قضية “كازينو السعدي” تدخل مراحلها الساخنة

بقلم. محمد بركوش
وقف المستشار الجماعي السابق ونائب الرئيس على رجل واحد كلقلاق يختبر صبره كما قال الشاعر محمد بودريك، يحاول شحذ سكينه على رقبة صحون الماضي الذي انتهى كما تنتهي أوراق الشجر في الخريف، ركب خيلا في غاية السذاجة لينظم إلى مجمع النبلاء والشرفاء دون أن يستوعب بأنه بفعله أو تصرفه يضاعف من منسوب العبث، وتوسيع رقعه الكثيرة التي لم تستثن مجالا من المجالات.
من فرط تعلقه (كما يقال) بالمدينة الحمراء مراكش الخالدة وحبه الشديد لها باح بكل ما لديه من “أسرار” بالية كأسمال المتسول، ترك في غفلة الكلمات تنسرب (بالنون) كما الماء من بين الأصابع دون تحفظ، قال كل ما عنده (حسب رأيه) عن قضية ” كازينو السعدي” التي شهدت الخميس الماضي بقاعة الجلسات أطوارا ساخنة، خرج معها المعنيون على القاعدة المألوفة، بعد أن تركوا النقط القانونية التي يمكن أن تخلخل المتابعة وتفرغها من المحتوى كما أشار إلى ذلك أحد المهتمين، مكتفين بالتوجه إلى النيابة العامة التي كانت في جلسة سابقة قد عرت عن الكثير من الفضائح، وتطرقت إلى العديد من الاختلالات والتلاعبات بناء على وثائق وحجج دامغة وبانتقاد الاحتجاجات التي نظمت من طرف المجتمع المدني للإعلان عن وجود أطراف أخرى معنية بما يدور، إلى جانب الصحافة الوطنية التي وجه إليها رئيس الغرفة “تحذيرا” كما سموه، دون أن يكون هناك من سبب يدعو إليه خاصة وأن الرئاسة مطالبة بالتزام الحياد، لم يتردد صاحبنا في تحقيق الانسجام الملائم بين الحاجيات والغايات (تطبيقا للمقولة المشهورة) من خلال تبريرات مملة، وقراءات خاطئة، واستعراض لصور التقطت في عز اللعبة أو الفعل المشين، ومع ذلك لم توضب إلا مؤخرا، وبأمر ممن لهم مصالح أو – تخوفات-.
كان الرجل في استجوابه كالليل يبحث عن نوافذ الضوء، يناديها بكلمات يلتبس فيها الحاضر بالكثير من سمات الماضي الذي أصبح في عداد النسيان بعد أن أسدل الستار (أو كاد) على محاكمة العقد وليس القرن، في انتظار التشاور في محاكمة جديدة بدأت تلوح في الأفق، وتهم عملية “تفويت العمدة المنصوري فاطمة الزهراء بوعاء عقاري في أهم شوارع المملكة꞉ شارع فرنسا بثمن بخس لا يتجاوز ما يدفع لحراس السيارات هناك (10 دراهم للمتر)، عملية جعلت البعض يتفهم تلك اللهفة اللامتناهية إلى إعادة توزيع المهام وتعيين النواب الجدد، من ضمنهم أسماء مازالت تتردد على قفص الاتهام نتيجة متابعتها بالفساد المالي والاختلاس، وأشياء أخرى فضحها مستشارون شرفاء في مناسبات عدة بالمجلس الجماعي وأمام أعين الجميع.
كان كلام الرجل في استجواب مطول طاعنا في السخافة كما يقال، لأنه جاء في الوقت الميت من المباراة، أو المحاكمة، وهو اختيار أو تخطيط مدروس، وإن كان سيوصل صاحبه إلى المتابعة بعدم التبليغ عن جريمة يعلم بحدوثها ((لأنه كان على اطلاع بما يمارس من سلوكات وانحرافات داخل البلدية))، أو بالتستر على جرم بثقل جنائي، له تأثير كبير في مالية الجماعة وأخلاق مستشاريها الذين يفترض فيهم الأمانة والإخلاص والحرص على حقوق الجماعة، كلام لا يخلو من التباس وغموض على الرغم من كل الحديث عن الوضوح والشفافية والنزاهة، وعن “الانتساب للأغلبية في المجلس البلدي” وهو انتساب لا يشفع كما قال المستجوب في “الانصياع الكامل لقرارات لا تتوافق مع قناعته الشخصية وتتنافر مع ما انتدب من أجله من طرف من حملوه مسؤولية تمثيلهم في المجلس”، وأيضا لا يشفع له (وهذا ما يريد التطرق إليه) في إخفاء الحقيقة والتكتم عليها لفترة طويلة، في انتظار ربما التسوية كما يقول العارفون بخبايا الأمور.
بعض دقائق (إن لم أقل ثوان) من الكلام المعاد والمكولس غير كافية بالمرة لإعطاء المصرح درجة من الشرف إذ كان حريا به وهو الرجل “المستقيم الذي لا يرضى بالمهانة” أن يتجرأ في الوقت المناسب ويتحلى بالشجاعة اللازمة وليست تلك المغلفة بسولوفاتها كما يقال، وينقل للرأي العام المتعطش ما رآه وما سمعه من ممارسات تتعارض مع الحكمة ومع القانون، ويصدح بكل ذلك أمام الجهات المسؤولة التي لها صلاحية التحقيق والبحث وترتيب الجزاءات، لا أن يكتفي كما قال برفع تقريره “الخطير” إلى المؤسسة الحزبية التي كان ينتمي إليها قبل أن يقرر الانفصال عنها، والالتحاق بجهة أخرى تتناقض مع المبادئ التي يزعم تمسكه بها ونزوعه القوي إلى اعتناقها، وتتعارض مع المواقف التي وصفها في ثنايا كلامه بأنها توجع أناء الليل وأطراف النهار، كان عليه أن يتساءل كما تساءل الآن عن السر في وجود “بنايات ضخمة فوق أملاك الغير، وكيف تمكن أصحابها من الحصول على التصاميم المرخصة ورخص البناء في غياب ملكية العقار” وأن يوسعوا من دائرة التساؤل ليمتد إلى أمور أخرى يعرفها أكثر من غيره باعتبار المنصب والمركز، اخترقها الفساد ولعبت بها أيادي النهب والتبذير تحت إشراف مستشارين جلهم متابعون أمام جناية مراكش بالاختلاس وتبديد الأموال عمومية واستغلال النفوذ، ومع ذلك حابتهم السيدة الرئيسة أو العمدة، ومنحتهم “تحديا” تفويضات أكبر منهم، وكأن المجلس ليس به من “كفاءات ومؤهلات” سوى تلك التي يتمتع بها المقربون والمحظوظون وحياحة الانتخابات، رغم سوابقهم وأميتهم وقلة أدبهم.