تحقيقات أسبوعية

ربورتاج | استغلال التأمين المدرسي لأغراض مشبوهة

مؤسسات التعليم الخاص في قفص الاتهام

خلق التأمين جدلا كبيرا مع بداية الدخول المدرسي في القطاع الخاص، وطرح العديد من التساؤلات حول مدى قانونية هذه الخدمة بالنظر إلى الرسوم المرتفعة مع خدمات محدودة، وفرض مبالغ كبيرة على أولياء التلاميذ دون حصولهم على نسخ من العقود والوثائق المتعلقة بهذا التأمين.

 

ربورتاج: خالد الغازي

 

    في هذا السياق، قال يونس بوبكري، الخبير في مجال التأمين ورئيس جمعية وسطاء التأمين، أن هذا المشكل سبق أن أثير في السنة الماضية، مما دفع بالوزير إلى توزيع مذكرة يشدد فيها على تمكين أولياء التلاميذ من الاطلاع على عقود التأمين، مضيفا أن التأمين المدرسي مسؤولية تتحملها المدارس ولا علاقة لآباء التلاميذ به، لأنه يدخل ضمن ضوابط دفتر التحملات المفروض من الوزارة الوصية على المؤسسات الخاصة، والمدارس الخاصة ملزمة بأداء رسوم التأمين للشركات ما دامت هي المكتتبة للعقد ولا علاقة لأولياء التلاميذ بهذه الرسوم.

وأكد بوبكري أن الجمعية تدافع عن تنظيم التأمين وحقوق المستهلك دون وساطة، لأن التأمين المدرسي هو مسؤولية مدنية لهذه المدارس ولا يوجد سند قانوني لفرضه على أولياء أمور التلاميذ، ولا يحق للمؤسسات استخلاصه، لأنها تقوم بعملية الوساطة وهذا مخالف للقانون، معتبرا أن ما تقوم به المدارس الخاصة، يعتبر عمل وساطة أو “سمسرة” في التأمين وهو مخالف للفصل 327 من مدونة التأمينات، ويتعرض للمساءلة الجنائية ولغرامات مالية، مبرزا أن المدارس العمومية أيضا ليس لها الحق في استخلاص رسوم التأمين لأنها تقوم بالوساطة أيضا، وحسب القانون، فإن “كل من يمارس مهنة الوساطة في التأمين دون الحصول على اعتماد من الدولة، يتعرض لعقوبات حبسية وللإغلاق الفوري” طبقا للفصل 329.

وأوضح المتحدث، أن أولياء التلاميذ لا يعلمون ما تتضمنه عقود التأمين الموقعة بين المؤسسة الخاصة وشركة التأمين، حيث تطلب منهم الفاتورة والوثائق الطبية وعدة إجراءات معقدة إذا تعرض التلميذ لأي حادث، مما يدفع ولي الأمر للتنازل عن هذه الإجراءات وحقوقه، بينما إذا كان التأمين موقعا بين أولياء التلاميذ والشركة المعتمدة، فيمكن الاستفادة منه بشكل مباشر دون عراقيل.

وأشار بوبكري إلى أن قطاع التأمين يعاني منذ سنة 2016، من الفوضى وغياب المراقبة، بعد استقلالية هيئة التأمينات عن وزارة المالية، والتي لم تعد تقوم بدورها في مراقبة القطاع وتنظيمه رغم توفرها على الإمكانيات، مما سمح للمدارس الخاصة بهذه الفوضى، وببيع خدمات التأمين عبر الأنترنيت، وللوكالات البنكية القيام بالوساطة في التأمين عبر موظفيها رغم عدم توفرها على اعتماد الدولة، مضيفا أن مجلس المنافسة مطالب بالتدخل، للحد من هذه الممارسات غير القانونية التي أصبحت متفشية لدى المدارس الخاصة والوكالات البنكية، والتي تمس بحقوق المستهلك والمواطنين، وتدخل في باب المنافسة غير المشروعة.

غياب آلية المراقبة

    في الموسم الدراسي الماضي، أثار التأمين المدرسي ضجة كبيرة على الصعيد الوطني، مما دفع بالوزير السابق، سعيد أمزازي، لإرسال مذكرة إلى مدراء الأكاديميات، يدعو فيها أرباب المدارس الخاصة إلى التقيد بالضوابط الواردة في القانون رقم 06.00 المعتبر بمثابة النظام الأساسي للتعليم المدرسي الخصوصي، في الشق المتعلق منها بتأمين التلاميذ، حيث طالب المؤسسات الخاصة بتسليم آباء التلاميذ نسخا عن عقود التأمين المدرسي.

في هذا السياق، يرى محمد النحيلي، رئيس اتحاد جمعيات آباء وأولياء التلاميذ بالقطاع الخاص، أن العديد من الأسر تعاني من أجل توفير آلاف الدراهم لتسجيل أطفالها في المؤسسات الخاصة، وخاصة شق رسوم التأمين التي تتراوح ما بين 2500 إلى 4000 درهم سنويا، منتقدا إلزام الأسر بهذا التأمين الذي لا علاقة له بالتأمين الخاص بالتلاميذ، لكون تأمين المدارس هو خاص بها ويتعلق بالمدرسة ككل (التلاميذ، المصاريف، الموارد البشرية…)، ولا يمكن فرضه على أولياء الأمور.

وأضاف النحيلي، أن الأسر تجد نفسها أمام غلاء الكتب المدرسية المخصصة للتعليم الخاص، فبينما تحدد الوزارة أسعار الكتب المدرسية في القطاع العمومي، تظل أسعار كتب المؤسسات الخاصة غير مراقبة، حيث تبلغ في حدها الأدنى 1500 درهم، بالإضافة لمصاريف التسجيل، مما يدفع أولياء الأمور إلى اللجوء إلى القروض قصد تغطية مصاريف التعليم الخصوصي لأبنائهم، مشيرا إلى وجود فراغ تستفيد منه المدارس الخاصة، يكمن في النظام الأساسي للتعليم المدرسي الخاص بالمغرب، الذي لا يحدد الواجبات الشهرية للمسجلين في هذه المؤسسات، حيث أن إغفال المشرع لهذا الأمر هو ما يفسر الأرباح العالية التي يجنيها أرباب المدارس الخاصة.

وأكد أن ما يعيشه قطاع التعليم الخاص يتطلب حلولا جذرية من المسؤولين وصناع القرار، في ظل تغول المدارس والمعاهد الخصوصية ولوبيات هذا القطاع التي هدفها مراكمة الأرباح واستنزاف جيوب الأسر الفقيرة والمتوسطة، التي لجأت للتعليم الخصوصي في ظل تراجع مستوى التعليم العمومي، مبرزا أن اتحاد آباء وأولياء التلاميذ، يرفض تحويل التعليم إلى بضاعة تبعده عن رسالته النبيلة لزرع قيم المواطنة في الناشئة، وجعل الأسر هدفا لتجار التعليم دون أي حماية من هذه الممارسات.

واعتبر نفس المتحدث، أن غياب آلية للمراقبة الحكومية على هذه المؤسسات، وخصوصا على مستوى الأسعار، وربط علاقة الأسر بالمؤسسات التعليمية، يعتبر تواطئا من الوزارة الوصية لصالح لوبي المؤسسات الخاصة، مشيرا إلى أن المندوبية السامية للتخطيط تحدثت، في تقرير لها، عن ارتفاع أسعار التعليم الخاص التي زادت ضمن أسعار المستهلكين بوتيرة تفوق معدل التضخم في الوقت نفسه الذي ارتفعت فيه مساهمة الأسر في تمويل التعليم بالمغرب من 7.19 في المائة إلى 29 في المائة.

 

غلاء الكتب وضعف الأطر

    عبد الصمد، عضو بجمعية أولياء التلاميذ في إحدى المؤسسات الخاصة، قال أن التأمين في المدارس الحرة لا يتعدى 35 درهما، إلا أن أرباب هذه المؤسسات يقومون برفع رسوم التسجيل والتأمين لتغطية مصاريف شهري يوليوز وغشت، ويفرضون على الآباء أداء مبالغ تتراوح ما بين 700 درهم و1200 درهم إلى 2300 درهم، في خانة التأمين دون كشف الحقيقة لهم، محملا المسؤولية أيضا  لآباء التلاميذ الذي يرفضون الاتحاد أو التكتل للتفاوض مع المؤسسة، أو تأسيس جمعية لأولياء التلاميذ داخل المؤسسة للدفاع عن حقوق أبنائهم والحصول على خدمات وأثمنة مناسبة، وأضاف أن المشكل الآخر، يكمن في الكتب المدرسية التي تفرضها بعض المدارس الخاصة على آباء التلاميذ والتي تتراوح ما بين 600 و700 درهم للكتاب الواحد، بينما مؤسسات أخرى في نفس القطاع تستعمل المناهج الدراسية العمومية والبرامج التي تعتمدها الوزارة الوصية دون أن تثقل كاهل أولياء التلاميذ بكتب غالية جدا لا تقدم أي إضافة للتلاميذ.

وأوضح أن غلاء المصاريف وتكلفة التعليم الخاص يقابله ضعف التكوين لدى أطر وأساتذة العديد من المدارس الخاصة، الذين لا يقدمون أي إضافة للتلميذ أو التلميذة، مما يضطر آباءهم للبحث عن دروس الدعم والتقوية في مراكز أخرى، قصد تطوير مستوى أبنائهم في اللغة الفرنسية والرياضيات والفيزياء، مشيرا إلى أن بعض المؤسسات الخاصة تقوم بانتقاء التلاميذ من طبقة اجتماعية معينة، وترفض استقبال التلاميذ الذين يعانون من ضعف في اللغة الفرنسية.

محمد، صاحب مكتبة ووالد تلميذ، يقول أن العديد من الأسر تعاني من غلاء رسوم التأمين والكتب المدرسية لدى المؤسسات التعليمية الخاصة، بسبب غياب المراقبة وترك المجال مفتوحا أمام أصحاب هذه المدارس، مما جعل العديد من المؤسسات تستغل فترة الدخول المدرسي وتفرض أثمنة فوق القدرة الشرائية للأسر، مثل التأمين الذي يصل إلى 1400 درهم، والكتب التي تباع داخل المؤسسات بأثمنة تصل لـ 900 درهم وأكثر، مؤكدا أن قطاع التعليم الخاص يعرف اختلالات وتجاوزات من قبل أرباب المدارس الخاصة للقانون من خلال التأمين وفرض الكتب المدرسية ورسوم أخرى على التلاميذ وآبائهم.

فراغ في التشريع

    في سنة 2010، رفعت كاتبة الدولة لدى وزير التربية الوطنية، لطيفة العابدة، مذكرة ألزمت المؤسسات الخصوصية بإشهار أثمنة وأسعار خدماتها في واجهة المؤسسة، حتى يتسنى للجميع الاطلاع عليها، وطلبت من المؤسسات تسليم عقود التأمين لأسر التلاميذ، حتى لا تقع مشاكل بعد وقوع حوادث مدرسية قد تؤدي إلى اللجوء للقضاء لإحقاق حقوق الأطفال أو تعويضهم عن الضرر، فـ”الظهير  الصادر في 19 ماي 2000، الذي يعد بمثابة النظام الأساسي للتعليم المدرسي الخاص بالمغرب، لا يشير إلى ضوابط تحديد الواجبات الشهرية للمسجلين في هذه المؤسسات، مما يوضح الفراغ التشريعي في هذا القطاع ويسمح لأرباب المدارس بفرض رسوم وأثمنة عالية”.

فالحوادث المدرسية للتلاميذ تندرج ضمن مسؤولية الإدارة لحمايتهم، فكل تلميذ مؤمن إزاء كل حادثة أو مكروه يقع له داخل المؤسسة التعليمية أو أثناء الرحلات والزيارات المدرسية، وتتحمل الدولة المصاريف الناجمة عن الحوادث المدرسية بمقتضى ظهير 26/10/1942، فهي التي تتكلف بتعويض الضرر الذي يصيب التلميذ وهو في رعاية المدرسة مهما يكن السبب، لكنها تعود على المتسبب في الضرر، وذلك في حدود المبالغ المدفوعة، ويتحمل المدرس المسؤول عن حراسة التلميذ المصاب، المسؤولية الإدارية.

هذا، وقد اعترف الوزير السابق، أمام البرلمان، بوجود ثغرات قانونية بخصوص مراقبة التأمين المدرسي بالتعليم الخاص، وقال أن “التأمين لا يمكن أن يتجاوز 50 درهما”، وأن “مدارس خصوصية تستعمل واجبات التأمين المرتفعة في أداء واجبات المستخدمين والأساتذة خلال شهري يوليوز وغشت”.

يظل ملف التأمين المدرسي من الملفات الشائكة التي يجب على الوزير الجديد معالجتها إلى جانب أسعار الكتب المدرسية، ووضع حد للفوضى والتجاوزات الحاصلة من قبل المدارس الخاصة، والتي دفعت أولياء الأمور للجوء إلى القضاء بسبب الأقساط الشهرية الباهظة والزيادات غير المبررة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى