الرباط. الأسبوع
توفي محمد نوبير الأموي، الكاتب العام السابق للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، يوم الثلاثاء الماضي، عن عمر ناهز 85 سنة، بإحدى مصحات الدار البيضاء، بعد معاناة مع المرض خلال الأشهر الأخيرة.
بالرغم من رحيله إلى دار البقاء، ترك الأموي الملقب بـ”أسد الشاوية”، إرثا نضاليا وحقوقيا كبيرا في التاريخ المغربي، لكونه من أبرز السياسيين النقابيين الذين رفعوا راية العصيان أمام “المخزن” والحكومة، وظل متمسكا بمبادئه رغم المضايقات والاعتقالات، وخلق نقاشا سياسيا داخل اليسار، وساهم في بناء الفكر النقابي، رغم الانتقادات التي طالته في نهاية حياته السياسية.
وقد نقش الأموي اسمه في التاريخ السياسي والنقابي الوطني بالرغم من قراراته الصلبة وانسحابه من حزب الاتحاد الاشتراكي، والبرلمان، ورفضه مسلسل التناوب، إلا أنه ساهم في الدفاع عن الطبقة العاملة وشكل مدرسة لتكوين وتأطير واحتضان العديد من الشباب النقابيين، وتكوين مركزية نقابية تعتبر مدرسة في العمل النقابي العربي.
يتوفر الأموي على تجربة سياسية تمتد منذ زمن طويل، بدأها بالتحاقه بحزب الاستقلال، ثم بالجناح النقابي للحركة الوطنية الاتحاد المغربي للشغل، وهو الذي ولد سنة 1936 بمدينة بن أحمد بإقليم سطات، لأسرة محافظة، حيث تلقى تربيته على يد والده الفلاح حمان الأشهب الزيراوي، وأمه عائشة بنت بوعزة، ودرس في الكتّاب، وأنهى حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، قبل أن يلتحق بالتعليم الابتدائي في مدينة الدار البيضاء لمواصلة دراسته، ثم بجامعة ابن يوسف بمدينة مراكش، وبعدها بجامعة القرويين بمدينة فاس.
ويعود اسم الأموي إلى الولي الصالح الموجود بالمنطقة ويسمى “سيدي أمية”، حيث فضل اللجوء إلى القضاء لتصحيح اللقب العائلي من “أمية” إلى “الأموي”.
وقد بدأ الراحل نضاله السياسي داخل حزب الاستقلال سنة 1952، لينضم بعد ذلك إلى نقابة الاتحاد المغربي للشغل بعد توظيفه في التعليم، ليبرز اسمه بعد إطلاقه لحركة مقاطعة أول دستور في المملكة، لينال ثقة الزعيم الاشتراكي المهدي بنبركة، الذي عينه مسؤولا عن اللجنة العمالية للنقابة بالرباط سنة 1963.. فكانت هذه البداية النقابية بالنسبة لنوبير الأموي، بمثابة الانطلاقة للبحث عن مسار جديد وفرض اسمه داخل الحزب، رغم تعرضه لعدة مطاردات من قبل الأجهزة الأمنية بسبب مواقفه، وتم اعتقاله عدة مرات بسبب الاجتماعات التي كان يعقدها وتواصله مع الشباب والعمال لأجل نشر الفكر النقابي والحقوقي، والدفاع عن حقوق الطبقة الشغيلة، وتمكن من تأسيس نقابة مستقلة عن الاتحاد المغربي للشغل، تحت اسم “الكونفدرالية الديمقراطية للشغل”، والتي أصبحت مركزية نقابية تجمع أهم القطاعات الاقتصادية، ليتم تنظيم المؤتمر التأسيسي الأول في 25 نونبر 1978، حيث خلق الأموي المفاجأة ليكون على رأس النقابة المركزية بفضل أسلوبه في الخطاب وقدرته على كسب تأييد الطبقة العمالية والفلاحين، بعدما كانت الأنظار تتجه صوب عبد الرحمان الشناف، وأحمد البوزيدي.
تعرض نوبير الأموي لعدة مضايقات واعتقالات طيلة مساره النقابي، حيث قضى سنتين على خلفية “الإضراب العام” الذي دعت له الكونفدرالية الديمقراطية للشغل في يونيو 1980 احتجاجا على الزيادة في أسعار المواد الأساسية، وهو الإضراب الذي قوبل بعنف من قبل السلطات، ونتج عنه سقوط العديد من الضحايا في ما يعرف في المغرب بـ”شهداء الكوميرا”، والمختفين، واعتقال قيادات من الكونفدرالية وإغلاق مقراتها، بينما كان نصيب الأموي سنتان من الاعتقال دون محاكمة.
ففي يوم الثلاثاء 24 مارس 1992، كان الأموي متجها نحو مقر النقابة للقيام بعمله اليومي، إلا أنه اكتشف أن سيارة لعناصر الشرطة تتعقبه، لكنه لم ينزعج وواصل طريقة نحو درب عمر بمدينة الدار البيضاء، ليجد مجموعة من عناصر الأمن منتشرين أمام المقر المركزي للنقابة، فعلم أنه موضوع دعوى قضائية من قبل الحكومة، تقدم بها الوزير الأول عز الدين العراقي.
وجاءت هذه المحاكمة بسبب حوار أجراه الأموي مع اليومية الإسبانية “إلباييس”، والذي وصف فيه وزراء الحكومة بـ”اللصوص”، وقد كان آنذاك عضوا في المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي كان في تيار المعارضة، وصدر في حقه حكم بالسجن سنتين، لكن الحسن الثاني أصدر عفوا في حقه بعد 14 شهرا من الاعتقال.
كثيرون يحملون نوبير الأموي مسؤولية فشل مشروع التناوب الحكومي في عهد اليوسفي، بسبب مواقفه المتصلبة وعدم قبوله الرأي الآخر، مما خلق خلافات وتصدعا داخل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بين تيار الأموي وتيار اليازغي.
ففي سنة 1998 قاد اليسار المغربي أول حكومة في تاريخه تزعمها الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، عبد الرحمان اليوسفي، إلا أن الخلافات برزت بسبب رفض الأموي خضوع النقابة لقرارات الحزب حول المشاركة في تجربة التناوب، مما أسفر عن خلاف وقطيعة بين اليوسفي والأموي.
وقد برز داخل الحزب تياران: الأول للأموي والثاني لليازغي، يبحث عن مصالحة مع النظام للمشاركة في الحكم، إلا أن الأموي ظل متمسكا باستقلالية النقابة عن تجربة التناوب، ورفض استوزار أطر من المركزية النقابية، وهو ما كان يؤشر على بداية انشقاق جديد في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
واستمر الخلاف بين الأموي وتيار اليازغي واليوسفي في حزب الاتحاد الاشتراكي، وخاصة خلال انعقاد المؤتمر السادس للاتحاد سنة 2001، بحيث قرر الأموي الانسحاب من الجلسة رفقة أعضاء النقابة، ليخلق بذلك الجدل داخل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
وفي سنة 2003، اتخذ الأموي قرارا رفقة بقية النقابيين، بتأسيس حزب المؤتمر الوطني الاتحادي، الذي انتخب في مؤتمره التأسيسي عبد المجيد بوزوبع أمينا عام له، مما جر على الأموي انتقادات كثيرة من قبل رفاقه في الاتحاد والعديد من المناضلين، لأن هذا الانشقاق سيؤدي إلى حدوث انشقاقات أخرى في الحزب.
كما أن الراحل خلق الجدل في الساحة السياسية سنة 2008، بعدما قرر انسحاب المجموعة النيابية التابعة للكونفدرالية الديمقراطية للشغل من مجلس المستشارين، بحجة ضعف أداء المؤسسة التشريعية، وعلل المجلس الوطني للنقابة قرار الانسحاب، بسبب “قصور المجلس في القيام بمهامه، وأدواره في التشريع ومراقبة الحكومة، وما يطبع أشغاله من بؤس في التعاطي مع القضايا الوطنية التي تحكم مستقبل المغرب، فضلا عن غياب التصور في معالجة الملفات المختلفة”.
وخلال فترة الربيع العربي وتنظيم المملكة لاستفتاء حول الدستور سنة 2011، دعا الأموي أنصاره إلى مقاطعة الاستفتاء، معتبرا أن “مشروع الدستور يعزز ما كان عليه الحال في الماضي، ولن يستجيب للتطلعات”.
وعلل المجلس للنقابة قرار المقاطعة بكون “المنهجية المعتمدة في تحضير وإعداد الدستور، هي أبعد عن المنهجية التشاركية، مما أخل بالإشراك الفعلي والحقيقي”.
في سنة 2018، قرر نوبير الأموي ترك منصبه كأمين عام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، بسبب ظروفه الصحية، ليخلفه نائبه عبد القادر الزاير، وقد ترك الراحل بصمته في المركزية النقابة، حيث ظل رفاقه متمسكون بالمبادئ والقيم التي أسس لها ودافع عنها طيلة مسيرته النضالية، والتي شكلت مدرسة في العمل النقابي.