تحقيقات أسبوعية

متابعات | الجرائم البشعة خطر يهدد السلم الاجتماعي

هل انتشرت الكراهية والعدوانية في المجتمع المغربي؟

عرفت العديد من المدن مؤخرا، عددا من جرائم القتل البشعة، جعلت الكثير من المواطنين يعيشون في حالة من القلق والصدمة بسبب هذه الأحداث الخطيرة التي تمس السلم الاجتماعي، وتؤشر على انزلاق خطير في المجتمع بسبب انتشار العنف والكراهية والعدوانية بين الناس، وتبرز خطورة تطرف السلوك الإنساني الذي يترتب عنه ارتكاب الجرائم البشعة، التي تهز الرأي العام، وتطرح الكثير من التساؤلات حول التربية والالتزام بالقانون، ومدى تأثر الأطفال والناشئة بهذه الجرائم التي تحصل في الشارع العام؟
فقد تصاعدت وتيرة الجرائم بشكل مخيف خلال الأشهر الماضية بمختلف أنواعها، خاصة في المدن، حيث اتسعت دائرة الجريمة والمجرمين بشكل كبير، وأيضا الضحايا في ظل مجتمع تعقدت عناصره وأصبح العنف يجري في عروق الناس سواء منه الجسدي أو اللفظي، لكن ما يشكل خطرا ويثير المخاوف، هو ارتكاب جرائم تنم عن مدى عدوانية الإنسان المغربي، الذي انحرف بسبب عدة عوامل متراكمة، منها الضغوطات والأزمات النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي جعلته قابلا للانفجار.. فهل أصبح المغاربة عدوانيين بحكم الضغوطات؟ وهل فعلا هناك تفشيا لظاهرة الإجرام في المجتمع المغربي، أم أن هناك حالات معزولة؟ وأي استراتيجية تتبعها الدولة لأجل مكافحة الجريمة؟ وما هو دور المؤسسة السجنية في تأهيل المجرمين والمنحرفين وإصلاح المجتمع؟

إعداد: خالد الغازي

    خلال السنوات الماضية، اتخذت الجريمة في المجتمع مسارا خطيرا وظهرت العديد من الجرائم التي هزت الرأي العام، وخلقت استياء وحزنا كبيرا لدى المواطنين، بسبب لجوء الناس إلى العنف والسلوك المنحرف، ما يترتب عنه ارتكاب جرائم خطيرة وبشعة، انتشرت بشكل مهول وخلقت صورة سيئة لدى وسائل الإعلام الدولية حول المجتمع المغربي، الذي كان من قبل من أفضل المجتمعات العربية والإفريقية استقرارا وأمنا.

وقد أصبحت الجرائم وباء منتشرا في مجتمعنا يقض مضاجع المواطنين، فمن خلال رصد وسائل الإعلام لمجموعة من الجرائم التي تحصل في مختلف المدن والجهات بالمملكة، والتي أضحت تتصف بطابع الوحشية والعدوانية، بالإضافة إلى عددها الذي يزداد يوما بعد يوما، أفصح عن واقع خطير تشهده البلاد فيما يخص ظهور أنواع جديدة من الجرائم، تطرح علامات استفهام حول العوامل الرئيسية التي أصبحت تدفع بهؤلاء الأشخاص إلى اقتراف جرائم بشعة تطال حتى الأقرباء والأصدقاء.

 

جرائم في تصاعد

    وقعت خلال الأسبوع الماضي، العديد من الجرائم التي هزت الرأي العام، وكشفت عن مؤشرات خطيرة تؤكد تنامي معدل الجريمة خلال فترة الطوارئ الصحية لأسباب متعددة، منها ما هو مادي وما هو اجتماعي أو نفسي، الشيء الذي جعل المواطنين متخوفين من هذا التزايد الكبير في معدل الإجرام خلال السنة الحالية.

شكلت جريمة أسفي التي راح ضحيتها مؤخرا، شاب عشريني، الحدث الأبرز خلال الأيام الماضية، بعدما أقدم الجاني على ذبح الضحية في الشارع العام وبتر يده، والتنكيل بجثته، الشيء الذي خلق صدمة كبيرة لدى المغاربة من هول بشاعة الجريمة، وقساوة المجرم الذي رفض توسلات الضحية والناس، لعدم قتله.

وكشفت هذه الجريمة عن تطور خطير في الإجرام داخل المجتمع، الذي أخذ بعدا انتقاميا في الشارع بعيدا عن القانون والقضاء، مما يشكل خطرا كبيرا على السلم الاجتماعي والأمن العام، في ظل غياب مقاربة اجتماعية وأمنية للحد من العنف الذي يعرفه الشارع المغربي، وانتشار الأقراص المهلوسة والمخدرات وغيرها من الظواهر السلبية.

عدة جرائم وقعت مؤخرا في العديد من المدن، منها جريمتان في إقليم وجدة، بعد العثور على جثة سيدة متزوجة مذبوحة بجماعة أهل أنكاد، بحيث فقدت حياتها قبل وصولها لمستشفى الفارابي، دون الكشف عن باقي أسباب الجريمة أو الجهات المتورطة، أما الجريمة الثانية، فقد راح ضحيتها دركي متقاعد بعد تعرضه للعنف والطعن بالسلاح الأبيض من قبل شخص يقطن بالقرب منه، وفي مدينة العرائش، وقعت جريمة قتل بشعة راح ضحيتها نادل مقهى بعدما تعرض لعدة طعنات على مستوى القلب، من قبل أحد الأشخاص قام بمباغته بواسطة سلاح أبيض قبل أن يفر.

كما اهتز الرأي العام لوقع جريمة سلا التي راحت ضحيتها عائلة كاملة، في ظروف غامضة ومجهولة، بحيث أن الطريقة التي تمت بها الجريمة طرحت تساؤلات وعلامات استفهام حول كيفية تنفيذها، خاصة وأن الجناة لم يتركوا أي دليل أمام المحققين يدل على هوية المجرمين، مما يبرز التطور الكبير الذي تعرفه أساليب ارتكاب الجرائم في المجتمع المغربي.

مواقع التواصل والإجرام

    يؤكد باحثون أن تنامي الجريمة في المجتمع، يرجع لعدة أسباب، مرتبطة بالأزمة الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى معاناة مرتكبي هذه الجرائم من العنف والتفكك الأسري خلال مرحلة الطفولة، لذلك فحدة الجرائم وأثارها السلبية على المستويين الأمني والاجتماعي، تتطلب مقاربة جديدة، متمثلة في تحسين جودة التعليم والحد من البطالة، والتوعية حول الأمراض النفسية، وتطوير الأبحاث في ميدان الجريمة.

فالانتشار الواسع للعنف وللفكر الإجرامي لدى الكثير من الشباب والمراهقين، ونشر الصور في مواقع التواصل الاجتماعي بالأسلحة البيضاء، يكشف مدى الانحراف الخطير الذي يحصل لدى الناشئة ولدى تلاميذ المؤسسات التعليمية والأطفال، في ظل غياب المسؤولية لدى الأسرة وتراجع الانضباط في المؤسسات التعليمية، وغياب دور المجتمع المدني للحد من الانحرافات والسلبية التي تحصل للعديد من الشباب، والتي تؤدي بهم إلى ارتكاب وأفعال يعاقب عليها القانون.

بدورها، أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي تشكل خطرا كبيرا وتلعب دورا سلبيا، بنشر أشياء تافهة تروج للعنف اللفظي والجسدي والتهديد والتشهير بالآخرين، وغيرها من الظواهر التي تهدد السلم الاجتماعي، والعلاقات بين الناس، حيث اتخذ بعض المنحرفين وذوي السوابق العدلية من مواقع التواصل الاجتماعي مثل “الفايسبوك” و”اليوتيوب”، منصات لنشر تجاربهم الإجرامية في المجتمع وداخل السجون، والظهور بمظهر الفتوة والاحتراف في عالم الإجرام، مما ينعكس سلبا على الأطفال والشباب الذين يتأثرون بالمسار الإجرامي لهؤلاء.

العديد من المراهقين والشباب أصبحوا يتخذون من مواقع التواصل الاجتماعي فضاءات لاستعراض انحرافهم وسلوكهم السلبي، وذلك بهدف كسب عدد كبير من المشاهدين وتحقيق “البوز” والشهرة بأفعال مخالفة للقانون، حيث يتظاهر البعض أنهم بهذه السلوكات المشينة والظهور بأسلحة بيضاء، حققوا إنجازا واستعراضا للقوة وإثبات الذات، حتى أخذت هذه الظواهر في الانتشار في صفوف التلاميذ والفتيات في المؤسسات التعليمية.

فوزي بوخريص

تطور الجريمة في المجتمع

    يرى فوزي بوخريص، باحث وأستاذ علم الاجتماع بكلية العلوم الاجتماعية والإنسانية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، أن تطور الجريمة في المجتمع المغربي من الناحية السوسيولوجية يعتبر طبيعيا، لأن كل المجتمعات تعرف اقتراف جرائم، ومن المستحيل وجود مجتمع بدون جريمة، مضيفا أن الجريمة هي إفراز طبيعي موضوعي لشروط الحياة الاجتماعية، لأن علماء الاجتماع يقولون لا يمكن محو الجريمة من المجتمع لأن هذا يفترض أن يوجد مجتمع أفراده واعون بسلبيات الجريمة، وبالتالي، يرفضونها بوعي يشتركون فيه جميعا، وهذا غير ممكن إلا إذا افترضنا أن هناك مجتمعا للملائكة، بحيث أن أي مجتمع لا توجد فيه الامتثالية والتضامن القوي جدا لمواجهة الجريمة، وهذا غير موجود.

وأوضح بوخريص، أنه في تاريخنا القديم، كانت هناك مدونة الأعراف القديمة تنص على عقوبات تتناسب مع كل جريمة، رغم أن المجتمع المغربي في تلك الفترة كان يسوده التضامن والتآزر، أما اليوم، فقد أصبح المجتمع متأثرا بالظاهرة الحضرية التي أخذت منحى كبيرا جدا، بحيث أصبح المغاربة يعيشون في مدن يتزايد نموها بشكل كبير جدا، لأنه في ظل هذا المجتمع، هناك اختلاف وتمايز بين الأفراد، وهناك لا تجانس على مستوى الوعي، بل تفاوتا في توزيع كل الأمور: الثروة والمقدرات والموارد والاستغلال والاحتكار، مؤكدا تنامي الجريمة لأن المجتمع المغربي يزداد تعقيدا وتزداد ديمغرافيته ومشاكله، وطبيعي أن ترتفع نسبة الجريمة فيه، كما تعلن عنه المديرية العامة للأمن الوطني من حين لآخر من خلال مجموعة من الإحصائيات، التي تهم الجريمة داخل المجتمع، منها إحصائيات 2019-2020 مثلا حول حمل الأسلحة البيضاء، بنسبة 64 في المائة، وهذا يبين فعلا تنامي الجريمة.

وأبرز أن انتشار معدل الجريمة يحصل بالأساس في المدن الكبرى مثل الدار البيضاء، فاس، سلا، طنجة، ومراكش، وهذا نتيجة موضوعية للمشاكل التي تعاني منها هذه المدن اليوم، والتي تعيش مشاكل على مستوى التدبير والتهيئة وعلى مستوى عدة مرافق أساسية: مناصب الشغل، سكن لائق، ولوج الخدمات الأساسية… بحيث أن الأمر يتعلق بظاهرة حضرية تتعلق أساسا بالمدن الكبرى، مشيرا إلى أننا أمام جرائم تنحو منحى جماعيا يتورط فيها القاصرون والمراهقون والشباب، وهي أفعال لا تختلف عن تحولات التي يعرفها المجتمع من الناحية الديمغرافية والثقافية والسوسيواقتصادية، وهذا التنامي له تداعيات ويشكل تهديدا للنظام وللأمن العام، ويستهدف السلامة الجسدية للمواطنين ويعرض ممتلكاتهم للخطر، بل إن الخطر يهدد حتى عناصر الشرطة العمومية المكلفة بتطبيق القانون.

وتابع الأستاذ بوخريص موضحا أن تنامي الجرائم يخدش صورة البلد، ويضر بالمصالح الاقتصادية، خصوصا وأن صدى هذه الجرائم يتردد في الصحافة الوطنية والدولية، وأخطر ما في الأمر، هو انعكاس تنامي الجريمة على إدراك المواطنين، وشعورهم بانعدام الأمن، لأن الجريمة لا تمثل في حد ذاتها مشكلا، بل شعور المواطنين هو المشكل الكبير جدا، موضحا أن ما يسمى الإجرام المجهول بالنسبة لمصالح الشرطة والقضاء والإعلام، ليست جرائم مجهولة بالنسبة للمواطنين، لأنها تحدث بالقرب منهم وتستهدف في الكثير من الأحيان الناس، خصوصا وأن في الكثير من الأحيان، بفضل تطور شبكات التواصل الاجتماعي، يتم تصوير بعض الجرائم ونشرها على الأنترنيت وترويع الرأي العام، ثم نجد تدخل مصالح الأمن بمهنية واحترافية، لتوقيف هؤلاء المجرمين ومن يساعدهم في التصوير، وهذه المسألة تبين الشعور بانعدام الأمن الذي يتولد لدى الساكنة أكبر بكثير مما يتم الإعلان عنه في إحصائيات رسمية من طرف الأجهزة الرسمية فيما يتعلق بتنامي الجريمة، لأن الشعو بانعدام الأمن يتعلق بما يجري بشكل لامرئي من جرائم، لأن المواطنين يعتبرون أنفسهم غير محميين.

محمد الأزهر

من جهته، يقول الأستاذ محمد الأزهر، في كتابه “علم الإجرام”، أن “كل الباحثين في علم الإجرام أثبتوا أن الجريمة تنبثق من المجتمع وتلازمه، وهي ظاهرة طبيعية في كل مجتمع، لذلك نعطيها صفة الكونية، أي أنها لا تقتصر على مجتمع دون آخر، فهي لا تستلزم زمانا أو مكانا محددا، والظواهر الإجرامية رغم كونيتها، فإنها تخضع لترتيب زمني متسلسل ومتلاحق تعرفه كل المجتمعات”، ويضيف أن “تاريخ الإجرام طويل منذ الإنسان البدائي الذي اعتبر الجريمة مخالفة لأوامر القبيلة والعشيرة، أما الإنسان اليوناني، فقد اعتبر الإنسان المجرم شقي أصابته لعنة الآلهة، والجريمة قدر إلهي، أما السفسطائيون، فيعتبرون الإنسان المجرم مخيفا لضعفه، نظرا للطبيعة البشرية ذات المجموعة من الغرائز الحيوانية، لكن سقراط آمن بالفعل البشري وقدرته على مقاومة الأهواء والشهوات الحيوانية، واعتبر الإنسان الجاهل وحده من يرتكب الجريمة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى