نبيل بنعبد الله.. صحفي وفنان و وزير و دبلوماسي

شخصيات مغربية عرفتها – بقلم. رمزي صوفيا
عرفت الأستاذ نبيل بنعبد الله عندما كان رئيسا لتحرير جريدة “البيان” الناطقة بلسان حزب التقدم والاشتراكية. يومها كنت قد أرسلت إليه نسخة من مؤلفي الفني “أيام مع النجوم” الذي نشرت فيه مجموعة نادرة من الحوارات الفنية مع ألمع نجوم الشاشة السينمائية بالدول العربية وأشهر نجوم وفاتنات هوليوود، وكان تقديم هذا المؤلف بخط يد صديقي العزيز وفقيد الطرب العربي الأصيل العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ الذي حرصت على نشر التقديم والتوقيع بخط يده وبدون طباعة. وتكرم الأستاذ نبيل بنعبد الله بالكتابة عن الكتاب بعد أن قرأه ونال إعجابه، وهو المثقف المعروف بحرصه على قراءة كل الجرائد يوميا والاطلاع على كل ما تحفل به الخزانات من كتب ومؤلفات.
وكل هذا إلى جانب التربية النضالية لتي نشأ عليها حيث التحق في سن جد مبكرة بصفوف مناضلي حزب التقدم والاشتراكية، وبفضل نشاطه وانخراطه في العمل الحزبي والسياسي بطريقة تطوعية أثارت تقدير كل الذين تعاملوا معه، فقد تم انتخابه بالإجماع أمينا عاما للحزب مباشرة بعد وفاة مؤسسه الأول الراحل علي يعته في حادث مؤلم.
وبعد توليه الأمانة العامة للحزب توطدت علاقتنا وصرت أزوره من وقت لآخر فأجالسه في نقاشات مفيدة ومثمرة حيث لمست باستمرار رقي ثقافته وسعة اطلاعه. وعندما أصبح وزيرا للاتصال وناطقا رسميا باسم الحكومة كان الثناء العطر يجوب كل المنابر الإعلامية على حسن خدمات الأستاذ نبيل بنعبد الله وعلى تعامله الإيجابي مع الصحافة والصحفيين وحرصه على مدِّهم بالمعلومة الصحيحة في وقتها وأوانها، كما كان وهو وزير يأمر كل معاونيه بعدم إغلاق أبوابه في وجوه المواطنين الذين كانوا يؤمون مكتبه من كل حدب وصوب، حيث كان يقضي أغراضهم ويلبي طلباتهم بكل طيب خاطر.
كما كان حريصا على حضور كل الفعاليات الفنية والمهرجانات الموسيقية والسينمائية والتظاهرات الثقافية عبر ربوع المملكة حيث مازالت لديه هواية وولع كبيرين باتباع ومعرفة أخبار العالم الفني وعالم النجوم وأخبارهم. كيف لا وهو المثقف الكبير وسليل العائلة الفنية، فوالده رحمه الله هو كاتب إحدى أعظم الأغاني المغربية الخالدة وهي “أذكريني” التي كان قد كتب كلماتها بأبيات شعرية باللغة الفصحى، ولحنها رائد اكتشاف الفنانين في المغرب الأستاذ الراحل عبد النبي الجيراري، وغناها الصوت الرجالي الخالد للمطرب إسماعيل أحمد.
وكنت أجالسه كلما زرته فنأخذ في تجاذب أطراف الحديث حول ماضي الأغنية المغربية الجميلة مع روادها الذين تحدوا المستعمر بكلماتهم وألحانهم. وذات مرة سألني قائلا: لقد عاشرت أشهر نجوم الشاشة الهوليوودية فكيف رأيت حياتهم وأحوالهم؟” فقلت له: إنهم يبدون للناس العاديين في قمة السعادة. ولكن الكثيرين منهم وبمجرد تحقيقهم لكل أحلامهم من شهرة ونجاح وثروات هائلة وبيوت أسطورية فإنهم يتحولون إلى مدمنين على المخدرات وكل أنواع الموبقات الجسدية والنفسية” فقال لي: “هذه هي سنة حياة البذخ” فتابعت كلامي مؤيدا ما قاله الأستاذ نبيل : “نعم، إن حياة البذخ تجعل الشخص عندما ينال كل شيء ويحقق كل أمنياته المادية يتحول إلى وحش يؤذي نفسه بالعادات السيئة”.
ويتميز الأستاذ نبيل بنعبد الله بكفاءاته العالية في مجالات متنوعة
فهو مترجم و ديبلوماسي و سياسي مغربي.
مسيرته المهنية
حصل الأستاذ نبيل بنعبد الله على شهادة عليا من المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية بباريسسنة 1985، شعبة العلاقات الدولية، مارس بعدها مهنة ترجمان محلف لدى المحاكم المغربية منذ 1987. وشغل منصب نائب رئيس جمعية التراجمة المحلفين بالمغرب منذ 1992 كما كان عضوا بالمجلس الوطني للشباب والمستقبل سنة 1990.كما تميز مساره في المجال الجمعوي بعضويته في المجلس الإداري لـ”مؤسسة الثقافات الثلاثالمتمركزة في إشبيلية.”
وتولى مهام رئيس الشبيبة الاشتراكية من 1994 إلى 1998، قبل أن ينتخب ضمن أعضاء المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية سنة 1995 .وفي سنة 2003 تم انتخابه مستشارا بمجلس المدينة ومجلس مقاطعة أكدال الرياض بالرباط من شتنبر 2003.
وقد عمل مدير لجريدتي “البيان” و”بيان اليوم” من سنة 1997 إلى غاية سنة 2000.
وفي مساره العملي لم يكن وزيرا فحسب بل دبلوماسيا ناجحا، حيث تقلد منصب سفير للمملكة المغربية بإيطاليا لمدة لم تتعد ثلاث أشهر (2009-2010)، ولكنه خلال هذه المدة القصيرة قام بعدة أنشطة ثقافية ساهمت كثيرا في تقريب وجهات النظر بين البلدين.
وبعد ذلك تم تعيينه كوزير للاتصال، والناطق الرسمي باسم حكومة إدريس جطو من نونبر 2002 إلى أكتوبر 2007. وبعد الانتخابات البرلمانية المغربية التي تم تنظيمها في سنة 2011تم تنصيبه في 3 يناير 2012 وزيرا للسكنى و التعمير وسياسة المدينة في حكومة بن كيران.
مسار عطر قدم من خلاله الأستاذ نبيل بنعبد الله لبلده خدمات طيبة كوطني غيور على مقدسات المغرب وحريص على التفاني في عمله وتقديم يد المساعدة لكل من يجدهم في طريقه، كما أنه معروف بوفائه لأصدقائه وعدم تخليه عنهم في أوقات الشدة، ولطالما حكى لي الكثيرون كيف وقف معهم الأستاذ نبيل بنعبد الله في وقت تخلى فيه عنهم الجميع.
أتمنى لهذا المناضل والمفكر الكبير مزيدا من النجاح والتألق لأنه يظل في كل منصب يُسند إليه: الرجل المناسب في المكان المناسب بفضل ثقافته وإخلاصه لملكه ولبلده.