تحقيقات أسبوعية

للنقاش | نظام التعاقد في قطاع التربية والتكوين بين المعطيات الوطنية والتجارب الدولية

سؤال التداعيات الاجتماعية..

ننطلق من فرضية أن تجربة التوظيف بالتعاقد غرضها الدفين هو الحصول على دعم المؤسسات الدولية، وأن الهدف من وراء هذا البرنامج ليس “الإنصاف والتعليم للجميع” و”القضاء على الاكتظاظ”، بل هو إجراء تقشفي يتم تبريره بالإكراهات والأعباء المالية المرتفعة لقطاع التعليم على ميزانية الدولة، الشيء الذي يدفع الدولة إلى التخلص من هذا القطاع عبر تفويته للقطاع الخاص أو نقله إلى الأكاديميات الجهوية.

بقلم: ذ.يونس شهيم

متصرف تربوي بمديرية الحي الحسني

السياق والدواعي

    يتمثل أهم داعي لاعتماد نظام التعاقد عموما، في رغبة المغرب الالتحاق بركب الدول المتقدمة، وهو أمر يستدعي إعادة النظر في السياسات العمومية عبر اعتماد مجموعة من الإصلاحات،وخاصة إصلاح الإدارة العمومية، من تمكانت الدعوة إلى عقلنة وترشيد وحسن تدبير الموارد البشرية من خلال مباشرة مجموعة من الإجراءات، مثل القضاء على الموظفين الأشباح، محاربة الرشوة، التدبير بالأهداف والنتائج، واعتماد مفاهيم الديمقراطية التشاركية، كما تم إطلاق عملية الجهوية الموسعة والعمل على جعل التوظيف جهويا، وتم كذلك العمل على خفض تكاليف تشغيل الإدارة العمومية وتحسين فعاليتها، وذلك من خلال التحكم بشكل أفضل في عدد الموظفين وكتلة الأجور، وتطوير خدمات التدبير المفوض بشراكة مع القطاع الخاص.

وتهدف هذه التعديلات، ومن ضمنها سياسة التعاقد، إلى ترشيد النفقات، وحكامة الخدمات العمومية.. فهي حسب الحكومة، تعد من السبل المفترض اتباعها لتحقيق الإقلاع الاقتصادي، عبر بلوغ الوضع الاقتصادي للدول المتقدمة ذات متوسط الدخل العالي في العقود القادمة، وأن يصبح أول دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا غير منتجة للنفط، تنضم إلى هذه الدول، وجاء في تقرير المغرب في أفق سنة 2040، أن القطاع العمومي لا يساهم في الإنتاجية، ويتميز بارتفاع كبير لكتلة الأجور، خاصة في قطاعي التعليم والصحة، وهو ما حدا بالحكومة إلى تنزيل سياسة اللامركزية المالية في قطاع التربية والتكوين، عبر سلك نظام التوظيف بالتعاقد منذ سنة 2016 بتوصية من صندوق النقد الدولي، واستنادا إلى مجموعة من التقارير الوطنية، لا سيما تقرير الرؤية الاستراتيجية 2015-2030.

ويبرز الجانب التقشفي في التوظيف بالتعاقد في قطاع التربية والتكوين، من خلال مقارنة عدد مناصب الشغل بنظام التعاقد مع الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين مع المناصب المالية المحدثة، وعدد المناصب المالية المخصصة منها لقطاع التربية الوطنية، فخلال الفترة الممتدة من سنة 2016 إلى حدود سنة 2019، أحدثت قوانين المالية ما مجموعه 94653 منصبا ماليا، خصصت منها 16454 لقطاع التربية الوطنية، مع تراجع ملحوظ لهذه المناصب، أما عدد مناصب الشغل بالتعاقد مع الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، فقد شكلت 70000منصب شغل، وذلك خلال الفترة 2016-2019.

وبحسب المادة 10 من القانون المتعلق بإحداث الأكاديميات، يتم توظيف الأطر المنتمية إلى هيئة التدريس بالأكاديمية بعد النجاح في مباراة تنظمها الأكاديمية في حدود المناصب المالية المقيدة في ميزانيتها.

وارتبطت اللامركزية المالية من جهة، بتوصيات التقارير الوطنية الرامية إلى تعزيز استقلالية الأكاديميات والحث على تنويع المصادر المالية، إلى جانب التوظيف بالتعاقد، وبارتفاع كتلة الأجور، ومن جهة أخرى، ارتبطت بتوصيات الدين الخارجي.

سؤال التداعيات الاجتماعية

    إن برنامج التعاقد لتوظيف الأساتذة، ليس أمرا خاصا بالمغرب فقط، وإنما هو برنامج سبقته إليه مجموعة من الدول، غير أن سؤال التنزيل وكذلك البيئة التي يتم فيها إنزال هذا البرنامج، يثيران ردود أفعال متفاوتة.

فإن كان لاعتماد هذا البرنامج وقع إيجابي (الاستقرار والثقة والاطمئنان النفسي) داخل الدول المتقدمة التي تتسم بالوضوح والثبات والعقلانية والشفافية والديمقراطية، واحترام القوانين، إلى جانب وجود عقلية وثقافة مهيأة لتقبل النقد البناء والتقويم والرقابة وربط المسؤولية بالمحاسبة، وطغيان المصلحة العامة، إضافة إلى الاهتمام بالبحث العلمي وبتجويد العمل، فإنه بالمقابل، يلقى الرفض داخل الدول النامية المتسمة بهشاشة التجربة الديمقراطية، وضعف الحكامة، وتغييب المقاربة التشاركية في تدبير الشأن العام.

وإن كانت التجارب المقارنة في بعض الدول النامية تحصر اختلالات برنامج التعاقد في غياب الدعم المهني، والأجر المتدني، وعدم الحصول على الأجر بشكل منتظم، فإن الواقع المغربي يخلو من مجموع هذه المظاهر والاختلالات، حيث يحصل المتعاقد على أجره بشكل دوري ومنتظم، كما أنه يتقاضى أجرا مساويا للموظف، إضافة إلى الاستفادة من العطل، شأنه في ذلك شأن باقي موظفي القطاع، ثم الاستفادة من الحركة الانتقالية على صعيد الجهة.

وبالرجوع إلى الأنظمة الأساسية لأطر الأكاديميات، يمكن رصد مجموعة من الحقوق والامتيازات التي طالت هذه الفئة، على رأسها الحق في الأجرة والتعويضات المطابقة لوضعيتهم، الترقية، التكوين والتدريب، الرخص الإدارية والاستثنائية، وممارسة الحق النقابي.

وإن كانت هذه الفئة ترى في امتياز الحركة الانتقالية الجهوية إجراء تمييزيا بينهم وبين موظفي القطاع المرسمين، والذين يتمتعون بحق الحركة الوطنية، فإن الموضوعية البحثية الخاصة بمعالجة هذا الإجراء، تقتضي العودة إلى البدايات للوقوف على كيفية تعيين الموظفين الرسميين، حيث لم يكن لهم خيار اختيار منطقة التوظيف، وغالبا ما كانوا يعينون بمناطق نائية وبعيدة جدا عن مقر سكناهم، على عكسما يقع اليوم مع فئة أطر الأكاديميات، الذين يختارون الجهة التي يرغبون في التعاقد معها، وبذلك يتحكمون في جغرافية التعيين بشكل مسبق.

كما أن الاختلاف في الوضعيات الإدارية، شكل أحد دواعي السخط والاحتجاج، على اعتبار أن الأنظمة الأساسية لأطر الأكاديميات، اقتصرت على وضعيتين اثنتين فقط وهما: وضعية القيام بالعمل، ووضعية التوقيف المؤقت عن العمل، ولم تشملهم باقي الوضعيات التي متع بها المشرع المغربي الموظف العمومي من خلال القانون الأساسي للوظيفة العمومية لسنة 1958 وهي: الإلحاق والاستيداع والوضع رهن الإشارة، غير أننا نرى،من وجهة نظرنا، ضرورة القيام بدراسة إحصائية تمكننا من الوقوف على نسبة الموظفين في قطاع التعليم المتمتعين بهذه الوضعيات الثلاث، حيث أن واقع الحال – ومن خلال نظرة أولية – يبدو أنها (أي الوضعيات الثلاث) تشكل استثناءات محدودة جدا، والاستثناء لا يقاس عليه.

وفي المقابل، ترى الحكومة أن هذه الفئة تقوم بإضرابات ممتدة دون أي داع أو مبرر، الشيء الذي يؤثر سلبا في استفادة المتعلمات والمتعلمين من حصصهم الدراسية والتحصيل العلمي، وبالتالي، في إعداد المواطن المغربي الصالح، إضافة إلى امتناع هذه الفئة عن أداء المهام المرتبطة بالتدريس، من قبيل مسك النتائج وحضور الاجتماعات، وعدم الانخراط في مختلف المجالس والجمعيات المدرسية.

ويرجع مكمن الخلل في نظرنا، إلى إفراز فئتين من الأساتذة داخل نفس القطاع بينهما برزخ لا يبغيان:

– فئة الأساتذة الذين ينطبق عليهم النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية والمدرجين في إطار الوظيفة العمومية.

– وفئة الأساتذة المتعاقدين، أطر الأكاديميات المدرجين في إطار النظام الأساسي لأطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين.

فوجود جسر رابط يؤمن الانتقال بين الفئتين بشكل متحكم فيه وعلى مراحل، هو بمثابة صمام الأمان ضد الاحتجاجات، وهو كذلك الضمان لعدم تكرار السيناريو الجزائري والكمبودي، اللذان تراجعا عن نظام التعاقد في التعليم وخضعا للأصوات المحتجة الرافضة لهذا النظام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى