تحقيقات أسبوعية

متابعات | مؤشرات إفلاس قطاع التعليم في صراع الوزارة والنقابات

من الأساتذة المتعاقدين إلى مشكل الانتخابات

يعيش قطاع التعليم معركة حقيقية بين مجموعة من النقابات ووزارة التربية الوطنية، بسبب العديد من القضايا والملفات العالقة، وانفراد الوزارة بالعملية الانتخابية، الشيء الذي فجر خلافات بينها وبين مجموعة من النقابات التي احتجت على الاختلالات الواردة في مقرر توزيع اللجن الإدارية والدوائر الانتخابية، بالإضافة إلى تعثر الحوار القطاعي بسبب تهرب الوزارة من تسوية العديد من المشاكل التي يتخبط فيها التعليم منذ عدة سنوات.
فالموسم الدراسي يقترب من نهايته، لكن هناك تأخير كبير في الدروس بالنسبة للتلاميذ، وتعثر الوزارة في تسوية العديد من الملفات والمشاكل، التي دفعت بالنقابات وهيئات لانتقاد سياسة الوزارة والحكومة في إنقاذ الموسم الدراسي الذي يتخبط في أمور كثيرة، منها ملف الترقيات، الأساتذة المتعاقدين، وأساتذة “الزنزانة 10″، وأطر التوجيه… إلخ.
وبالرغم من قرب انتهاء ولاية هذه الحكومة، إلا أن قطاع التعليم لازال يعاني من عدة تعثرات ومشاكل متراكمة، بسبب غياب النجاعة والحلول لدى الوزارة الوصية لحل العديد من القضايا التي يتخبط فيها التعليم العمومي رغم الميزانية المهمة التي رصدت لأجل إصلاحه.

إعداد: خالد غازي

موسم دراسي متأخر

    خلقت الإضرابات التي يعاني منها قطاع التعليم منذ بداية الموسم الدراسي، مشاكل كبيرة للتلاميذ والتلميذات بسبب التأخير الكبير في الدروس، حيث لازالت العديد من المؤسسات التعليمية متأخرة كثيرا لإنهاء الموسم الدراسي، الشيء الذي يزيد من معاناة وتخوف التلاميذ نتيجة عدم استيعابهم وفهمهم للدروس، بسبب الضغوطات التي تمارسها الوزارة على الأساتذة لأجل الإسراع في إنهاء الدروس دون مراعاة ضرورة إتاحة الوقت للتلاميذ لفهمها.

فالكثير من التلاميذ يجدون صعوبة كبيرة في فهم الدروس، خاصة وأن بعض الأساتذة يسعون إلى انهاء المقرر قبل شهر يونيو، بينما تقتضي المسألة مراعاة ظروف ومصير التلاميذ، الذين يحتاجون للشرح والتمارين حتى يكونوا على استعداد لخوض الامتحانات المقبلة.

يبدو أن الموسم الدراسي يسير نحو الفشل بسبب كثرة المشاكل في التعليم خلال الموسم الحالي، وخاصة في ظل الصراع القائم بين تنسيقية الأساتذة المتعاقدين والوزارة، وتضامن الأساتذة الآخرين معهم، مما جعل التلاميذ يعيشون جمودا دراسيا فوت عليهم العديد من الدروس.

ولأجل التحسيس بالوضعية التي يتخبط فيها التلاميذ بسبب كثرة الدروس وسرعة الأساتذة، طالبت الكونفدرالية الوطنية لجمعيات أولياء التلاميذ بالمغرب، الوزارة بتأخير موعد الامتحان الوطني للباكالوريا إلى أواخر شهر يونيو، وتأجيل الامتحانات الإشهادية لفترة تسمح للأكاديميات الجهوية بتجميع المعطيات حول تنفيذ المقررات الدراسية في كل جهة.

وعزت الكونفدرالية هذا الطلب، إلى “التأخر في تنفيذ المقررات الدراسية في العديد من المؤسسات التعليمية، بسبب تأثير الجائحة واعتماد نظام التفويج وتقليص الغلاف الزمني للتعلمات، ناهيك عن الإضرابات التي خاضتها الأطر الإدارية والتربوية”، داعية إلى توفير الوقت الكافي للإعداد الجيد للامتحانات واجتيازها في ظروف مناسبة.

تصعيد الأساتذة المتعاقدين

    تسعى وزارة التربية الوطنية للخروج بأقل الأضرار وإكمال الموسم الدراسي، لكنها تواجه عقبة كبيرة تتمثل في إصرار الأساتذة المتعاقدين أو أطر الأكاديميات الجهوية، على مواصلة الاحتجاج والنضال من أجل الإدماج في الوظيفة العمومية مثل الأساتذة المرسمين.

وتخشى الوزارة من تعثر الموسم الدراسي، بسبب تمسك الأساتذة المتعاقدين بمطالبهم، حيث هددوا بتعليق إدراج نقاط محصلات التلاميذ في الفروض والمراقبة المستمرة ضمن موقع “مسار”، وقد تؤدي هذه الخطوة إلى إرباك وتعثر خروج النتائج النهائية للموسم الدراسي، مما سيضع الوزارة الوصية في ورطة.

وقرر الأساتذة المتعاقدون تحميل مسؤولية إدراج النقاط بالمنظومة الرقمية إلى الأطقم الإدارية بالمؤسسات التعليمية، الشيء الذي سيخلق جدلا واسعا، بحكم توتر العلاقة بين الأطر الإدارية مع الوزارة، خاصة وأن الأطقم خاضت بدورها عدة احتجاجات في الأشهر الماضية.

ويرفض الأساتذة المتعاقدون تحميلهم أي مسؤولية في مسألة النتائج الدراسية، معتبرة أن إدخال النقط عبر المنظومة المعلوماتية يدخل في مهام الإدارة التربوية وليس في مهام الأطر التربوية التي مهمتها التدريس والساعات الإضافية التضامنية.

ويعتبر الأساتذة المتعاقدون، أن خيار التعاقد الذي تنهجه الوزارة الوصية، لا يهدف مطلقا إلى تجويد المدرسة العمومية، ولا حتى الجهوية العوجاء التي اتخذتها الحكومة، إذ يرفضون الإبقاء على خيار التعاقد لأنه لا يعكس جودة التعليم وينقص من هامش تحرك الأساتذة، ويضرب استقرارهم وأمنهم الوظيفي، مطالبين بإسقاطه وإدماجهم في الوظيفة العمومية.

ويهدد الأساتذة المتعاقدون بأنهم “سيواصلون عمليات مقاطعة لقاءات المفتشين والأستاذ الرئيس، وما يسمى بالتأهيل المهني، وكذا اقتراح الامتحانات الإشهادية والاستعداد لمقاطعتها حراسة وتصحيحا”.

إغلاق وتفويت مدارس عمومية

    فوجئ أولياء تلاميذ مدرسة أنس ابن مالك في الدار البيضاء، بقرار يقضي بإغلاق المدرسة العمومية التي يدرس فيها أبنائهم وتفويتها إلى الخواص، منددين بهذا القرار الذي سيحرم أبناءهم من التمدرس خلال السنوات المقبلة في مدرسة عمومية تخرجت منها العديد من الأجيال، مطالبين بالعدول عن القرار الذي يهدد التلاميذ بالهدر المدرسي.

وعبر آباء وأمهات التلاميذ عن استيائهم من القرار الذي اتخذته النيابة والوزارة بإغلاق المدرسة العمومية الوحيدة في الحي، والذي سيحرم أجيالا أخرى من حقها في الدراسة، متسائلين عن المصلحة من وراء إغلاق المدرسة بشكل نهائي، دون الأخذ بعين الاعتبار مستقبل التلاميذ الذين وضعتهم الإدارة أمام مصير مجهول.

واعتبر أولياء أمور التلاميذ، أن قرار إغلاق المدرسة يؤكد استهداف التعليم العمومي الذي يعد حقا دستوريا لجميع الأسر المغربية، مؤكدين عزمهم على خوض اعتصام رفقة أطفالهم إذا ما تم تسريحهم وإغلاق المدرسة.

ويأتي قرار إغلاق هذه المدرسة وتفويتها للخواص، ليطرح السؤال: هل هناك مساعي لتفويت المزيد من المؤسسات التعليمية العمومية، خاصة وأن هناك إحصائيات تشير إلى إغلاق العشرات من المدارس في العديد من المدن، ومنح بعضها لشركات خاصة أو لشركات عقارية، فهل هناك مخطط لتقليص المدارس العمومية؟

رفض للتقسيم الانتخابي

    عبرت مجموعة من النقابات عن استيائها من طريقة تدبير الوزارة للانتخابات والتقسيم الانتخابي، الذي لا يتماشى مع مستوى وحجم الأكاديميات، بالإضافة إلى تعيين اللجن المشرفة على هذه الانتخابات، حيث فجرت هذه الاستحقاقات المهنية أزمة كبيرة بين معظم النقابات والوزارة الوصية.

وطالب التنسيق النقابي الثلاثي (النقابة الوطنية للتعليم، الجامعة الحرة للتعليم، الجامعة الوطنية للتعليم) وزير التربية الوطنية، بإعادة النظر في التقسيم الانتخابي وفق معايير موحدة معممة، نظرا لما يكتسبه التقسيم الانتخابي من أهمية بالغة في ضمان دمقرطة العملية الانتخابية بقطاع التربية والتكوين، وإفراز تمثيليات تتلاءم وحجم الفئات المعنية.

وأكد التنسيق النقابي على ضرورة الرفع من عدد ممثلي الأسرة التعليمية لخصوصية القطاع، ضمن الوظيفة العمومية، ليتوافق وعدد الهيئات وعدد الموظفين مع مراعاة مبدأ التمثيلية والقرب في الإطار والتقسيم المجالي، حتى تضمن تمثيلية لكل الفئات، مؤكدا على ضرورة إعادة النظر في التقسيم الانتخابي بشكل يضمن تكافؤ الفرص ويتيح تمثيلية ملائمة لكل الفئات على الصعيدين الوطني والجهوي، آخذين بعين الاعتبار الملاحظات المشار إليها، مشيرا إلى ضرورة عقد اجتماع يتعلق بالملف المطلبي للفئات المعنية التي تعد ذات الأولوية لدى التنسيق النقابي.

تساؤلات واختلالات

    قرر المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم مراسلة رئيس الحكومة ووزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، للطعن والاحتجاج على مقرر وزير التربية الوطنية، ومباشرة الاستشارة القانونية لبحث إمكانية الطعن قضائيا في مقرر الوزارة عدد 046/21 أمام المحكمة الإدارية، بالنظر للعيوب الشكلية والموضوعية التي تشوبه، داعيا كل الأجهزة النقابية وعموم الكونفدراليات والكونفدراليين، إلى الرفع من وتيرة التعبئة، لمواجهة كل التحديات والاستمرار في التحضير الجيد للاستحقاقات المهنية.

وأكدت النقابة أن انفراد وزارة التربية الوطنية بتدبير الإعداد لانتخابات اللجن الإدارية المتساوية الأعضاء، وما أسفر عنه مقررها عدد 21/046 من توزيع لهذه اللجن، ليؤكد بالملموس محاولة التحكم القبلي في النتائج، وهو ما يتنافى مع مبدأ الحياد الإيجابي الذي يتوجب أن تتحلى به الإدارة، رافضة ما ورد في مقرر توزيع اللجن الإدارية المتساوية الأعضاء، وتعتبر أن أي تقطيع انتخابي لا يراعي حجم الأكاديميات والفئات التعليمية، هو تقطيع معيب من الناحية القانونية والموضوعية، وقالت أن “الاختلالات الواردة في مقرر توزيع اللجن الإدارية المتساوية الأعضاء، سواء من حيث إحداث الدوائر الانتخابية، واعتبار بعض الأكاديميات رغم كبرها دائرة واحدة (الدار البيضاء سطات، الرباط سلا القنيطرة، فاس مكناس، الشرق…)، وإحداث لجن جهوية لبعض الفئات الصغيرة والنفخ في عدد ممثليها، وتحويل فئات أخرى للجن مركزية رغم عددها الكبير، متسائلة: “ماذا يريد القائمون على وزارة التربية الوطنية من وراء ذلك؟ ولمصلحة من يتم تسخير السلطة القانونية للوزارة؟”.

حوار غامض ومتعثر

    اعتبرت أسرة التعليم أن الحوار القطاعي لا يرقى لطموحات وانتظارات رجال ونساء التربية والتعليم، بسبب إغلاق باب الحوار منذ أكثر من سنة، الشيء الذي جعل العديد من الملفات والقضايا تتفاقم، وترتفع وتيرة الاحتجاجات والمطالب من قبل شغيلة التعليم، لأجل تسوية الملفات العالقة وفتح باب الحوار الحقيقي.

وانتقدت الجامعة الوطنية للتعليم السياسة التي تنهجها وزارة التربية الوطنية، وإغلاقها لباب الحوار القطاعي والاجتماعي منذ أزيد من سنة، مطالبة بتسوية الملفات العالقة وفتح حوار حقيقي جاد ومسؤول، معتبرة أن الحوار أفرغ من المحتوى الذي يجيب على انتظارات الشغيلة التعليمية، مما يعمق أزمات المنظومة ويهدر الزمن المدرسي، ويدفع التعليم العمومي نحو الإفلاس.

وأكدت النقابة التابعة للاتحاد المغربي للشغل، في مراسلتها للوزير، غياب الشروط الموضوعية لأي حوار في ظل تجاهل الوزارة للاحتجاجات المفتوحة التي تخوضها الفئات التعليمية، مما يفاقم ويعمق أعطاب وأزمات التعليم العمومي، مشيرة إلى تصاعد الاحتجاجات وتفاقم الاحتقان الذي يعرفه قطاع التعليم نتيجة ما وصفته بـ”استهداف الحق في التعليم العمومي ومجانيته، عبر تمرير القوانين والمراسيم التراجعية المتعلقة بمضامين تدبير القطاع أو الأوضاع المهنية والإدارية والاجتماعية لنساء ورجال التعليم”.

ودعا عبد الرزاق الإدريسي، الكاتب العام للنقابة، إلى فتح حوار جدي حول كافة الملفات العالقة المتصلة بكل الفئات، وتفعيل الالتزامات السابقة دون تسويف، مشددا على ضرورة إشراك المعنيين دون إقصاء وفق المرجعيات الدستورية والقانونية ضمانا للشفافية والوضوح مع نساء ورجال التعليم، ومع قضايا التعليم العمومي الذي يجب أن يأتي على رأس الأولويات.

من جهته، أكد عبد الغني الراقي، الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم، أن غياب الحوار مع وزارة التربية الوطنية، نتج عنه تراكم للعديد من الملفات، التي لازالت عالقة بين النقابة والوزارة الوصية، وتتضمن حلولا ومقترحات، مشيرا إلى وجود ملفات بدون حلول، الشيء الذي ترتب عنه احتقان وتصاعد التوتر والعديد من الإضرابات والاحتجاجات والمسيرات، وكله بسبب غياب الحوار.

مرسوم يخلق الجدل

    يبدو أن وزارة التربية الوطنية تعيش مرحلة حرجة، بسبب خروج العديد من النقابات في وقت واحد، للاحتجاج على القرارات والمراسيم والإجراءات التي تتخذها الوزارة، والتي لا تتماشى مع مطالب شغيلة التعليم، بحيث خرجت نقابة أطر التوجيه والتخطيط التربوي بدورها، للاحتجاج على مسودة مشروع المرسوم المنظم لمركز التوجيه والتخطيط التربوي، والتي جاءت متضمنة لمقتضيات مخالفة لكل التوقعات، معتبرة أن المسودة “مكرسة للحيف الذي طال هذه الهيئة منذ صدور النظام الأساسي لسنة 2003”.

وأكدت النقابة رفضها القاطع لأي تعديل للمرسوم المنظم لمركز التوجيه والتخطيط التربوي لا يأخذ بعين الاعتبار المطالب العادلة لأطر التوجيه والتخطيط التربوي، وعلى رأسها مطلب توحيد الإطار، معتبرة أن التعديلات التي جاءت بها المسودة تضرب في العمق مبدأ توحيد المسارات المهنية، حيث أنها تجعل مسار المفتش في التوجيه أو التخطيط يزيد بسنتين عن مسار باقي مفتشي التعليم، في حين أن الواقع هو تماثل مسار المستشار في التوجيه أو التخطيط مع مسار المفتش التربوي من حيث المدخلات ومدة التكوين، وقالت: “إن المدخل الوحيد لحل ملف الهيئة، هو توحيد الإطار (مستشارين ومفتشين) في إطار واحد مفتش في التوجيه أو التخطيط بمدخلاته الثلاث المتلازمة (تغيير الإطار بالأقدمية لجميع أفواج المستشارين خريجي المركز ما بعد 2004 إلى إطار مفتش في التوجيه أو التخطيط بعد الترقي إلى السلم 11 إسوة بالأفواج السابقة، وترقية استثنائية للمستشارين القابعين في الدرجة الثانية إلى الدرجة الأولى، بشكل فوري وبأثر رجعي مالي وإداري”.

وأكد المكتب الوطني للنقابة رفضه المطلق للإقصاء والحيف الذي سيطال المتدربين الحاليين بمركز التوجيه والتخطيط التربوي، بسبب ما جاء في المادة 35 من مسودة مشروع المرسوم السالف الذكر، ودعمه اللامشروط لأي خطوات نضالية يعتزمون القيام بها مستقبلا.

وأشار إلى أن أطر التوجيه والتخطيط التربوي، يستحضرون الظرفية الحالية المتسمة بالتراجعات وضرب الحقوق والإجهاز على المكتسبات، كما يدعو جميع أطر الهيئة إلى الاستمرار في تنزيل البرنامج النضالي، والاستعداد لخوض أشكال نضالية غير مسبوقة في حال استمرار الوزارة الوصية في تجاهل المطالب العادلة والمشروعة للهيئة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى