تحقيقات أسبوعية

متابعات | هل ينجح المغرب في القضاء على الرشوة بقانون جديد ؟

أصبحت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة مؤسسة قائمة بذاتها، بعدما نشرت الأمانة العامة للحكومة القانون المتعلق بها في الجريدة الرسمية، والذي يؤطر عملها ويبرز صلاحياتها ومجال عملها، ويفتح الباب أمام تعيين أعضائها وتحديد مجال اختصاصها.

إعداد: خالد الغازي

 

أعضاء بصلاحيات جديدة

    حدد القانون الجديد للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، أعضاءها، الذين يتكونون من الرئيس و12 عضوا يتم اختيارهم من شخصيات ذات التجربة والكفاءة المهنية ومشهود لهم بالاستقامة والنزاهة، حيث سيتم تعيين أعضاء مجلس الهيئة الوطنية لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.

وسيتم تعيين أربعة أعضاء بظهير شريف، وأربعة بمرسوم، بينما أربعة أعضاء يتم تعيينهم من قبل رئيسي مجلسي النواب والمستشارين، على أن تتم مراعاة المناصفة بين الرجال والنساء، طبقا لأحكام الفصل 19 من الدستور في تعيين أعضاء المجلس.

منح القانون الجديد للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، صلاحية التدخل والتصدي لحالات الفساد التي تصل إليها، سواء بالقيام بالبحث والتحري أو تكليف جهة أخرى بالتحقيق في الأفعال أو المعطيات أو المعلومات التي توصلت بها، واتخاذ القرارات اللازمة والإجراءات القانونية بناء على النتائج المحصل عليها.

مأمورو الهيئة (المحققون)

    أعطى مشروع القانون لـ”مأموري” الهيئة، أي الموظفين المكلفين بالتحري والبحث، صلاحيات متعددة ومهام واسعة لتسهيل مهامهم، منها الحق في دخول جميع الإدارات والمؤسسات العمومية، والجماعات الترابية، ومقرات باقي أشخاص القانون العام، باستثناء المحاكم والمرافق التابعة للإدارات المكلفة بالدفاع الوطني والأمن الداخلي والخارجي، وأيضا الحق في دخول المحلات المهنية للأشخاص الذاتيين والاعتباريين، والمقرات الاجتماعية للأشخاص الاعتباريين الخاضعين للقانون الخاص، شريطة مشاركة ضابط أو ضباط الشرطة القضائية في الأبحاث والتحريات التي يتم القيام بها، حيث يتم إشعار وكيل الملك المختص قصد اتخاذ الإجراءات اللازمة، كما يمنح القانون لموظفي الهيئة حق الاطلاع على جميع الوثائق الإدارية والمالية والمحاسباتية التي تفيد البحث والتحري.

ويمكن لمأموري الهيئة إنجاز محاضر وتقارير بعد عملية البحث والتحقيق حول المخالفات الإدارية والمالية وحول جنح الفساد ويمكنهم طلب تسخير القوة العمومية لتسهيل مهامهم، إذ تعتبر المحاضر المنجزة من طرفهم مهمة ويجب الوثوق بها إلى أن يثبت ما يخالفها بأي وسيلة من وسائل الإثبات، فيما يعطي القانون للنيابة العامة المختصة فتح بحث تكميلي بواسطة الشرطة القضائية لتعميق البحث في الملف.

ويقوم رئيس الهيئة بتعيين المأمورين بناء على تجربتهم وخبرتهم المهنية، مشهود لهم بالكفاءة والاستقامة، وتتوفر فيهم الشروط المنصوص عليها في النظام الأساسي الخاص بالموارد البشرية، حيث يساعدهم في تنظيم عملهم حول الشكايات والمعلومات التي يتوصلون بها، والقيام بأعمال البحث والتحري.

تعديلات في أجهزة الهيئة

    قدم القانون الجديد مجموعة من التعديلات والاختصاصات المتعلقة بأجهزة الهيئة، وذلك بهدف تنظيم العمل وتوزيع الاختصاصات، حيث سيتم إحداث لجنة دائمة بمجلس الهيئة مكونة من الرئيس وثلاثة نواب ستكون مكلفة بدراسة الملفات والقضايا المتعلقة بحالات الفساد المعروضة عليها بناء على المحاضر المنجزة والمستندات والمعلومات ذات الصلة بها، قبل اتخاذ القرارات التي تراها مناسبة باسم المجلس، وإحالة الخلاصات والاستنتاجات إلى الجهات المكلفة بتحريك مسطرة المتابعات.

ويمنع القانون الجديد، الرئيس ونوابه من ممارسة أي نشاط مهني أو تجاري في القطاع، ووضعهم في حالة إلحاق إذا كانوا موظفين عموميين، بينما القانون السابق كان ينص على توقف أعضاء الهيئة أثناء عملهم عن ممارسة أي نشاط مهني أو تجاري في القطاع الخاص، وتوقيف مشاركتهم في تدبير وتسيير المنشآت الخاصة أو العمومية الهادفة للربح.

 

طريقة التبليغ عن الفساد

    حدد مشروع القانون مفهوم الفساد، وعمل على إعادة صياغة المقتضيات المتعلقة به، بهدف توسيع نطاق تعريفه ليشمل جريمة تبديد الأموال العمومية بدل حصر مفهوم الفساد في جرائم الرشوة واستغلال النفوذ والاختلاس والغدر كما ينص على ذلك القانون الحالي للهيئة، لهذا فقد أصبح مفهوم الفساد يشمل المخالفات الإدارية والمالية التي تشكل تصرفات وسلوكات منحرفة لا تحترم الصالح العام وتتناقض مع القواعد المهنية ومبدأ الحكامة والشفافية والنزاهة.

وقد منح القانون الحق لكل مواطن أو موظف في إدارة أو مؤسسة عمومية، الحق في التبليغ عن الفساد، حيث يقول أنه “يمكن لشخص ذاتي أو اعتباري، وكذا لأي رئيس من رؤساء الإدارات، ولأي موظف، توفرت لديه معطيات أو معلومات موثوقة أو قرائن أو حجج تثبت وقوع حالة من حالات الفساد، تبليغها إلى علم رئيس الهيأة”.

كما أعطى القانون لكل شخص ذاتي أو اعتباري متضرر أو يمكن أن يتضرر من حالات الفساد، أن يبعث بشكاية شخصية أو عن طريق نائبه إلى رئيس الهيئة، بحيث يشترط في قبولها أن تكون مكتوبة وحاملة للتوقيع الشخصي للمبلغ أو المشتكي مع اسمه الكامل، وتحدد الجهة أو الشخص وتتضمن جميع البيانات المتعلقة بهويته، ومرفوقة بجميع المستندات والمعلومات والوثائق إذا توفرت، أو كل حجة من شأنها إثبات حالة الفساد، كما يشترط ألا تكون حالة الفساد معروضة على القضاء، أو صدر بشأنها حكم قضائي.

الإثراء غير مشروع والهيئة

    كشفت عدة تقارير أن المغرب يحتل مراتب متأخرة ما بين 70 و80 في التصنيف العالمي لمحاربة الرشوة، مما يؤكد أن هذه الظاهرة لازالت منتشرة في المجتمع، حيث يرى الكثير من الناس أن الحكومة عاجزة عن محاربة الظاهرة التي تسير في تزايد، بينما يرى آخرون أن مقياس الفساد ثابت.

ويتساءل الكثير من المغاربة عن سبب تجميد قانون الإثراء غير المشروع في البرلمان، وعدم خروجه للوجود موازاة مع خروج قانون الهيئة الوطنية لمكافحة الرشوة، الشيء الذي يطرح الكثير من التساؤلات حول جدية الحكومة الحالية في التصدي للفساد ولنهب المال العام، خاصة وأن ظاهرة نهب المال العام على مستوى الجماعات المحلية والمجالس المنتخبة ارتفعت في السنوات الأخيرة، وما يؤكد ذلك هي التقارير التي فجرها المجلس الأعلى للحسابات وكشفت عن تغول الفساد واختلاس المال العام في العديد من المجالات.

في هذا السياق، اعتبرت الجمعية المغربية لحماية المال العام، أن الحكومة الحالية تخلت عن كل النوايا والبرامج المعلن عنها بخصوص مكافحة الفساد والرشوة، من بينها الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد 2015-2025، التي خصصت لها ميزانية مهمة دون أن يكون لها أثر على أرض الواقع، مؤكدة أن الحكومة أصبحت رهينة للوبيات الفساد والريع والرشوة، وأن الإرادة السياسية لديها لمواجهة الفساد غير متوفرة لحدود الآن.

واعتبرت الجمعية أن إخراج القانون المنظم للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها مهم بعد انتظار طويل، وهو القانون الذي وسع من صلاحيات ومهام الهيئة، ويتطلع إلى تمكينها من كل الإمكانيات والموارد للقيام بأدوارها، محذرة من خطورة استمرار الفساد ونهب المال العام وسياسة الريع على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، والتي تؤدي إلى اتساع الفوارق الاجتماعية والمجالية وارتفاع منسوب الاحتقان الاجتماعي.

وطالبت بتجريم الإثراء غير المشروع والقطع مع سياسة الإفلات من العقاب والتساهل مع المفسدين، وإعادة النظر في قانون التصريح بالممتلكات الذي يبقى غير ذي أثر، ويوفر إمكانية استمرار الفساد والإثراء غير المشروع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى