تحقيقات أسبوعية

ربورتاج | استعمال الساعة الإضافية كورقة انتخابية

عودة "ساعة الجحيم"

عاد الجدل من جديد بسبب عودة الساعة الإضافية لدى المواطنين، والتي تخلق مشاكل متعددة لدى الكثير من الناس، خاصة بالنسبة للتلاميذ والأطفال، بالإضافة إلى العاملين في القطاع الخاص، حيث تكثر الانتقادات والمطالب من قبل شريحة عريضة من الناس لإزالة هذه الساعة والعودة إلى الساعة القانونية.
فقد شكل شهر رمضان مناسبة للناس للتأقلم مع حياتهم الطبيعية بفضل الساعة القانونية، التي يعتبرها المواطنون هي الساعة الصحية التي تلائم حياتهم، بينما إضافة ساعة على توقيت غرينيتش يتسبب للكثيرين في مشاكل صحية ونفسية ومعاناة كبيرة، بسبب قلة النوم وصعوبة الاستيقاظ باكرا، حيث ارتفعت بعض الأصوات في الفترة الأخيرة مطالبة الأحزاب السياسية التي ستتولى قيادة الحكومة المقبلة، بمراجعة قانون الساعة الإضافية.
فالكثير من الناس يتساءلون عن الجدوى من الساعة الإضافية، هل فعلا تساعد في توفير الطاقة أو الوقت للمغاربة؟ بينما يرى آخرون أن الساعة الحكومية تحتاج لدراسة مستقلة لتوضيح أخطارها وأضرارها على صحة الناس أيضا.

الرباط. الأسبوع

    جاءت الساعة الإضافية طبقا لمقتضيات المادة الثانية من المرسوم رقم 2.18.855 الصادر في 16 صفر 1440 (26 أكتوبر 2018)، المتعلق بالساعة القانونية للمملكة، لكنها خلقت جدلا واسعا منذ اعتمادها من قبل الوزير بنعبد القادر، الذي أخرج مرسوما بسرعة البرق، ليفاجأ المغاربة بفرض الساعة الإضافية، أو ما يسميها البعض بساعة “رونو”، التي أدت إلى احتجاجات في المؤسسات التعليمية ورفض شعبي، مما دفع بالحكومة إلى مراجعة توقيت الدراسة في المؤسسات التعليمية.

فقد شكلت الساعة الإضافية عائقا أمام العديد من المواطنين، وخاصة الذين يعملون في القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى التلاميذ والطلبة والتجار والمهنيين، بحيث عبر الكثيرون عن استيائهم من هذا التوقيت الذي يفرض عليهم تبديل نمط حياتهم الطبيعية، وتغيير العديد من العادات والأمور اليومية، الشيء الذي جعل البعض يصف هذه الساعة بـ”العذاب النفسي والعصبي”، لكون أضرارها الجسمانية متعددة ومختلفة، مقارنة مع الأثار الإيجابية التي يراها آخرون.

أضرار نفسية واضطرابات

    يرى الكثير من الباحثين أن للساعة الإضافية عواقب وخيمة على الإنسان، لكونها تؤدي إلى اضطرابات نفسية واضطرابات عصبية عند كل شخص، خاصة في الأيام الأولى، مما يؤدي إلى اضطرابات في النوم نتيجة العبث بما يسمى الساعة القانونية، لكون كل إنسان له ساعته البيولوجية في تنظيم أوقات النوم والاستيقاظ، بحيث أن التغيير في الساعة يؤثر بشكل مباشر على الصحة النفسية والجسدية.

تيل رونيبرج، مسؤول في معهد الطب النفسي التابع لجامعة ميونيخ، يقول أن “اعتماد التوقيت الصيفي خلال العام كله يؤدي إلى مشاكل هائلة”، وبرر ذلك بأن “العيش بالتوقيت الصيفي طوال السنة يزيد من احتمال إصابة الإنسان بالسكر والاكتئاب، واضطرابات النوم والذاكرة”، أي أن “الأوروبيين سيصبحون أكثر بدانة وأكثر غباء وأسوأ مزاجا”.

وينصح الباحثون من الجمعية الألمانية لأبحاث وطب النوم، بالعودة بشكل دائم لـ”التوقيت الطبيعي”، حيث قال ألفريد فياتر، رئيس الجمعية: “إن التوقيت العادي يتوافق مع الظروف المثلى والأنسب بما يراعي مؤثرات الضوء الطبيعية على إيقاع اليقظة والاستيقاظ”، مضيفا أن الساعة الإضافية يمكن أن تضر بتركيزنا وانتباهنا، وتجعلنا نرتكب أخطاء أكثر في المدرسة أو العمل، وتساعد كذلك على وقوع الحوادث، نظرا لأهمية النوم بالليل، خاصة وأن العديد من الدراسات تؤكد أن النوم بالليل لا يعوضه النوم بالنهار، من حيث الجودة.

وحسب المختصين، فإن هذه الاضطرابات بسبب قلة النوم تتسبب في عدة أعراض، من بينها الصداع، وعدم التركيز، وعدم القدرة على أداء الوظائف خلال النهار، والإحساس بالتعب الشديد، والرغبة في النوم طيلة النهار، بحيث “إذا استمر الاختلال مدة طويلة، يمكن أن يؤدي إلى أضرار على الحالة الجسمانية، ويخلف أمراض البدانة والسكري والقلب والأوعية”.

وحسب الباحثين، فعندما يصبح النهار أطول، فإن الجسم يتأخر في إفراز هرمون “الميلاتونين” الذي يحفز النوم، مما قد يؤدي بعدم حاجة الإنسان إلى النوم ولكن يضطر إلى الاستيقاظ مبكرا، وهذا ما يهدد بالإضافة مع مرور الوقت، بنقص في النوم، لهذا فقد خلص المختصون إلى أن الساعة الإضافية تجلب معها مشاكل كثيرة للناس، أهمها اضطرابات النوم وما يترتب عنها.

“ساعة في الجحيم”

    الكثير من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي عبروا عن استنكارهم من استمرار الحكومة في فرض الساعة الإضافية طيلة السنة، وعدم التراجع عنها رغم أن مشاكلها كثيرة بالنسبة للجميع، بحيث أبدى الناشط عمر الشرقاوي انزعاجه من الساعة “المشؤومة” التي فرضتها الحكومة مع خروج شهر رمضان، داعيا إلى إصدار قرار حكومي يخفف من قرار منع التنقل الليلي، ويرفع حق التجول إلى 11 ليلا أو منتصف الليل، مؤكدا أن الظروف النفسية والاجتماعية والاقتصادية للناس أشرفت على الانهيار بعد سنة عصيبة وضغوطات كثيرة.

بدورها، عبرت البرلمانية ابتسام العزاوي، عن معارضتها للساعة الإضافية التي تعتمد عليها الحكومة لأن سلبياتها أكثر من إيجابياتها، مطالبة بإعداد دراسة علمية دقيقة تسمح باتخاذ اللازم من الإجراءات.

الكثير من المواطنين والأطباء انتقدوا استمرار هذا القرار اللاشعبي من الحكومة، حيث يقول الدكتور حسن بوحديش (طبيب وناشط في مواقع التواصل الاجتماعي)، أن زيادة ساعة في التوقيت لها أثار صحية سلبية ونفسية وجسدية على الإنسان مثبتة وموثقة علميا، معتبرا أن الحكومة لم تستشر العلماء والأطباء قبل الإقدام على هذه الزيادة.

مطلب انتخابي

    عبر العديد من المغاربة عن استعدادهم للتصويت في الانتخابات المقبلة على الحزب، الذي سيقدم على إلغاء الساعة الإضافية بشكل نهائي والعودة إلى التوقيت القانوني.

وأكد العديد من المواطنين، أنهم مستعدون للتصويت على الحزب الذي سيقدم حلا لإنهاء معاناتهم مع الساعة الجديدة، مطالبين الأحزاب بتسوية هذه الإشكالية التي تخلق ارتباكا كبيرا لدى الناس في حياتهم اليومية والدراسية، وتؤثر على التحصيل الدراسي للأطفال الصغار، وتبعثر تركيزهم في المدارس بسبب عدم استفادتهم من النوم بشكل طبيعي، لهذا طالب بعض النشطاء الأحزاب، بتبني قضية إلغاء الساعة الإضافية في البرامج الانتخابية المقبلة.

بدوره، يقول يونس، فاعل جمعوي، أنه على الحكومة المقبلة الإنصات للشعب وإلغاء الساعة اللاقانونية، التي تزيد من الضغوطات النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي يتخبط فيها المواطنون، معتبرا أن الحكومة الحالية غير منتخبة من قبل الشعب لأنها تسير عكس توجهاته، وتزيد من التعذيب النفسي للمواطنين بسبب الساعة “المشؤومة”.

فقد قرر المغاربة جعل الساعة الإضافية ورقة انتخابية خلال الاستحقاقات المقبلة، بغية الوصول إلى حل لإنهاء جحيم المعاناة التي تعيشها الأسر بسبب فرض هذه الساعة التي تنعكس سلبا على مستوى وأداء المغاربة في حياتهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى