الرأي

الـــــــــــرأي | تدهورت الأخلاق في مراكش فكان لابد من تحرك نساء الأمن

بقلم. محمد بركوش

طلعت علينا فجأة ودون سابق إعلام سيدة محترمة برتبة مستشارة في الغرفة الثانية بكلام من أساطير الأمس القريب، نذرته للحديث عن الدعارة التي اعتبرتها من روافد الاقتصاد الوطني ((المساهمة في ميزانية الدولة))، وذلك بعد أن انتقدت بشدة غير مألوفة وكما ورد في إحدى الجرائد الوطنية التركيز على محاربة الظاهرة على النساء دون الرجال، وهاجمت بقوة أيضا تخصيص شرطيات في مراكش “للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” يتناقض مع أبحاث جل السوسيولوجيين الذين يقولون بأن “القليلات من العاملات في سوق الجنس يستطعن بصعوبة ولوج مرحلة استثمار فائض القيمة” (الأستاذ عياد بلال)، والكثيرات منهن يغلب عليهن سمة الفقر المدقع، لأنهن لا يقدرن على “تكوين ثورة”، فيصبحن بعد تقاعدهن وتقدمهن في السن ((بائعات سجائر بالتقسيط أو متسولات في الشوارع أو حارسات لمراحيض الحانات والملاهي)).

كلام الأخت خلف وقودا جديدا لعناصر الفتنة كما قال أحدهم، رغم ما أثاره من ضحك وسخرية داخل قبة البرلمان. لم يضاهه في الابتذال إلا كلام رجل آخر يروقه أن يفتح عينيه كل يوم على عالم جديد بدون قيم ولا أخلاق꞉ رجل وجد نفسه يسيء إلى مرتديات الحجاب والبرقع و”الفولار” من خلال ما فاه به عن ممارسة الدعارة التي “تتم في أيامنا (وهذا كلامه) بالبرقع وكل أنواع الحجاب، بل إن بائعات الهوى أصبحن يفضلن هذه الأنواع من اللباس لأنها تبعدهن عن الشبهات، وتسمح لهن بممارسة مهنتهن بدون إزعاج الأمن أو الزبائن غير المرغوب فيهن” وفي هذا تجن كبير على المرأة المحصنة التي تجد “متعة” على الأقل في لباس تختاره بحرية، ودونها ضغط أو توجيه، لإخفاء زينتها كما ورد بالقرآن الكريم، والابتعاد عن التبرج والعري أو نصف العري كما قيل، وفيه إلى جانب ذلك رمي للمحصنات وقذفهن بدون علم، وبشكل مقصود، يستدعي على الأقل المساءلة القانونية والشرعية.

تتمة المقال تحت الإعلان

لقد كانت الدعارة منتشرة ليس في مراكش لوحدها بل في كل مدن المغرب منذ زمن سحيق، يحكي ((ليون الإفريقي في إحدى كتاباته بأنه شاهد (في القرن السادس عشر) بإحدى مدن المغرب منازل ودورا كانت محمية من طرف رئيس الشرطة وحاكم المدينة، يسكنها “رهط” يقال لهم “الهيوى” وهم رجال يحلقون لحاهم ويقلدون النساء في كلامهن ولباسهن وتزينهن وتغنجهن (كما كان يفعل شطاح السويرتي في مراكش)، لكل واحد من هؤلاء الأنذال صاحب يتسراه ويعاشره كما تعاشر المرأة زوجها، ثم بدأت تلك الظاهرة تخبو شيئا فشيئا بعد أن تحسنت الأوضاع وانتشر التعليم وخرج الاستعمار، وبعد الاستقلال أخذت الدولة على عاتقها مهمة حفظ الأنساب إضافة إلى حفظ الأرواح والأموال والأعراض عن طريق التوعية والتعريف بالأمراض التناسلية والتشجيع على الزواج، وإغلاق الدور المشهورة بذلك، ولم تعد الظاهرة إلى البروز بحدة إلا مؤخرا نتيجة نفس الأسباب السابقة وأخرى تضخمت مع تطور الحياة، وشيوع بعض التصرفات اللاسرية إن صح التعبير والتي تساهم في خدش الحياء وتدهور الأخلاق وتمييع الكثير من المفاهيم، فكان لا بد من تدخل الدولة لحماية الأمن الأخلاقي وصيانة المجتمع من كل التجاوزات، وفي هذا الإطار تأسست فرقة الأخلاق من نساء الأمن إلى جانب فرقة الدراجين بصيغة المؤنث تقوم (أي الفرقة). بمهمة مؤطرة قانونا، بوداعة واحتشام كبيرين وبأدب واحترام تامين، يساعدان في الكثير من المرات على حل المشكل في إبانه وببساطة متناهية وتفاهم مطلق، ولم يثبت أن “لاحقن فتيات عصريات على أنهن مشتبه فيهن بسبب لباسهن أو ما يرتدين”، كما أنهن وهذا يشهد به الجميع في مراكش، لم يسجل عليهن أنهن طالبن النساء القادمات إلى المدينة بالمغادرة فورا بسبب الشك في أهدافهن وسلوكاتهن” لسبب بسيط وهو أن الفكرة المتعارضة مع التسامح والحرية يصعب تنفيذها لشساعة المدينة، وتعدد أبوابها، ولما يتمتع به سكانها كما قال أحدهم من نكهة حقوقية خاصة وأصالة شديدة وكرم زائد.

إن ما أقدم عليه المسؤولون الأمنيون بتعيين شابات مثقفات واعيات ليس “سلوكا غريبا يعود إلى أساليب الدولة البوليسية وبلدان حالة الاستثناء، بل على العكس من ذلك هو سلوك حضاري، يترجم حسا دستوريا إن صح التعبير يعنى بمبدإ المساواة والمناصفة، فرضه الوضع القائم اليوم والذي يؤمن بقدرة المرأة وقوتها وجدارتها في تحمل المسؤولية إذا ما أتيحت لها الفرصة لإثبات ذاتها على أحسن وجه، قلت سلوكا لا يحمل على الدهشة ولا ينطوي على أي مس بالحقوق والحريات، فقد تأكدت بأن ما يبطل له هو ضرب من ضروب “التمييع” يلجأ إليه عندما تلمس مصالح البعض، تأكدت من ذلك عندما أعرب لي مسؤول في النيابة العامة بمراكش عن خيبة أمله مما يروج ويكتب تحت يافطة “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، نظرا لأنه للم يعش للحظة مع قضية من النوع المتحدث عنه ولم يسبق أن قدمت الشرطة أمامه سيدة بتلك “الأفعال” وإذا ما ثبت فيما بعد (وهذا يقول المسؤول مستبعد جدا إن لم يكن مستحيلا نظرا لما أصبح عليه الأمن من ثقافة حقوقية ووعي اجتماعي)، فإنه سيعمل على الإفراج عنهم قانونيا وليس مجاملة أو شيئا من هذا القبيل.

تتمة المقال تحت الإعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى