الحقيقة الضائعة

الحـقــيقة الضــــائعة | حذار من تضخيم جبروت الأجهزة الأمنية

بقلم. مصطفى العلوي
بقلم. مصطفى العلوي

         تسلم مكتب الضبط، في السفارة المغربية بباريس، من المواطن المغربي الفرنسي، زكريا المومني، بطل رياضة طاي البوكسينغ ، والمتهم لجهاز الديسطي بتعذيبه، رسالة موجهة إلى “العناية السامية للملك محمد السادس”، مؤرخة بـ 2 جوان 2014، يؤكد فيها المومني، النوايا التي نشرها على صفحات الأسبوع (عدد 3 أبريل 2014) وأكدها في العدد 15 مايو 2014 مضيفا إليها: “أنه ليس معارضا، ولا سياسيا، ولا معارضا للنظام”، لتعنون “الأسبوع”، بأنه يمكن حل إشكالية هذا الملف، في الرباط، وليس في باريس.

جاء هذا أياما قليلة بعد أن أعطى الملك محمد السادس توجيهاته إلى وزير العدل لتخفيف حدة تطورات هذا الملف(…) ودراسة موضوع الفرنسيين المعتقلين بالمغرب، والغاضبين على قطع العلاقات القضائية بين المغرب وفرنسا نتيجة الضغوط الفرنسية، من أجل الاستماع إلى مدير الديسطي عبد اللطيف الحموشي.

وكان هذا المومني وكأنه يستطلع الجواب، قد حضر في باريس الأسبوع الماضي، في ندوة مغربية نظمت في “دار المغرب”، فصادف أن تقابل مع رئيس منظمة حقوق الإنسان المغربية، إدريس اليزمي (الصورة) الذي اتضح للمومني، أنه آخر من يعلم(…)، خصوصا عندما ذكره اليزمي بأنه سبق أن اتصل بزوجة المومني، تلفونيا، عندما كان البحث جاريا عن حل، وليؤكد اليزمي، مرة أخرى، أنه عاجز عن عمل أي شيء.

تتمة المقال بعد الإعلان

ويبقى التساؤل، إذا كان مبعوث من طرف القصر زار المومني في سجنه، واسمه عادل بلكايد، ووعده بالعفو الملكي، وحصل العفو فعلا، ثم استدعاه وزير الداخلية السابق العنصر، وأنزله على حساب الدولة في فندق حسان، هو وزوجته لدراسة طرق طي الملف، فمن هي هاته القوة التي تريد أن يبقى موضوع هذا المواطن المغربي، سببا في أزمة فرنسية مغربية، أكد فيها الرئيس الفرنسي هولند ووزير الخارجية فابيوس، أنه لا نفوذ لهم على القضاء الفرنسي، فلما لا تحل هذه القضية في الرباط، بدل انتظار حلها في باريس، وها هو عدد ضخم من المغاربة القاطنين في فرنسا، يقدمون شكايا جديدة بتعرضهم للتعذيب في المغرب، بينما محامو الطرف المغربي، لم يصدروا أي بيان عن أي تقدم حققوه فيما أسماه وزير الداخلية الجديد، حصاد، متابعة المشتكين المغاربة لدى القضاء الفرنسي، بتهمة البلاغ الكاذب.

وقبل عرض شكاية المومني على القضاء الفرنسي، هناك مؤتمر دولي لحقوق الإنسان سيعقد في منطقة لابروطاني بحضور جميع المنظمات العالمية لحقوق الإنسان، حيث سيطرح موضوع شكاية زكريا المومني، الذي لازال ينتظر الاستجابة لمناشداته الكثيرة، بأن تحل قضيته على المستوى المغربي.

إن الخشية كلها، هي أن يكون الضغط البوليسي، بصدد محاولة طي ذراع الدولة الفرنسية(…)، بينما الذراع الفرنسية الأخرى، مثقلة بالتسجيلات للمكالمات التلفونية المتعلقة بالمومني، واتصالات الأطراف المغربية، عبر مكالمات مسجلة(…) وسابقة العفو الملكي واعترافات أخرى صوتية، تعترف بأن المغرب مستعد لإنصاف المومني الذي ليس إلا مواطنا مغربيا متأصلا، يمكن حل المشكلة معه بكلمتين طيبتين(…) كجميع المغاربة في جميع القضايا، مثلما أن هذا القضاء الفرنسي متأثر بالسابقة التي لم تتحرك فيها أجهزة الأمن ولا الديستي المغربية، عندما وقف المجرم المتابع مصطفى حيم، أمام المحكمة العليا بباريس بتهمة التجارة في المخدرات، ليقول أمام المحكمة، إني مندوب جهاز الديستي المغربي في باريس (حكم 14 جوان 2012) دون أن ينشر أي بيان توضيحي، لتبقى هذه الحالة غير المشرفة(…) مهيمنة على النظرة الفرنسية لجهاز الأمن المغربي. ويبقى مشروعا التساؤل عن خلفيات رفض الاستجابة لمشتك بالمغرب إلى الدولة الفرنسية، يعلن استعداده للتنازل، وطي هذا الملف المرشح للتصعيد(…)، ومسؤولونا يعرفون أننا نعيش عهدا تحل فيه القضايا الكبرى عن طريق التفاوض، إلا إذا كانت الأجهزة الأمنية المغربية، المتصلبة تتوفر على ما سيجعلها، بقوتها، قادرة على هزم القضاء الفرنسي.

تتمة المقال بعد الإعلان

وإذا كانت المهمة المسندة دستوريا لجهاز الأمن المغربي هي حماية المواطنين في أرواحهم وممتلكاتهم، والسهر على راحتهم وطمأنينتهم ليل نهار، فيجب أن لا تتحول هذه الأهداف النبيلة، عن طريق سوء استخدامها، إلى خدمة للأغراض الشخصية، والأهداف السلطوية، ولو على حساب القانون، مادام استعمال الشطط الذي يضر بالوطن، ويؤجج حقد المواطنين، يعطي الانطباع للعالم بأن جهاز الأمن، ما هو إلا أداة قهر وقمع، خصوصا عندما يلجأ المواطن الذي يحس بالظلم، إلى رمز البلاد الملك، ويترجاه التدخل، أم أننا لم نستفد من دروس الماضي حيث كانت الرسائل يتم إخفاؤها عن الملك.

مرة قرأ الوزير الأول السابق، عبد الرحمن اليوسفي تقريرا أمنيا، كتبه عميد سابق كان رئيسا للفرقة الحضرية للشرطة القضائية بمراكش، حول تطاول مسؤولين أمنيين استفزوا مواطنا وسلبوه خمسة آلاف درهم(…) ليعلق المسؤول الاتحادي بقوله: إن أغلب المغاربة طيبون وقليل منهم فاسدون.

حكاية الخمسة آلاف درهم، ونحن نبتعد كثيرا عن الديستي(…) ترجع بنا إلى العمل الأمني بشكل أوسع، وتذكرنا ببدايات جهاز الأمن المغربي بعد الاستقلال، أيام المرحوم محمد الاغزاوي، الذي كان مديرا للأمن، حين ضبط رئيس الأمن بوجدة مرة، شرطيا أخذ خمسة دراهم(…) فطرده من جهاز الأمن، ومرة تم ضبط شرطي في الشمال متلبسا برشوة سبعمائة درهم، فتم تقديمه لوكيل المحكمة آنذاك، “نو الشريف”، وحكمت عليه المحكمة بثلاثة شهور سجنا..

ذكريات وأحلام(…) تذكرنا بأن البدايات الأمنية كانت على أحسن ما يرام وهي ذكريات أصبح حاكيها اليوم، محسوبا من المخبولين في زمن أصبح فيه بعض عمداء الشرطة ينافسون كبار الأغنياء في ثرواتهم، وبعد أن دخلت السياسة مجال الشرطة، وتغلغلت أجهزة الشرطة في هياكل السياسة، بل أصبح بعض رجال الشرطة، يصنعون قرارات بعض أقطاب الأحزاب السياسية، والتخطيط للمجالس التمثيلية وتعيين من يجلس هنا ومن يجلس هناك.

بينما أخطر ما في تاريخ الشعوب، أن يختلط النفوذ التنفيذي بالنفوذ التشريعي ويبدأ الأول بإملاء أوامره للثاني وذلك ما يسمى بالأساليب الدكتاتورية، وقد رأينا نماذج طحنت فيها الدكتاتورية أقطابها.

وكما أن للأمجاد والفتوحات والمكارم والمعالم، تاريخها المكتوب، فإن الأجهزة الأمنية عندنا، وبعد أن علّمهم(…) كبار أقطاب الجاسوسية والمخابرات العالمية سبل تسييس الأمن المغربي(…) فحصل ما لم يتطرق إليه الكتاب والصحفيون، الذين أغلبهم مرتعشون خائفون، لا يجرؤون على التعمق، فأصبحوا يكتفون بنشر أخبار الجرائم والاعتداءات الشخصية.

فعندما كانت شعوبنا من الخليج إلى المحيط تمارس ثورتها بدءا من الخمسينات، تعلمت فينا الأجهزة البوليسية وخاصة المخابرات الفرنسية في منطقتنا، وتكفلوا بإسكات أصوات الداعين إلى الحرية والشفافية وشكلوا عصابات للاختطاف والاغتيال والترهيب، ونظموا أنفسهم على صعيد المستوى العالمي، لتكتب أجهزة الإعلام، في قاموس الممارسات، عبارات من قبيل “ليباربوز” السفاكين، حينما تأسس في 28 دجنبر 1945، وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، جهاز الاستخبارات الفرنسي باسم “السديك” لمعاقبة مخلفات الاحتلال النازي لفرنسا، ولكنهم ما إن أنهوا تلك المهمة، حتى كان حجمهم قد نما وتضخم، وتوالد عنه جهاز الديستي الفرنسي، الذي اقتبسنا منه في المغرب هذه التسمية(…) وأصبح الديستي الفرنسي، مكلفا بإعلان الحرب البوليسية على كل من يتحدث عن الاستقلال.

وقد دشن أحد اقطاب الإرهاب البوليسي الفرنسي واسمه “جوأتيا” – واذكروا الأسماء – بأن قام بتنظيم محاولة اغتيال الزعيم المرحوم علال الفاسي، بوضع قنبلة في قاعة للاجتماع كان سيحضرها علال الفاسي في فندق درسا بتطوان، لو لا أن أحد عمال الفندق اكتشف القنبلة.

وكان الإرهابي الفرنسي المكلف من طرف المخابرات الفرنسية “جوأتيا” مرفوقا في محاولته تلك بعميل سري اسمه “جان باليس”، الذي سيصبح فيما بعد شريكا في عملية اختطاف الزعيم الآخر، المهدي بنبركة في 29 أكتوبر 1965، عشر سنوات بعد محاولة اغتيال علال الفاسي، وفرخت مؤسسة الديستي الفرنسية بيضها(…) في المغرب وتونس، في شكل منظمة دموية سرية تسمى “اليد الحمراء”، التي اغتالت في تونس الزعيم فرحات حشاد، واغتالت في المغرب، خيرة أقطاب العمل السياسي: الطاهر السبتي، أحمد الديوري، عمر السلاوي، وحتى الصحفي الفرنسي المؤيد للمغرب والساكن في عمارة الحرية بالدار البيضاء، لوميكر دوبروي.

كما تفرعت عن أجهزة المخابرات الفرنسية عصابات تسمى “لوساك” التي أنشأها في البداية أنصار الجنرال دوكول لتصفية معارضيه من المتطرفين الفرنسيين.

إلا أن هذه العصابات البوليسية عندما تدرك درجة من التواطئ الحكومي(…) فإنها تطغى حتى على أسيادها، طغيانا، أدرك في فرنسا حد تنظيم مؤامرة لاغتيال الجنرال دوكول نفسه وكان رئيسا للدولة، حيث ضربوه بالرصاص في موقعة “لوبوتي كلامار” اضطر بعده دوكول للاعتراف بأخطائه، وتعيين رئيس الأجهزة(…) روجي فري، وزيرا للداخلية(…) شحن ديوانه بأقطاب البوليس، وأصحاب الأيادي الملطخة، أمثال: “ألكسندر سانغينيتي”، و”جان بوزي” و”جاك فوكار” وأصبح جهاز “السديك” هو الذي يقتعد سدة القرار الحكومي ((وعندما احتاج للتمويل، نظم عملية اختطاف ثري يهودي اسمه “ليفي شالوم” طالبوه بدفع فدية قدرها 750 مليون فرنك، لتتوسع مجلة التايم الأمريكية في إعطاء التفاصيل)) (التايم عدد 4 شتنبر 1972).

وكانت تلك هي المدرسة العليا للبوليس والمخابرات التي كان فيها الضابط المغربي محمد أوفقير يتلقى دروسه ويرضع من ثديها، لينفذ بدوره في المغرب نظيرا لهذه الأجهزة، فهو مؤسس جهاز الديستي وفرعه الدموي “الكاب آن”، وما أدراك ما “الكاب آن”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى