تحقيقات أسبوعية

للنقاش | لعبة الجزائر لتصدير الأزمة الداخلية نحو الخارج

بين عقدة الأنا والبحث عن الأسطورة المؤسسة

من خلال قراءة في سيكولوجية ما يشبه دولة، لا بد من التأكيد على أن الشعب الجزائري الذي يعتبر مكونا أساسيا وجزء لا يتجزأ من الهوية المغاربية، هو أكبر المتضررين من التخبط البنيوي لدولة يبدو أنها لم تؤسس إلا لخدمة مصالح ضيقة لنخبة أسستها وادعت شرعية ومشروعية هي في الأساس تحاول بناءها، ليس على خدمة شعب، ولكن على كراهية الآخر كريع سياسي، ومن تم، فإنه منذ “استقلال” الجزائر وتوجهات هذه الدولة ارتكزت على عقيدة سياسية وعسكرية عدائية تجاه المملكة المغربية، هي استراتيجية فرضها غياب الأسطورة المؤسسة ووجود عقدة الأنا التي تبحث، ولازالت، عن مشروعية حقيقية قابلة للتطور، لكن ما يظهر فشل عقيدة البناء “الأسطوري” والتي أسست على حساب عداء الآخر، هو غياب، أو انعدام، شرعية الوجودية التاريخية أو حتى الفكرة المؤسسة التي تنهل من التاريخ الجمعي للدولة، وبالتالي، في انعدام للدورة التاريخية والتي يواكبها التجديد بفعل الامتثال الزمكاني للأحداث، فجميع محاولات هذا البناء، والتي خلقت تراكمات أدت إلى إصابة دولة الجزائر ومؤسساتها بما يشبه الأزمة الأنتانية (Septic Shock)، باءت بالفشل، فالعدوى الطفيلية المسببة للأزمة لم يتم احتواءها وبقيت تنتشر عبر الوقت والمكان حتى أصابت الجسم الكلي للدولة باختلال عضوي مركب متعدد الأوجه..

بقلم: الشرقاوي الروداني

    في العلاقات الدولية، هناك دائما ما يميز السياسة الخارجية للدول والتي تصبو إلى أن تمتلك هندسة شاملة بمحددات تفتح لها هوامش، في حالة نشوب خلاف أو تصدع في العلاقات الثنائية أو متعددة الأطراف، من أجل خلق توازن يسمح لها بالقدرة على خلق الممكن والخروج من عواصف المتغيرات.

في الجزائر، التي بعد دخولها في مرحلة ما بعد نظام بوتفليقة، وجدت نفسها بدون بوصلة سياسية، داخليا وخارجيا، وبدون ركائز حقيقية للدولة وتجاه ودون بدائل تسمح لها بخلق التوازن الممكن والمنقذ، أمر يجد تفسيره في عدم القدرة على ابتكار مشروع مجتمعي يكون فيه الإجماع/التوافق حول محددات الفكرة المؤسسة والتي تكون قابلة للانصهار والتأقلم مع المتغيرات الداخلية والدولية، هي أحداث عرفتها الجزائر والتي بينت عدم قدرة الدولة على الاستجابة للمتطلبات الداخلية خوفا من التغيير المفاجئ الذي يحد من “مشروعية” والتي هي في الأصل خلاسية.

تتمة المقال بعد الإعلان

في هذا الصدد، وبعد ظهور الحراك الجزائري الذي زعزع قدرة الدولة على المناورة، خاصة وأنها لم تكن لها خيارات مسبقة في استئناف خطط التنويم السياسي، أخذت الجزائر ببعض دروس تدبير الاحتجاج للدول شرق أوروبا، وكانت تلميذا مجتهدا يشرب من بعض أفكار الأنظمة الشمولية في تدبير ارتدادات الكتلة، التي تبقى من بين أبجدياتها، تصدير المشاكل الداخلية إلى الخارج، عبر خلق عدو وهمي تتوفر فيه شروط إسقاطات المشاكل الداخلية، فكان أمام الجزائر خياران أحلاهما مر، فإما التغيير الجذري والعميق للدولة ومؤسساتها من خلال اجتثاث رواسب ما زالت تسيطر على مفاصل الدولة اقتصاديا وسياسيا وأمنيا، وهذا يتطلب عمليات جراحية في جسم الدولة، وإما استحضار أطروحات الثورات المضادة وخلق “العلبة الصينية” من أجل توجيه الرأي العام الجزائري.

على مستوى الخطة الأولى، التي حاولت إصلاح أخطاء النشأة المرتبطة أساسا بوجود غياب ما يصطلح عليه “الأسطورة المؤسسة” (Mythe Fondateur)، والتي بدأت بمحاكمات رجال أعمال نافذين، ووزراء وأمنيين من الصف الأول والثاني، فلم تستطع أن تعطي النتائج المطلوبة، على اعتبار أن مركزية هؤلاء في مفاصل الدولة وقدرتهم على السيطرة والمناورة، كانت قوية ومتشعبة، ومن تم، فإن رجوع توفيق مدين والمعروف عند الخاصة في إقامات “نادي الصنوبر” والعامة بـ”رب الجزائر”، وأيضا خالد نزار، كانت من بين أهدافه إعادة إحياء الدور العملياتي لشبكة مهمة من رجال المخابرات المعروفة بـ”DRS”، أعضاء الخلايا المكونة لهذا الجهاز خبروا ملفات مدونة فيها كل صغيرة وكبيرة على مختلف مناطق الجزائر، وهؤلاء تبقى لهم أساليب ووسائل عدة لإخضاع الكل، بدون استثناء، واحتواء كل فكرة تعبر عن رفض الواقع الجزائري.

أمام صعوبة المهمة وقلة هامش التحرك والتأثير، بدأ تفكير الأنا المعقدة في إضعاف أصوات الداخل من خلال تدويل فكرة المؤامرة الخارجية.

تتمة المقال بعد الإعلان

فاللاثماثلية في التطور المؤسساتي والاقتصادي بين المغرب والجزائر وما علاقة ذلك بالاقتصاد المركب المعولم، خلق مناخا انهزاميا داخل أروقة المؤسسات الحاكمة في الجزائر، واعتبرت أن المسافة بين البلدين اتسعت وأصبح من الصعب تداركها.. أمام هذا الواقع، تم الاستثمار في محددات جيوسياسية في المنطقة، من خلال دعم أكثر للأوراق الانفصالية، ومن تم دفع جبهة البوليساريو إلى لعب أدوار أخرى حتى يتسنى لها خلق مناخ جيواستراتيجي.. وقد كان هدف الخطوة الاستفزازية في معبر “الكركرات”، هو جر المنطقة إلى الدخول في اعتبارات جيواستراتيجية تسمح بالمرور إلى الخطوة الثانية، خاصة بعد التحفظ الموريتاني في مسايرة الخطط والإيقاع الجزائري، والتي تتمثل في خلق ساحة جديدة للتنافس الأوروبي-الروسي في دولة مالي.

في لعبة الشطرنج هاته، تحاول الجزائر الدفع ببماكو إلى الحوار مع الجماعات الإرهابية، كمدخل للتضييق على فرنسا، ولم لا طردها من مجموعة دول الساحل الإفريقي وجنوب الصحراء، وما إعادة قضية مقتل توماس سانكرا رئيس بوركينافاسو إلى الواجهة، وتأسيس حزب جديد في دولة الكوت دي فوار من طرف لوران غباغبو، حزب الشعوب الإفريقية، ليس إلا بداية لخطاب من المتوقع وسياسة جديدة ستكون لها تمثلاث وأذرع في دول أخرى..

في قراءة للتحركات والتحالفات، فإن زمان ومكان التنفيذ، لم يبقيا قيد السرية، وبالتالي، فإن التقرير الألماني الذي دعا الدول الكبرى إلى توجيه بوصلة دعمها واستثماراتها إلى الجزائر، بغية تحقيق ما قد يسمى “خطة برلين في محاولة صياغة التوازن في شمال إفريقيا”، حتى وإن كان واضحا بأن هناك دوافع ألمانية للتأثير على بعض الاختيارات الاستراتيجية لكسب نقط في ملفات جيو – اقتصادية، فهو يتناسب ويتناغم عند مهندسيها مع الخطة الثانية المرتبطة بالأولى. هذه الخطة تصب في خلق التوتر وتقوية رؤية خالد نزار، الذي كان دائما يؤمن بمنظور الاستقرار من خلال الحرب، وهذا ما كان واضحا في سنوات “العشرية السوداء” وكأنه يطبق فن الحرب بعناصر غير محددة في القوة مع وجود إمكانيات محدودة في المناورات التكتيكية (Tactical dispositions) والتي تبقى مكشوفة.

تتمة المقال بعد الإعلان

في هذا الاتجاه، جميع القرارات الجزائرية تجاه المغرب بقطع العلاقات الدبلوماسية، السياسية والتجارية، كانت تنهل من محاولة تقليد مبدأ “الصدمة والترويع”، إذن، فهناك مستويين لمقاربة هذا النهج القديم-الجديد وإن كان جليا أن الإخراج واستراتيجية الفعل، هي أيدي خارجية تركت للجزائر تنفيذ جزء من الخطة..

الكل يعلم بأن المنطقة المغاربية تعرف تسارعا للأحداث تؤثر على الإطار العام الجيوسياسي بما فيه وما عليه في علاقاته بالنظام الدولي الجديد، والذي لا يقبل ما يصطلح عليه عند بروسكي/رامسفيلد بـ”الدول المتبخرة”، هذه الأخيرة، في منظور مهندسي استراتيجية النواة/ الهامش للنظام الدولي الجديد، مرتبطة بقدرة الدولة على الانخراط، بما يتطلب ذلك من قوة المؤسسات ومحددات سيادتها الشاملة على الانخراط في عالم بمحددات اقتصادية جديدة، والشبكات الجديدة للتجارة الدولية، خاصة تلك التي تمر سلاسلها بالقرب من مصادر الطاقة، أصبحت تؤسس للنظام جيواقتصادي جديد.. هذا النظام خلق كتلا دولية تتحرك وفق خطة محكمة لتنفيذ أجندات تستعمل فيها موارد دول أكثر ما تريده هو الحماية، ومن تم، فالتواجد الروسي والإيراني في شمال إفريقيا، أصبح أمرا واقعيا سيزيد من البعد الجيواستراتيجي للمنطقة، مما قد يشكل مدخلا جديدا لصراعات كبرى، وهذا المعطى، قد يدفع فرنسا التي أصبحت أوراقها في المفاوضات، في المحيط الهادئ والهندي أمام الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، غير مؤثرة في هندسة التحالفات النفعية بما يحفظ مصالحها الكبرى.

إذن، هي لعبة دولية تشبه إلى حد كبير سيناريو سلسلة “نيت فليكس” الشهيرة “Squad Game”.. فمن يمسك بخيوط اللعبة، هي دول كبرى لها مصالح غير معلنة ويظهرون في الأول خارج إطار اللعبة، بينما يبقى اللاعبون فقط كراكيز تتقابل وتتقاتل من أجل وجودية كانت سببها خطيئة النشأة والتطور..

تتمة المقال بعد الإعلان

وبالتالي، فإن قدر المغرب هو أن جغرافيته تبقى محاذية للمكان الجديد لهذه اللعبة. هي بداية.. وقدرة المناورة من خارج الإطار العام لجغرافية اللعبة، بدون عواطف، هو من سيضمن للمملكة المغربية مكانتها واستمراريتها كقوة إقليمية فاعلة وليس مفعولا بها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى