تحقيقات أسبوعية

مع الحدث | فوضى فرض جواز التلقيح تقع على رؤوس رجال الأمن والأطر الطبية

مراكز التلقيح تشهد ازدحاما غير مسبوق

قررت وزارة الصحة تسريع وتيرة التلقيح في جميع مدن وأقاليم المملكة، بعدما أصدرت قرار اعتماد جواز اللقاح في مختلف الإدارات والفضاءات العمومية، حيث عرفت مختلف مراكز التلقيح على الصعيد الوطني، اكتظاظا كبيرا من قبل المواطنين، الذين توافدوا بكثرة من أجل أخذ الجرعات الثانية والثالثة، ومن بينهم من يأخذ الأولى بسبب مخاوفه من اللقاح.

 

الرباط. الأسبوع

 

    تشهد مراكز التلقيح منذ بداية قرار الحكومة، ازدحاما كبيرا خاصة في نهاية عطلة الأسبوع، حيث توافد العديد من التلاميذ والطلبة والأجراء والمستخدمين في المقاولات ومصانع النسيج، لأخذ اللقاح قصد استخراج جواز التلقيح، مما جعل الأطر الطبية والصحية تعيش ضغطا كبيرا وعملا متواصلا استمر إلى الثامنة مساء.

وقد خلف هذا القرار استياء في صفوف العديد المواطنين، بعد قرار إلزامية حمل جواز التلقيح دون إعطائهم الفرصة للقيام ببعض الإجراءات سواء الطبية أو التحاليل، خاصة وأن من بينهم من يعاني أمراضا مزمنة وعليه أخذ إرشادات طبيبه قبل أخذ “الجلبة”، بحيث وضع القرار آلاف المواطنين أمام مشاكل كبيرة في حياتهم، وصعوبة الوصول للتلقيح في ظرفية زمنية قصيرة.

هذه الإشكالية دفعت بعض المواطنين للتنقل إلى مراكز بعيدة عن مقار سكناهم، أو البحث عن مراكز تعرف إقبال قليلا، لأجل الحصول على جرعة من اللقاح، وذلك للهروب من الازدحام الذي تعرفه المراكز المتواجدة وسط المدينة.

في مركز التلقيح في “باب المريسة” بسلا، مثلا، طوابير طويلة لمواطنين ومواطنات، ينتظرون دورهم لأخذ اللقاح، تم توزيعهم بين أصحاب الجرعة الأولى والثانية والثالثة، وذلك لتسهيل مهام الأطر التمريضية والطبية التي تشرف على عملية التلقيح داخل الفضاء الصحي الذي تم تشييده خلال الأشهر الأخيرة لتسريع وتيرة التلقيح.

تعزيزات أمنية متنوعة بمحيط المركز من رجال الأمن، وأفراد القوات المساعدة وأفراد الأمن الخاص، يقومون بتقسيم الوافدين على صفوف وطوابير، لكن الاكتظاظ والازدحام يخيم على المنظر العام، مما يطرح تساؤلات المواطنين والمارة، هل هذا المشهد يساهم في محاربة “كورونا”، أم سيزيد من انتشار المرض في صفوف المواطنين، لاسيما وأن هناك أشخاصا قد يكونوا حاملين للفيروس ويحضرون إلى المركز لأجل التلقيح دون أخذ الاحتياطات اللازمة؟

في هذا السياق، صرح بعض المواطنين، أن القرار الذي اتخذته الحكومة، خلق ارتباكا لدى المغاربة، ولم يمنح الفرصة أو مدة زمنية للاستعداد وأخذ موعد للتلقيح، خاصة وأن الملايين لديهم التزامات، معتبرا أن ربط جواز اللقاح بالخدمات العمومية هو السبب في خلق هذا الازدحام في المراكز الطبية، في جميع المدن، رافضا هذا القرار المفاجئ الذي ليس له منطق علمي، حسب تعبيره.

وأضافوا أنهم ليسوا ضد التلقيح وسبق أن أخذوا جرعتين، لكن الطريقة التي تم بها تنزيل القرار وفرضه على الناس بدون سابق إنذار، غير مفهوم، ويخلق العديد من المشاكل والضغوطات على الراغبين في التلقيح، أو الرافضين له، مشددين على ضرورة إعادة النظر في القرار حتى يسمح للناس ببعض الوقت لأخذ اللقاح في ظروف حسنة وفق الإجراءات الوقائية، حتى لا تنتشر العدوى بين الناس بسبب الاكتظاظ.

سباق مع الزمن

    ويعيش العديد من المواطنين ضغوطات من المحيط المهني في العمل، وداخل مراكز اللقاح، ويشتكون من غياب التنظيم في بعض المراكز الصحية، بسبب اعتماد أرقام مختلفة، تقول سيدة مسنة جاءت لأخذ الجرعة الثالثة بعدما تم إخبارها بضرورة الالتحاق بمركز التلقيح المتواجد بالمقاطعة التي تقطن بها: “يوم أمس، جئت لأخذ الجلبة وبقيت النهار كامل من الصباح حتى المغرب، بلا غذاء وبلا دواء ولم تصلني النوبة، حشومة هاذ الشي، لبارح عطاوني رقم ودابا رقم آخر، نبقاو عاودتاني حتى المغرب راه عدنا شغالنا وأمورنا”.

مواطن آخر جاء لأخذ الجرعة الأولى، قال: “منذ أشهر وأنا متردد عن أخذ التلقيح بسبب إصابتي بمرض جلدي، وكنت أخشى من التلقيح وأنتظر حتى أستشير الطبيب، لكن للأسف، قرار الحكومة لم يراع الظروف الصحية التي يعاني منها المئات مثلي بسبب الحساسية الجلدية التي أصبت بها مؤخرا ولا أعرف سببها”، مضيفا: “قررت أخذ اللقاح بسبب ظروف عملي التي تفرض علي السفر والانتقال إلى مدن الشمال ومدن أخرى، مما يتطلب توفري على جواز التلقيح الذي تم فرضه بشكل مفاجئ”.

 

معاناة الطلبة والتلاميذ

    ووجد العديد من طلبة الجامعات أنفسهم خارج المدرجات، بعد اعتماد المؤسسات الجامعية على جواز التلقيح لحضور الدروس الحضورية وولوج مرافقها، الشيء الذي حرم العديد من الطلبة من حضور حصصهم، رغم أن منهم من تلقى الجرعة الأولى، مما أدى إلى مشادات كلامية مع حراس الأمن الخاص، بسبب اعتماد وثيقة جواز اللقاح دون مهلة محددة.

وقد زاد هذا المنع من ارتفاع حالات الاكتظاظ في مراكز التلقيح من قبل الطلبة والتلاميذ الذين بدورهم فرض عليهم أخذ اللقاح بعدما سبق أن صرحت وزارة التربية الوطنية، أن تلقيح التلاميذ اختياري، وبموافقة الآباء، مما زاد من خلق حالة فوضى عارمة في مراكز التلقيح والتي لازالت مستمرة إلى الآن، بسبب الإقبال غير المسبوق للمواطنين على طلب الجرعة الأولى والثانية قصد استخراج جواز اللقاح.

محمد، طالب جامعي، استنكر الطريقة التي فرضت بها الحكومة جواز اللقاح على الطلبة والتلاميذ في ظرفية اجتماعية ومادية صعبة، خاصة وأن العديد من الطلبة يعيشون إكراهات وصعوبات، مضيفا أن فرض الجواز سيحرم العديد من الطلبة الذين منعوا من مباشرة الدروس الحضورية وولوج الكليات، سواء الذين يعانون من أمراض مزمنة أو حساسية، كما أنه جاء في ظرفية ضيقة لا تسمح للطلبة باتخاذ القرار في ظل الازدحام والفوضى التي تعرفها مراكز التلقيح.

وقد قالت إحدى الأمهات، أن مدير مؤسسة تعليمية فرض التلقيح على التلاميذ لأجل السماح لهم بالحضور للأقسام، مما دفعها لتلقيح أبنائها الثلاثة حتى يتمكنوا من الدخول للمدرسة، معتبرة أن جواز اللقاح خلق معاناة لأسر أخرى ومشاكل للمواطنين، لأنه وضعهم في خانة الانتظار من أجل التلقيح أو تلقيح أبنائهم، متسائلة عن الفائدة من هذا اللقاح في ظل الحديث عن جرعات أخرى في الأشهر المقبلة.

معاناة الطلبة والتلاميذ تفاقمت في المكتبات وفضاءات الأنترنيت من أجل استخراج جواز اللقاح، حيث يسارع الجميع إلى الحصول عليه بعدما تلقوا الجرعة الأولى أو الثانية، حتى يتمكنوا من ولوج المدارس والجامعات، مما خلق اكتظاظا وازدحاما داخل المحلات المخصصة لذلك، إلى منتصف الليل وفوضى وسباق بين الأطفال والشبان.

واعتبر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، في بيان له، أن هذا القرار سيكون شديدا على فئتي الطلاب والتلاميذ الذين سيستمر حرمانهم من التعليم بعد أن حرمهم التعليم عن بعد من مواكبة المحاضرات والدروس لموسمين تعليميين متواليين.

 

ضغط على الأطر الصحية

    تعرف مراكز التلقيح توافد المئات والآلاف من المواطنين رغم قلتها في المدن، الشيء الذي يجعل ساعات العمل بالنسبة للأطر الطبية والتمريضية صعبة طيلة اليوم، بسبب الضغط وكثرة الوافدين، حيث تشتغل من الصباح إلى المساء، بسبب قلة الأطر وغياب فرق مناوبة.

في هذا السياق، يقول مصطفى جعا، الكاتب الوطني للنقابة المستقلة للممرضين، أن الأطر الصحية والتمريضية تعاني ظروف عمل صعبة، بسبب الضغط منذ بداية الجائحة وصولا إلى مرحلة التلقيح، حيث أنه قبل فرض إجبارية جواز التلقيح، كان هدف الوزارة هو تحقيق المناعة الجماعية والتي تستهدف تلقيح ملايين الملقحين بجرعة أولى وثانية ثم ثالثة، مما يتطلب توفير الظروف والأطر البشرية والموارد اللوجستيكية.

وأضاف أنه بعد صدور قرار إلزامية جواز التلقيح، الظروف سوف تزداد والضغوطات أيضا على الأطر الصحية، وخاصة الأطر التمريضية، وهناك أطر تقوم بإعطاء ألف حقنة وهي مسألة صعبة بسبب الزيادة في ساعات العمل، ونحن نتحدث عن ظاهرة الإرهاق وظروف العمل الصعبة، مشيرا إلى الاكتظاظ الذي تعرفه مراكز التلقيح والتي تخلق إشكالية لوجستيكية والتكفل بالأطر الصحية، سواء من ناحية التنقل أو التغذية، وقال: “ظروف صعبة جدا تشتغل فيها الأطر التمريضية وهذا يؤدي إلى التشنجات والاحتكاك في بعض المراكز، لأن العمل يتضاعف في ظرف يومين ويصل لرقم كبير جدا، فالفئة التي تؤدي الثمن هي الأطر التمريضية المكلفة بالتلقيح، والتي تشتغل بدون تعويضات ولا فرق مناوبة، بالإضافة إلى ساعات العمل الطويلة”، وأوضح أن “الوزارة الوصية التي فرضت جواز التلقيح بهذه السرعة، وبهذا القرار الفجائي، كان عليها توفير الوقت والظروف الصحية لتلقيح الناس، وتوفير الموارد البشرية الكافية، لأن القرار لا يجب أن يكون بهذه السرعة وبهذه الطريقة، سواء بالنسبة للمواطنين أو للأطر الصحية”، داعيا الوزارة إلى “توفير الظروف الملائمة وشروط العمل للأطر التمريضية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى