أسرار التعليم | الفرق بين تدريس العلوم والآداب

إن تبني النظام التعليمي “ل م د” لإصلاح التعليم الجامعي بصيغة القاسم المشترك الأدنى الذي أخذت به دول الاتحاد الأوربي لتوحيد المنظومة التربوية في خطوطها العريضة وتمكين الطلبة من التنقل بين جامعات الاتحاد من دون عوائق تعليمية، يعد تجنيا على تعليمنا الجامعي والمنظومة التعليمية ككل وعلى المجتمع ومستقبل البلاد. تبنت دول الاتحاد هذا النمط كقاسم مشترك، بينما عملت كل دولة على اتخاذ التدابير الموازية للحد من سلبياته، خاصة في ميدان التعليم الحيوي، بحيث عملت فرنسا، كمثال، على أن يكون أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي حاملا لدبلوم الماستر وهو ما تطرقنا له فيما تم نشره من قبل.
أخذنا نحن المغاربة بالقاسم المشترك الأدنى للاتحاد الأوربي وزدناه تدنيا وانحطاطا أخذا بعين الاعتبار لاعتبارات غير معتبرة من قبيل: عدد الطلبة المرتفع، والذي يزداد ارتفاعا بسبب الإنجاح المفرط، الغير المنطقي، لتلاميذ غالبيتهم يتطلبون دروسا لمحو الأمية؛ ثم التقلص المتزايد في عدد المؤطرين الجامعيين، خاصة منذ أن تم إحداث المغادرة الطوعية العبثية. اعتبارات غير معتبرة تم أخذها بعين الاعتبار لإحداث إصلاح جامعي قزم دور الجامعة، بل أحدث اختلالات “بيداغوجية” مدمرة لروح التكوين الجامعي من قبيل التقليص الحاد من حصص الأعمال التطبيقية، وفي كثير من الأحيان التخلي عنها جملة وتفصيلا، خاصة خلال السداسيين الأول والثاني (semestres S1 et S2). بالموازاة، فقد تم تبني إجراءات لا معقولة، لا”بيداغوجية” (تم التطرق لها فيما قبل بالأسبوع الصحفي) تهدف إلى إنجاح الجميع دونما التفكير في سلبيات إغراق الشارع بحاملي دبلومات ورقية لن تفتح لهم الأبواب التي تسد في وجوههم. هناك مقررات للسداسيين الثالث والرابع تبنى وتبني على ما تم تعلمه واكتسابه خلال السداسيين الأول والثاني، خصوصا في ما يتعلق بالأعمال التطبيقية المتسلسلة المترابطة في ما بينها، لكن المفجع في الأمر أن يدرك المؤطر أن البناء مبتور كذلك على مستوى القاعدة الجامعية (وهي الحالة التي عايناها هذه السنة، خاصة ما يتعلق بعلوم الأرض والفضاء)، بحيث لا يمكنه فعل الشيء الكثير لتدارك الوضع، خاصة أن عدد الحصص التطبيقية عرفت تراجعا مثيرا، لا يترك أي مجال لاستدراك ما يجب استدراكه. أين التعليم من شعاري الحكامة ومحاربة الهشاشة؟ وهل هناك ما هو أهش من أن يتم تبني نهج تدريس المواد الأدبية في تدريس المواد العلمية في جامعتنا، في زمن يراد فيه اكتساب المهارات الأساسية العملية اللازمة لممارسة مهنة معينة؟ منذ التسعينيات من القرن الماضي ونحن نردد موضحين أن التكوين الأكاديمي اللغوي والمعرفي (العلمي) السليم للطلبة يؤمن، في أسوإ الأحوال، نسبة 90% من المهارات والكفاءات العملية التي تؤهلهم لولوج عالم الشغل. هذه الـ90% تؤمن بدورها اكتساب الـ10% المطلوبة للتأقلم مع خصوصيات ومتطلبات عوالم الشغل المتغيرة.
ماذا نريد من تعليمنا ولتعليمنا؟ هل نحن فعلا مدركون لما نقوم به من تدمير ذاتي ممنهج بسبب تبنينا لإصلاحات معطبة وحلول ترقيعية لا تزيد الأوضاع إلا استفحالا؟ إلى متى سنستمر في إخفاء رؤوسنا في الرمل؟ هل فكرنا أو نفكر، ولو لحظة، في كيفية مواجهة الواقع؟ أم أن كل واحد منا يعمل بالشعار العتيد “من بعدي فليكن الطوفان”؟ سيتبين لنا بجلاء، أنه لم تبق هناك كثبان رمال لإخفاء رؤوسنا مدى الأضرار والخسائر الجسيمة التي أحدثناها في صرح منظومتنا التربوية، على كل المستويات، وسيجري علينا قول الشاعر “ستعلم حين ينجلي الغبار… أفرس تحتك أم حمار”، وكم نود ألا يحدث هذا أبدا.
أ. د. عبد الله لخلوفي
مركز الدراسات والأبحاث والتقييم للتربية والتكوين