تحقيقات أسبوعية

ربورتاج | قفة رمضان تشعل فتيل الحرب بين الأحزاب السياسية

الخلط بين العمل الخيري والعمل السياسي

عاد الجدل من جديد حول العمل الخيري والجمعوي في الساحة الحزبية والسياسية، بعدما اتهمت أحزاب المعارضة حزب الأحرار، حليفها السياسي، باستغلال العمل الخيري عبر جمعية مقربة، وشنت هجوما على قياداته، في حين أن هذه الأحزاب بدورها تستغل العمل الجمعوي والخيري بطرق أخرى (المخيمات، بطائق الإنعاش، الأعيان) لاستقطاب النساء والشباب والشيوخ، سواء في المدن أو في القرى.
فقد شكل العمل الخيري والاجتماعي قاعدة أساسية لدى العديد من الأحزاب السياسية، عبر جمعيات مقربة تقوم بتوزيع بعض المواد الغذائية في رمضان وملابس ومستلزمات مدرسية، لاستقطاب المواطنين وكسب تعاطفهم قصد استغلالهم خلال الحملات والمحطات الانتخابية، وليست المرة الأولى التي يقوم فيها حزب بالعمل الاجتماعي في الميدان من أجل تقديم الدعم لبعض الأسر المحتاجة، بل سبق لحزب العدالة والتنمية أن اعتمد على بعض الجمعيات المقربة منه في العمل الخيري، بهدف تحقيق مكاسب انتخابية، بينما عمدت أحزاب أخرى يسارية ويمينية، إلى ضم فعاليات جمعوية أو منتخبين محليين، لأجل الاستفادة من نشاطهم الخيري.. فما هي أسباب الجدل السياسي حول العمل الخيري؟ وهل للأمر علاقة بالترحال السياسي للبرلمانيين، أم بتصفية الحسابات؟ ولماذا تصمت الداخلية عن العمل الخيري من قبل جمعيات لمنتخبين؟ ومتى يتم إخراج الدعم المباشر للأسر الفقيرة والهشة؟

الرباط. الأسبوع

أحزاب تحتج

    احتجت ثلاثة أحزاب سياسية (الاستقلال، الأصالة والمعاصرة، والتقدم والاشتراكية) على توظيف العمل الخيري والتضامني بشكل “سياسوي”، وأصدرت بلاغا مشتركا عبرت فيه عن “رفضها واستنكارها المبدئي لظاهرة التوظيف السياسوي للعمل الخيري والتضامني كيفما كان ميوله السياسي، في استمالة الناخبين بأشكال بئيسة استقبلها الرأي العام بكثير من السخط والاستهجان”.

واعتبرت هذه الأحزاب، أن هذه الظاهرة غير القانونية التي تعتمد على استغلال غير مشروع وغير أخلاقي للبيانات والمعطيات الشخصية للمواطنين والمواطنات، تقتضي تدخل السلطات العمومية من أجل ردعها وإيقافها، كما أن هذا البلاغ المشترك جاء بعدما خرجت هذه الأحزاب ببلاغات سابقة تنتقد توظيف جمعية “جود” للعمل الخيري في توزيع مساعدات غذائية على الفقراء لصالح حزب التجمع الوطني للأحرار.

وقد أبدى حزب الاستقلال رفضه لاستغلال المعطيات الشخصية للمستفيدين من عمليات الدعم الغذائي لأغراض أخرى لا صلة لها بالعمل التضامني، مشددا على ضبط وتأطير عمليات التضامن والإشراف عليها وتحصينها من كل التجاوزات والتوظيفات الحزبية الضيقة، والزج بها في مسلسل الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.

بدوره استنكر حزب التقدم والاشتراكية لجوء بعض الجمعيات من ضمنها مؤسسة “جود” القريبة من أحد الأحزاب، إلى التوظيف السياسوي لمبدأ التضامن النبيل، من خلال تعبئة إمكانيات هائلة وأعداد كبيرة من القفف على نطاقات جغرافية واسعة، وذلك من أجل الاستمالة الفاضحة للمواطنات والمواطنين انتخابيا وحزبيا في محاولة لاستغلال فقر وضعف عدد من الأسر المغربية.

أخنوش يرد على الاتهامات

    رفض عزيز أخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، الخرجات والاتهامات الموجهة إلى حزبه وإلى جمعية “جود”، والتي تشكك في النوايا وتبخس مجهود المؤسسة، معبرا عن استغرابه لما يروج حول المؤسسة التي تقوم بعدة أنشطة في جميع المجالات وبمختلف المناطق المغربية مع مئات الجمعيات حول مجموعة من المشاريع والأنشطة التي تهم الولوج إلى العالم القروي، من قبيل التزود بالماء الصالح للشرب، إنشاء الطرق، بناء أقسام التعليم الأولي، تكوين النساء في الصحة والتمريض، تنظيم القافلات والأنشطة الفنية والرياضية.

وأكد أن مؤسسة “جود” تشتغل منذ 5 سنوات وتتعرض لهذه الانتقادات مع قرب الانتخابات، والإساءة إليها جعلته يخرج عن صمته ليصحح بعض المغالطات الشعبوية التي تم الترويج لها، لأنها تسيء للعديد من الناس الذين يشتغلون في صمت منذ سنوات، مشيرا إلى أن الظروف الحالية التي تجتازها بلادنا صعبة تستلزم تضامن الجميع، للتخفيف من أثار الأزمة، داعيا إلى النزول للميدان ومساعدة الناس.

 واعتبر أخنوش أن استهداف هذه المؤسسة الاجتماعية غير معقول، وقال هذا مجال اجتماعي تكميلي وليس فيه منافسة.

تأتي الاتهامات الموجهة إلى حزب الأحرار من قبل الأحزاب الثلاثة، في ظل حركة الانتقالات التي يعرفها المشهد السياسي من قبل منتخبين وبرلمانيين ومستشارين، فضوا الالتحاق بحزب أخنوش بسبب خلافاتهم مع أحزابهم، بحيث أن فقدان هذه الأحزاب للعديد من الأعيان والقيادات البارزة جعلها تعلن الصراع مع حزب الأحرار بعدما اتفقت معه على تكوين تحالف لمواجهة “البيجيدي” في الانتخابات المقبلة.

القفة تهز البرلمان

    أشعلت قفة رمضان الصراع داخل البرلمان وخلقت مواجهة مباشرة بين نواب من التجمع الوطني للأحرار وإدريس الأزمي، عضو فريق حزب العدالة والتنمية بمجلس النواب، حيث انتقد مصطفى بايتاس رئيس فريق الأحرار، الاتهامات الموجهة إلى الجمعيات المدنية التي تعتمد على نفسها وعلى المساهمين والمتطوعين، وتغاضي الأعين عن صرف المال العام في الجماعات والترويج للأحزاب السياسية.

وهاجم بايتاس جهات لم يذكرها، تتوصل بالمال من الدول الأجنبية غير معروفة مصادره، ويستعمل في خدمة أجندات سياسية ودينية لاستقطاب المواطنين، مشيرا إلى أن زعيم حزب كبير وجه رسالة لجميع مناضلي حزبه في مختلف ربوع المملكة للعمل على تقديم المساعدة للمواطنين، وقال: “من يستعمل هذه القفة في البلاد منذ سنوات شكون، معروف في البلاد منذ 40 سنة ومن يستعملها خلال هذ العشر سنوات أو 15 سنة الأخيرة، وحقق بها مآرب سياسية كبرى، اليوم مللي تنوض جمعية مدنية تشتغل في إطار القانون وأموالها معروفة من مساهمين مغاربة وتقدم خدمة اجتماعية، نجيو ندخلوا فيها، ونضيق على المغاربة في علاقتهم مع المجتمع المدني وجمعيات مدنية، البؤس هو هذا حينما نأخذ  قضايا ترتبط بمواطنين بسطاء ونحن نعلم تداعيات الجائحة والإكراهات التي خلقت في المجتمع”.

ووجه النائب البرلماني إدريس الأزمي، اتهامات خطيرة لجمعية “جود”، بكونها قدمت مساعدات غذائية للأسر المحتاجة تحت شرط الانخراط بالحزب، وهو ما أثار حفيظة التجمعيين، لتحصل مشادات كلامية بين بايتاس والأزمي بسبب قفة رمضان، انتهت برفع الجلسة.

 

“الذراع الخيري” لـ”البيجيدي”

    منذ عدة سنوات، استغل حزب العدالة والتنمية العمل الخيري في الأحياء الشعبية والهامشية، عبر عدة جمعيات تابعة لأتباعه ومناضليه، أو لديها ارتباط بحركة “الإصلاح والتوحيد” الدعوية، إذ شكل العمل الجمعوي والاجتماعي منطلق الحزب لكسب تعاطف المواطنين وتوسيع قاعدته في الأحياء الشعبية، عبر بعض الجمعيات منها جمعية “السلام للعمل الاجتماعي”، التي تحولت إلى مؤسسة “السلام للإنماء الاجتماعي”، وهي جمعية وطنية اجتماعية يترأسها أحد المقربين من بن كيران، حيث شكلت قوة وطنية للحزب من خلال فروعها في العديد من المدن.

فمؤسسة “السلام للإنماء الاجتماعي” تشتغل في مجال العمل الخيري، وتقوم ببرامج دعم الأسر المعوزة، ودعم الشباب وخلق المشاريع، والعرس الجماعي وتوزيع المساعدات في رمضان وغيره، وهي تضم أعضاء ينتمون في الغالب لحركة “التوحيد والاصلاح “، وأصبحت تشكل قوة من خلال فروعها التي تمددت عبر التراب الوطني، وتحول إلى آلة استقطابية وانتخابية، إلى جانب جمعيات أخرى مقربة من الحزب تعمل في العديد من المدن، بحيث تضم أكثر من 36 فرعا في جميع مناطق المملكة.

بخصوص تركيز حزب العدالة والتنمية على العمل الخيري، يقول المحلل السياسي عمر الشرقاوي، أن “البيجيدي يعمل بالقفة طوال الولاية بينما الأحزاب تلجأ إليها خلال الانتخابات، والفرق أن البيجيدي مأسس العمل الخيري، بينما تمارسه الأحزاب بشكل عشوائي، الفرق أن البيجيدي يمارس القفة بآلاف الجمعيات بينما الأحزاب تعتمد على جمعية واحدة، الفرق أن القفة يمارسها البيجيدي للتمكين السياسي للدولة الموعودة، بينما أحزاب تمارسه للحصول على أصوات انتخابية”.

وانتقد الشرقاوي تصريحات العثماني واستنكاره أمام منتخبيه لتوظيف الإحسان العمومي في السياسة، معتبرا أن الإحسان العمومي والخيري هو الذي أعطى لحزب العدالة والتنمية وجوده، ولولا الحركة الدعوية وآلاف الجمعيات التي تستثمر في فقر وحاجة الآخرين ما كان لحزب العدالة والتنمية أن يظهر للوجود.

 

اختلالات في قفة الداخلية

    حتى السلطات المحلية تعرضت لانتقادات من قبل نشطاء مغاربة في مواقع التواصل الاجتماعي بسبب طريقة توزيع قفة لا يتعدى ثمنها 250 درهما، من خلال حضور عدد من المسؤولين الكبار والمحليين والإقليميين والمنتخبين والصحافيين والقنوات الرسمية، أمام باب منزل الأسرة المستفيدة، وأخذ الصور معها، حيث اعتبر هؤلاء النشطاء أن الطريقة فيها إهانة للأسر المحتاجة.

وخلقت صور توزيع قفف رمضان على عدد من الأسر استياء كبيرا في مواقع التواصل، بسبب التشهير بالأسر المعوزة ونشر صورها في القنوات الرسمية والصحف والمواقع، معتبرين أن الإحسان يفترض أن يكون سرا وبعيدا عن وسائل الإعلام ويحفظ كرامة الناس المحتاجين وأبناءهم.

وتحتكر السلطات المحلية توزيع قفة رمضان في العديد من المدن عبر السلطات المحلية، التي تقوم بتسجيل لوائح المحتاجين، لكن هذه العملية تشوبها اختلالات بسبب إقصاء بعض الأسر المعوزة، حيث توجه الاتهامات غالبا لبعض أعوان السلطة الذين يسجلون بعض أقربائهم وأصدقائهم للاستفادة من قفة رمضان ويتعمدون إقصاء آخرين، الشيء الذي دفع بعض الناس للخروج للاحتجاج (تمارة) بسبب إقصائهم من الاستفادة.

وكشفت مؤسسة محمد الخامس للتضامن أن عملية قفة رمضان تمت بمساهمة وزارتي الداخلية والأوقاف والشؤون الإسلامية، وأن عدد المستفيدين سيصل لثلاثة ملايين شخص (600 ألف أسرة على الصعيد الوطني، منها أزيد من 459 ألف أسرة من الوسط القروي).

خلقت قفة رمضان الجدل خلال رمضان الحالي على بعد أشهر من الانتخابات التشريعية، لكن يظل السؤال: لماذا منعت الداخلية العمل الخيري في رمضان قبل انتخابات 2016 وتغاضت عنه خلال السنة الحالية ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى