تحقيقات أسبوعية

متابعات | مرضى السرطان يقاومون من أجل الحياة وسط إهمال الدولة والمجتمع

الشريحة التي أهملت في عهد "كوفيد 19"

يعيش مرضى السرطان معاناة كبيرة منذ بداية جائحة “كورونا”، في مسار البحث عن العلاج والأدوية والرعاية الصحية والدعم النفسي، في غياب أي مبادرة من الحكومة السابقة للتخفيف عن معاناة هذه الفئة من المواطنين المرضى الذين يقاومون جميع الظروف الاجتماعية والصحية للبقاء على قيد الحياة، في ظل انقطاع الكثير من الأدوية في الصيدليات، وبعد المواعيد الطبية والالتزام بمواصلة العلاج رغم قلة الإمكانيات المادية.

 

إعداد: خالد الغازي

 

    الكثير من مرضى السرطان القاطنون في المناطق القروية والمدن الصغيرة، يصطدمون بمشكل التنقل إلى المدن الكبرى مثل الرباط، الدار البيضاء، فاس، مراكش، وطنجة، لأجل إجراء فحوصات طبية أو الخضوع للعلاج الكيميائي أو الإشعاعي، حيث تتضاعف معاناتهم مع المرض بسبب المواصلات، ومشكل الإقامة وإدراك المواعيد قصد العلاج.

بالرغم من قيام فعاليات مدنية ونشطاء، بإطلاق عدة نداءات ومبادرات، لأجل التخفيف عن المعاناة التي يعيشها مرضى السرطان، إلا أن الملاحظ هو أن هناك تقصيرا وعدم تجاوب من الدولة والحكومة والمجتمع وإهمال لهؤلاء المرضى الذي يقدرون بالآلاف، ويتحملون قساوة الظروف والمحيط للبحث عن العلاج.

يرى الدكتور مصطفى السويح، أخصائي في جراحة السرطان، ورئيس مؤسس لجمعية دعم مرضى السرطان، أن هذا المرض يخوف الناس والأسر بسبب التكلفة المادية الباهظة، خاصة وأنه يتطلب أطباء أخصائيين، وإجراء فحوصات وكشوفات لأجل تشخيص دقيق لإجراء علاج جراحي دقيق، وبروتوكولات كيماوية وتحاليل للقيام بعلاج دقيق، مشيرا إلى أن الأمور تغيرت خلال الجائحة سواء من جهة الطبيب أو المرضى، بحيث أصبحوا يخشون الذهاب إلى المصحات والمستشفيات بسبب مرض “كوفيد”، والطبيب أيضا لم يعد يجري فحوصات عن قرب ويتم التواصل عبر “الواتساب” أو تقنية الفيديو، خاصة مع المرضى الذين يقطنون في المدن البعيدة عن مراكز علاج السرطان، والذين يجدون صعوبة في التنقل بسبب الجائحة.

وأوضح الدكتور السويح، أن هذه الإكراهات حالت دون إجراء التشخيص المبكر، ونتج عنها التشخيص المتأخر للمريض، مما يصعب ويعقد مسألة العلاج، إذ أن أغلب المرضى يأتون في حالات متقدمة مما يؤدي إلى تدهور وضعيتهم الصحية ويخلق صعوبات أمام الطبيب للحد من المرض، مضيفا أن مرضى السرطان لهم مناعة قليلة وضعيفة ويتخوفون من الجائحة، خاصة وأن العلاج الكيماوي الذي يستعمل في القضاء على الخلايا السرطانية، يخفض مستوى المناعة ويؤثر على جسم المريض.

 

ضرورة الكشف المبكر

    وأكد الدكتور السويح على ضرورة وضع استراتيجية للعمل في وزارة الصحة قصد الكشف المبكر عن مرض السرطان، حتى يصبح واجبا وضروريا مثل الدول الاسكندنافية، التي تفرض على كل امرأة إجراء فحوصات عن السرطان كل عامين، وإذا غابت عن موعد الفحص تقوم فرقة طبية بزيارتها في منزلها، لأن إصابة أي مواطنة بالمرض يكلف الدولة مصاريف وعلاج وأطباء ومعدات، معتبرا أن الكشف المبكر يوفر الوقت ويسهل العلاج للطبيب، ويحد من خطورة المرض على حياة المريضة، مما يتطلب مقاربة تشاركية والتحسيس والتوعية  بين جميع المتدخلين، من أطباء ومجتمع مدني، وإشراك وسائل الإعلام والقنوات العمومية.

وقال السويح، أن مشكل انقطاع الأدوية حصل بسبب تراجع المخزون في المستودعات، لأن غالبية الأدوية يتم استيرادها من الخارج، حيث أن قرار إغلاق المطارات والموانئ بسبب الجائحة، أدى إلى تناقص الأدوية وقلتها على الصعيد الوطني، مما تطلب إجراءات وتأخير من أجل استيرادها بعد فتح الحدود، مما جعل المريض لا يجد هذه الأدوية مثل “مينو ثيرابي، شيميو ثيرابي” التي تستورد من الخارج، مشيرا إلى أن غلاء أثمنة الأدوية مرتبط بالمواد الأولية المستوردة، والضرائب والرسوم الجمركية المفروضة على الوحدات الصناعية والإنتاجية.

وشدد على ضرورة إشراك خبراء الاقتصاد لوضع حلول ناجعة، ودعم الدولة لمجال الاستثمار في القطاع، لإيجاد حلول ناجعة لجميع المشاكل المرتبطة بمرض السرطان، عبر تسهيل الإجراءات والمساطر وتوفير الأراضي بأثمنة رمزية للأطباء لإحداث مصحات خاصة ومراكز لعلاج السرطان في المدن الصغيرة ومختلف الجهات للتخفيف عن معاناة المرضى، مؤكدا على أن الصحة تحظى برعاية ملكية وتتطلب ميزة واهتماما خاصا وتعاونا من جميع القطاعات الأخرى، عبر إحداث صناديق خاصة للأمراض المزمنة مثل السرطان، والقلب، وزراعة الأعضاء (الكبد والكلي)، وتأسيس وكالات متخصصة مع ضرورة المراقبة والمواكبة.

مصطفى السويح

 

رحلة البحث عن الأدوية والعلاج

    الكثير من مرضى السرطان يطرقون أبواب الصيدليات وشركات توزيع الأدوية في مختلف المدن، للبحث عن الدواء المطلوب في البرتوكول العلاجي، اتصالات كثيرة بين الفاعلين الجمعويين لتبادل المعلومة والبحث عن الأدوية والمواعيد الطبية، قصد مواصلة العلاج ومقاومة المرض، لأن أي تأخير يعيد المريض إلى نقطة البداية.

مريم حاتمي، رئيسة الجمعية المغربية لمرضى السرطان بأسفي، تقول أن جميع المرضى، سواء الذين يتوفرون على المال أو على الضمان الاجتماعي أو “الراميد”، يعانون من غياب الأدوية الغير موجودة تقريبا في جميع الصيدليات في المغرب، مثل دواء “إكزيميسان” الذي أستعمله، وهو عبارة عن عقاقير يجب أن يتناولها المريض بشكل يومي، مضيفة أن العلاج الهرموني غير متوفر في المستشفيات بالنسبة للمرضى حاملي بطاقة “الراميد” مثل “ليتروزول” وحقنة تسمى “زولاديكس” التي يحتاجها المرضى كل شهر أو ثلاثة أشهر، والتي يصل ثمنها إلى 3340 درهما، والمقطوعة حاليا من المستشفيات في جهة أسفي مراكش.

وأوضحت أن الأدوية التي تستعمل في علاج “لاشيميو ثيرابي” غير موجودة في السوق منذ مدة طويلة قبل الجائحة، بالرغم من الحملة التي قامت بها الجمعيات للتحسيس بخطورة غياب الأدوية، إلا أن المشكل لازال مستمرا منذ سنوات، ومعاناة المرضى تتفاقم بسبب اختفاء هذه الأدوية الضرورية في العلاج وغيابها يعيد المريض لنقطة الصفر، مبرزة أن هناك العديد من المشاكل التي يعاني منها المرضى منها مشكل التنقل في ظل غياب مركز للأنكولوجيا بالمدينة، بالإضافة  لمشكل “السكانير” لكون العديد من المرضى ليست لهم إمكانيات مادية لإجراء الفحوصات في القطاع الخاص، إلى جانب المواعيد البعيدة في المستشفيات.

وأكدت حاتمي أن العديد من المرضى لا يتناولون الدواء بسبب الفقر وعدم استطاعتهم المادية لشراء الأدوية بسبب مصاريف المنزل والأطفال، مما يعقد مهمة الجمعية في تقديم المساعدة لهذه الفئة، خاصة وأنها لا تتلقى أي دعم من الجهة أو المجلس البلدي وبقية المجالس المنتخبة، حيث تعمل بإمكانياتها الخاصة فقط، مشيرة إلى أن حملة “مابغيناش نموتو بالسرطان” دفعتها رفقة بعض الناشطات، لتأسيس جمعية تعنى بمرضى السرطان، لتخفيف الضغط والعبء عن الناس، ومراسلة الجهات الوصية والوزارة قصد الالتفاتة ومساعدة هذه الفئة التي تعاني التهميش واللامبالاة.

وقالت أن مدينة أسفي وعدة مدن، تعاني من غياب مركز لعلاج السرطان، مما يضع المرضى أمام مشكل التنقل إلى مراكش أو الدار البيضاء، لإجراء الفحوصات أو الخضوع لحصص علاجية، إذ أن إجراء فحص “سكانير” يتطلب مبلغ 11 ألف درهم للتعرف على نوع المرض، ما يستدعي من الجمعية التدخل لتخفيض الثمن لبعض المرضى إلى 6500 درهم، وفي بعض الحالات، تقدم شيكا كضمانة حتى يتم إجراء الكشف للمريض.

وواصلت بأن المشكل الموجود في المغرب هو غياب الكشف المبكر، لأننا ننتظر شهر أكتوبر كل سنة لإطلاق حملة إجراء الكشوفات والفحوصات، بحيث يتم اكتشاف أن غالبية الحالات توجد في حالة متقدمة ومتفاقمة “ميتافاز”، بسبب غياب التوعية والتحسيس، مؤكدة أن جمعيتها تقوم بتنظيم الحملة طيلة السنة بهدف إنقاذ الناس وبعض الحالات من الضياع.

مريم حاتمي

المواعيد تؤزم المرضى

    تعرف المستشفيات العمومية والمؤسسات الصحية الوطنية، إشكالية كبيرة، تكمن في المواعيد الطبية التي تعطى للمرضى، والتي غالبا ما تكون بعيدة التاريخ، مما يجعل المريض، سواء بداء السرطان أو بأمراض أخرى، يطرق أبواب المستشفى ويناضل من أجل تقريب موعد الفحص أو العلاج، حتى يتمكن من الحد من انتشار المرض واقتناء الأدوية اللازمة.

في هذا السياق، يقول عبد الجليل، فاعل جمعوي، أن المشكل المطروح لدى بعض النساء المصابات بسرطان الثدي، يكمن في صعوبة الحصول على موعد والذي قد يصل إلى 6 أشهر لمقابلة الطبيب المختص، إلى جانب صعوبات أخرى للظفر بمواعيد أخرى في المستشفى العمومي لإجراء الفحوصات والتشخيص و”السكانير” والتحاليل، وإجراءات طبية وإدارية أخرى، مما يتطلب من سنة إلى سنتين قبل الشروع في العلاج، وهذا ما يؤدي إلى تفاقم المرض وتطوره في أنحاء الجسد، مثل حالة فتاة أصيبت في البداية بسرطان الثدي، ثم تطور مرضها إلى سرطان العظام بنسبة 70 بالمائة والذي يصعب علاجه.

وأضاف أن المشكل الذي يعاني منه المرضى على الصعيد الوطني، يكمن أولا في بعد المواعيد الطبية وصعوبة الحصول عليها، وغياب الأدوية من الصيدليات، ثم التكلفة الباهظة للأدوية والفحوصات الأخرى، ثم إشكالية النقل والتنقل، وبالتالي، حالة مرضى السرطان حالة مؤلمة، تنضاف إليها معاناة نفسية ومادية تزيد من تأزيم وضعية المرضى، وبالتالي العلاج.

وأكد بدوره على غياب وغلاء الأدوية في الصيدليات، منها أدوية يصل ثمنها إلى 3 ملايين سنتيم، مثل حالة فتاة من أسرة فقيرة بأسفي تحتاج لدواء شهريا سعره 27 ألف درهم، بالإضافة إلى مصاريف التحاليل و”السكانير”، مما يزيد من تأزيم وضعية المريض ويزيد من تكلفة وصعوبة العلاج.

حالات كثيرة لمرضى السرطان في مواقع التواصل الاجتماعي تطلب المساعدة وتطرق أبواب المحسنين، لعلها تجد من يخفف الحمل عنها ويوفر لها بعض الأدوية، وحالات أخرى تسأل عن بعض الأدوية الضرورية، الموجودة في فرنسا وإسبانيا، بينما الظروف الصعبة رمت بالعديد من المرضى للتسول عبر الفيديوهات أو المواقع الإلكترونية، لتوفير مصاريف العلاج وثمن الدواء.

أين المخطط الوطني لمكافحة السرطان ؟

    يتساءل العديد من مرضى السرطان، عن مصير اللجنة الوطنية للوقاية من السرطان ومكافحته، والتي أعلن عن تأسيسها رئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني، وتضم فاعلين ومؤسساتيين ومهنيين، وممثلين عن المجتمع المدني لتتبع المشروع.

فقد أعلن رئيس الحكومة عقب توصله بالعريضة المدنية المطالبة بإحداث “صندوق لمكافحة السرطان” خلال السنة الماضية، عن شروع الحكومة في وضع إجراءات بديلة لدعم مرضى السرطان، من خلال اعتماد المخطط الوطني للوقاية ومعالجة السرطان 2020-2029، وتعميم التلقيح ضد سرطان عنق الرحم لكافة الفتيات في سن الحادية عشر، لكن كل هذه البرامج لازالت مؤجلة.

فالعديد من الجمعيات المدنية التي تقدم الدعم النفسي لمرضى السرطان، تشتكي من عدم تجاوب مؤسسات الحكومة والعمالات مع المراسلات والشكايات التي تتوصل بها، والتي تتطلب توفير التنقل وفتح مراكز جديدة في بعض المدن لتخفيف معاناة المرضى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى