الـــــــــــرأي | شبابنا بين هاجس الامتحان و”نشبة” المهرجان

الـــــــــــرأي – بقلم. الحسين الدراجي
وصف ما يجري الآن في العالم العربي وحتى الإسلامي فيه تجنٍ على الطبيعة لأن هذا الفصل من السنة حين يقبل تخضر الروابي والسهول وتزهر الأشجار وتغرد البلابل، فيخرج الناس يقصدون البساتين والغابات للتنزه والاستجمام في جو من الأمن والاطمئنان، وعلى النقيض من ذلك فإن سكان جل البلدان الغربية يفرون من بيوتهم ويهاجرون بلدانهم هربا من موت محقق والقابعون فيها يتعرضون للموت في كل وقت وحين بسبب المعارك الدائرة في بلدانهم، وما كان لساكنة العالم العربي لهذا الدمار لولا وجود قادة فاسدين تسلطوا على مقاليد الحكم فيها فعاثوا في الأرض فسادا..
وفي الوقت الذي نجد فيه الأمم المتقدمة تحث أجيالها الصاعدة على الخلق والإبداع في جميع المجالات، يكتفي بل يحرص قادتنا على حث شبابنا على اللهو وضياع الوقت في الملذات، ولا أدل على ذلك من كثرة المهرجانات المختلفة التي اكتسحت جميع مدن وقرى المملكة المغربية إلى درجة أن بعضها أصيب بالتخمة حيث أصبحت بعض المدن تحتضن أكثر من مهرجان، وخصوصا في مجال الإنتاج السينمائي، فإذا كانت بعض البلدان الأوروبية تكتفي في هذا المجال بمهرجان واحد كمهرجان مدينة كان بفرنسا، فإن نخبة مجتمعنا تتنافس في الإكثار من هذه التظاهرات حتى اختلط الحابل بالنابل في ذهن الجمهور المغربي ولم يعد يميز بين الصالح والطالح، فهناك الأفلام الطويلة والأفلام القصيرة، والتسجيلية، وأفلام النساء، وأفلام المؤلفين، وأفلام إفريقيا، والبحر الأبيض والمتوسط، وشمال إفريقيا، وهلم جر..
وقد نصل يوما ما إلى أفلام الأطفال، وكأني بالمغاربة هم الشعب الوحيد على وجه البسيطة الذي يهوى مشاهدة الأفلام.
وإذا كانت بعض المهرجانات تتنامى في بلادنا مع بعض المواسم الفلاحية كموسم حب الملوك، وموسم الورود، وموسم الفروسية، فإن جل المهرجانات يرجع إحداثها إلى مزاج وتفتق عبقرية بعض المترفين الذين قرروا ذات يوم تنظيم احتفالات كبيرة يدعون للمشاركة فيها جل المطربين والمطربات الذين تستهويهم أصواتهم وأغانيهم، وبعد أن جربوا النسخة الأولى التي حج لمشاهدتها جمهور غفير من الشباب جلهم عاطل عن العمل أعادوها، لأن العمل إذا تكرر تقرر كما يقول المقل، وإذا كنا لا ننكر فوائد الترفيه عن النفس مصداقا للحديث النبوي القائل: “رفهوا عن النفس ساعة بعد ساعة إن النفس إذا كلت عميت” فلا يجب أن يكون ذلك على حساب مصلحة شبابنا وخصوصا إذا تزامن تاريخ تنظيم هذه المهرجانات مع فترة الامتحانات، حيث لا يختلف اثنان في أن طلبتنا يجب عليهم خلالها مراجعة دروسهم والتركيز على ما تتضمنه من مواد ومعطيات حتى يجتازوا الامتحانات وهم في ظروف صحية ونفسية ملائمة، فإذا استهوتهم حفلات المهرجانات وهم في ذروة الاستعداد والتحضير للامتحانات فلاشك أنهم معرضون للرسوب والفشل، وهكذا يضيع ما بذلوه من جهود طيلة سنة كاملة، لذلك يجب على منظمي هذه المهرجانات أن يراجعوا تاريخ تنظيم حفلاتهم حتى لا تتزامن مع فترة الامتحانات، ويحرص أصحاب هذه المهرجانات على جعلها تقام تحت الإشراف الملكي لاستقطاب مشاركة رجال المال والأعمال والبنوك وبعض الجهات الحكومية التي تسارع إلى مد الدعم المالي لهذه التظاهرات احتراما لهذا الإشراف الملكي، مما يشكل نوعا من الابتزاز، وهنا يحق لنا أن نتساءل أين تصرف الأرباح الناتجة عن هذه المهرجانات التي تشملها مراقبة المجلس الأعلى للحسابات؟
مجرد سؤال أرجو أن يجد آذانا صاغية.