حصر التعبد في شهر الغفران: عبادة لله أم لرمضان..؟

كثيرا ما نصادف ونعاين ممارسات تدهشنا، فتستفزنا لنقدها وإبداء آراء حولها، وفي أفضل الأحوال، طرح أسئلة بشأنها. ومن هذه الممارسات التي ترتبط بالجانب التعبدي عند بعض الأشخاص. الحرص على أداء الفرائض بإتقان في شهر رمضان دون غيره من أشهر السنة..
يظهر هذا “الحرص المفاجئ” في التكدس الملحوظ الذي تعرفه أغلب المساجد في رمضان، عند أوقات الصلاة، خاصة صلاة المغرب والتراويح والعشاء. واستئناف البعض إقامة الصلاة، بعد الانقطاع عن إقامتها في فترات معينة من السنة، لظروف وأحوال ما (شخصية، نفسية، اجتماعية، مناخية…الخ). أو اغتنام مناسبة هذا الشهر الكريم للقيام بشرائع الله، فضلا عن سيادة الخطاب الروحي في محادثات أغلب الناس، سواء في الشارع العام، أو البيوت، أو في عالم التواصل الافتراضي.. الخ.
وهي ممارسات إن أمعنا فيها النظر ممارسات إنسانية فاضلة، ذلك إن أخذناها من منظور الارتقاء بالمستوى الروحي لدى الإنسان، والبحث في سبل تنميته، وإشاعة الأخلاق السامية بين الناس… وهي كذلك مؤشرات على سعي الفرد إلى تطوير ذاته وإعادة النظر في بعض السلوكات المنحرفة التي تأسره في سراديبها أحيانا.
فمن باب إحسان الظن، نعتبر أداء الفرائض بحرص شديد في هذا الشهر العظيم، سلوكا ينبئ بوجود إمكانات كامنة لدى الشخص للتطور والسمو نحو الأفضل. إذا أخذنا بعين الاعتبار ترويض النفس الطائشة عن الطريق الصحيح، لتستقيم عليه مجددا، وتحصيل الاطمئنان الروحي الذي يُشعِر الإنسان بإنسانيته، ويسمو به عن الجانب الحيواني الغرائزي فيه ويهذبه… وغيرها من الثمار الروحية التي يجنيها المتعبد الحق، وينعم بها.
وباعتبار شهر رمضان محطة سنوية للوقوف وقفة متمعنة مع النفس، واستدراك ما أغفلت من الثواب في واقع مثخن بالماديات، والقيم الآلية المفروغة المحتوى. يَفْضُل اغتنام هذا الشهر، بنِية الانطلاق من جديد، وقصد الاستمرار في إخلاص العبادة لله، لكن مما يستوجب التنبيه إليه أن الاجتهاد في التعبد في رمضان، أو حصر العبادة، وعمل الصالحات فيه دون غيره من أشهر السنة، هو ضرب من النفاق البئيس. ذلك أنه من المحمود أن يجعل المرء من مناسبة مباركة، كشهر رمضان فرصة لإعادة النظر، وإنه لمحمود أيضا أن يغتنمه للتوبة، واللحاق بقاطرة الإسلام، إن فاتته في مراحل معينة من حياته.. لكن أن ينتهز هذه المناسبة الدينية للتملق ورياء الناس، بتكثيف العبادات، والصدقات، وبانتهاء رمضان تعود حليمة إلى عادتها القديمة؛ من اعتكاف بالمساجد إلى اعتكاف بالحانات وأوكار الدعارة… فذاك قمة الاستهتار بالدين، وأخطر أنواع النفاق، ألا وهو “نفاق السماء..”.
ومن الممارسات الشيزوفرينية التي تعري واقع المتناقضات في هذه المناسبة الجليلة، صيام نهار رمضان، وصرف ليله في اللهو ولعب القمار، أو في السهرات والمهرجانات الماجنة، أو متابعة المسلسلات والبرامج الاستحمارية… إلخ، علاوة على قيام ليلة القدر بكل طقوسها، وقيام ليلة رأس السنة الميلادية بكل “طقوسها” كذلك. وهو ما يكشف فهما واهما يؤمن به البعض، فهم يعادل فيه الصيام، إضرابا نهاريا عن الطعام والتناسل، فما إن يعلن المؤذن نهاية “المباراة الصيامية” حتى ينطلق الصائم-المضرب عن الطعام، كثَور مكبل نحو الموبقات، مصداقا لمؤثورة جاهلة بئيسة يجعلها هؤلاء شعارهم، فحواها أن: “شوية لله وشوية لعبده”. وهو فهم غاية في الجهل، لكونه يعتبر أن الله جل وعلا، يقتسم مع عباده أعمالهم؛ يسدون إليه بعضا، ويحتفظون لأنفسهم ببعض… فيا له من وهم، وضلال!!.
عماد الفزازي