العاصمة “يا حسرة”، والدوس على تاريخها وأمجادها، جاء الإنقاذ بجملة من المشاريع الحيوية على شكل ثورة إصلاحية شملت كل المرافق، ولا تزال قائمة إلى اليوم، والمفاجئ فيها، هو سرعة التنفيذ وجديد الإنجازات، ومحو مخلفات كوارث الذين كادوا يحفرون حفرة لـ”إقبار” الرباط، بشكل نهائي.

فتغيرت عاصمة المملكة في ظرف شهور، وتحولت إلى مفخرة لكل الرباطيين وانتقلت بسرعة فائقة من مسار طريق غير معبدة بمطبات وحفر ومتجهة نحو المجهول حتى أصبح التخلف والتقهقر من سماتها، فصححت البوصلة في اتجاه الالتحاق بالمدن المتآخية معها: إسطنبول ومدريد وإشبيلية ولشبونة، وقد كانت معها في نفس الانطلاق، إلا أن الرباط تعرضت إلى كبوة، وها هي قد نهضت منها بفضل هذه المشاريع الكبرى.

ومجالس العاصمة اليوم أمام جوهرة العواصم، فإما أن تضيف لها باقات تزينها وخدمات في مستوى مدينة الأنوار وعاصمة الثقافة، وإما أن تعلن عن عدم قدرتها على الحفاظ وصيانة الجوهرة الهدية لكل الرباطيين، وفي هذه الحالة، من الأفضل إعادتها لسكانها، لأن الرباطيين لن يبقوا مكتوفي الأيدي يتفرجون على ألاعيب دمرت الرباط في التسعينات، ولكنها، والحمد لله، أصبحت حاليا تتمتع باستثناء في قانون تنظيم الجماعات، مما يحميها من “البيع والشراء”، والصورة المرفقة هي لباب الأحد التاريخي، نتمنى أن يتم الحفاظ عليه وصونه لا تدميره كما دمر باب العرفان، لتبقى الرباط شامخة بمعالمها الضاربة في عمق التاريخ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى