تحقيقات أسبوعية

ربورتاج | هل ينجح مشروع الحماية الاجتماعية ؟

بين التمويل والحكامة والسجل الاجتماعي وهجرة الأطباء..

يعد مشروع تعميم الحماية الاجتماعية من المشاريع التي أطلقتها الدولة بهدف النهوض بالقطاع الاجتماعي والصحي، بعد فشل البرامج السابقة التي عرفت العديد من الاختلالات مثل برنامج “الراميد”، الذي كلف ميزانية مالية كبيرة دون أن يصل إلى شريحة كبيرة من الفئات الهشة، بسبب الزبونية والمحسوبية التي رافقته.
ولكي ينجح مشروع الحماية الاجتماعية، حسب وزير المالية، يتطلب الأمر تعديل مجموعة من النصوص التشريعية والتنظيمية، وإطلاق مجموعة من الإصلاحات الهيكلية تتعلق بتأهيل المنظومة الصحية، ومعالجة الاختلالات على مستوى استهداف الفئات المستحقة للدعم موازاة مع تفعيل السجل الاجتماعي الموحد، الذي يجب أن يفتح أمام جميع الفئات الفقيرة والمحدودة الدخل، وأن يخضع لإحصاء محكم ورقابة حتى لا يتم التلاعب فيه من قبل جهة ما.
وحسب المشروع، فإن المرحلة الأولى سيستفيد منها الفلاحون وحرفيو ومهنيو الصناعة التقليدية والتجار، والمهنيون ومقدمو الخدمات المستقلون، الخاضعون لنظام المساهمة المهنية الموحدة ولنظام المقاول الذاتي أو لنظام المحاسبة، ليشمل في مرحلة ثانية فئات أخرى من الطبقة الهشة، في أفق التعميم الفعلي للحماية الاجتماعية لجميع المغاربة.. فهل ينجح مشروع الحماية الاجتماعية في ظل ضعف البنيات التحتية الصحية؟ وكيف يمكن تفادي التجاوزات والاختلالات التي حصلت في برنامج “الراميد”؟ وكيف سيتم تعميم المشروع في ظل عدم وضوح السجل الاجتماعي الموحد؟

الرباط. الأسبوع

    اعتبر محمد بنشعبون، وزير الاقتصاد والمالية، أن مشروع الحماية الاجتماعية “يشكل ثورة اجتماعية حقيقية، لما سيكون له من أثار مباشرة وملموسة في تحسين ظروف عيش المواطنين، وصيانة كرامة جميع المغاربة، وتحصين الفئات الهشة، لاسيما في سياق ما أصبح يعرفه العالم من تقلبات اقتصادية ومخاطر صحية”، مضيفا أن هذا المشروع المجتمعي يشكل رافعة لإدماج القطاع غير المهيكل في نسيج الاقتصاد الوطني، بما يوفر الحماية للطبقة العاملة ويصون حقوقها، ومنعطفا حاسما في مسار تحقيق التنمية المتوازنة والعدالة الاجتماعية والمجالية تحت قيادة الملك.

وأكد الوزير أن تنزيل هذا المشروع المجتمعي يتطلب تطوير الجوانب التدبيرية، وحكامة هيئات الضمان الاجتماعي، في أفق إحداث هيئة موحدة للتنسيق والإشراف على أنظمة الحماية الاجتماعية.

فمشروع الحماية الاجتماعية سيستفيد منه حوالي 3 ملايين منخرط من التجار، ومقدمي الخدمات المستقلين، والحرفيين، ومهنيي الصناعة التقليدية، والفلاحين، بالإضافة إلى أسرهم، من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، أي أن عدد المواطنين المعنيين الذين سيستفيدون من هذا التأمين سيبلغ حوالي 9 ملايين مواطن، وهو ما يمثل حوالي 83 بالمائة من الشرائح المستهدفة لدى فئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا، كما سيشمل المشروع 11 مليون مواطن من العمال المستقلين وأسرهم من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض خلال سنة 2021، مشيرا إلى أنه سيتم العمل على اتخاذ كل التدابير من أجل تمكين 11 مليون مواطن من الفئات الفقيرة والهشة المنخرطة حاليا في نظام المساعدة الطبية “الراميد”، من الشروع في الاستفادة من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض ابتداء من سنة 2022. فحوالي 22 مليون شخص إضافي، سيستفيدون خلال سنتي 2021 و2022، من التأمين عن المرض الذي يشمل نفس سلة العلاجات التي يغطيها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بالنسبة لأجراء القطاع الخاص، وكذا الولوج إلى الخدمات التي يوفرها القطاعان الخاص والعام.

إشكالية التمويل والحكامة

    مشروع الحماية الاجتماعية يتطلب موارد مالية مهمة لإنجاحه والتي تحتاج إلى تمويل مستمر، حيث كشف وزير المالية، أن تدبير هذا البرنامج لغاية 2025، سيتطلب مبلغا إجماليا سنويا يقدر بـ 51 مليار درهم، منها 23 مليارا سيتم تمويلها من الميزانية العامة للدولة، بينما سيساهم المهنيون والفلاحون والتجار في إطار التأمين الإجباري الأساسي.

وفي هذا السياق، يؤكد يونس فيراشين، عضو بمكتب الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، أن مشروع تعميم الحماية الاجتماعية هو مشروع مهم جدا وورش أساسي في بناء الدولة الاجتماعية، لكن لابد من ضمان شروط نجاح هذا الورش الكبير، مضيفا أن الكونفدرالية قدمت مجموعة من الملاحظات حول مشروع القانون الإطار، أولا منظومة الحماية الاجتماعية تتضمن اثنين من المكونات فيها التأمين الاجتماعي، الذي يشمل أربع خدمات (تعميم التغطية الصحية، التعويضات العائلية، التقاعد، التعويضات عن فقدان الشغل)، ثم برامج المساعدة الاجتماعية الذي يتضمن 140 برنامجا، ويعرف عدة متدخلين وغياب الانتقائية، مما يبرز غياب النجاعة، وهذا فيه هدر للمال العام والمفروض هو توحيد هذه المشاريع وتكوين هيئة واحدة للإشراف عليها، لكن لم يتم الأخذ بهذا المقترح.

وأوضح فيراشين، أن إشكال التمويل يتطلب من الدولة أن تجيب عنه، لأن الحماية الاجتماعية كما جاءت في ديباجة القانون الإطار، وحسب “اتفاقية 102” لمنظمة العمل الدولية، و”توصية 202″، تتحدث عن ضمان الديمومة لأي منظومة للحماية الاجتماعية مرتبطة بالتمويل، وهي الإشكالية التي عاشها برنامج “الراميد”، مشددا على ضرورة أن تتحمل الدولة مسؤوليتها ويكون لديها التزام بنسبة من الحد الأدنى لتمويل منظومة الحماية الاجتماعية، خاصة وأن نسبة 5 بالمائة المخصصة لمنظومة الحماية الاجتماعية قليلة مقارنة مع دول في محيطنا تخصص نسبة تصل لـ 10 بالمائة، ودول أخرى تصرف ما بين 15 حتى 20 بالمائة على الحماية الاجتماعية، لهذا، لا بد من مجهود مالي أكبر للدولة.

وأكد على أهمية توسيع التضامن وليس الاقتصار فقط على الطبقة المتوسطة لتمويل هذا المشروع، إذ لا بد من مساهمة الأثرياء والأغنياء بشكل أو بآخر، عبر إعادة النظر في النظام الضريبي، ومن خلال خلق ضرائب جديدة مثل الضريبة على الثروة أو ضرائب أخرى، التي يمكن أن تكون موردا لتمويل الحماية الاجتماعية، مشيرا إلى أن المشروع يحتاج إلى الحكامة الجيدة للقطع مع مجموعة من الممارسات التي كانت سائدة في الماضي، وتستوجب إشراك كل المعنيين من النقابات وممثلي المهنيين والفلاحين، في مراقبة الأموال التي سوف يساهمون بها، حتى تعم الشفافية في تدبير هذه الأموال، لاسيما وأن أكبر قضية فساد عرفها المغرب هي قضية صندوق الضمان الاجتماعي، الذي يعد من صناديق تدبير الحماية الاجتماعية، وبالتالي لابد من حكامة جيدة مواكبة، وعدم ترك الباب مشرعا أمام كثرة المتدخلين، لكي تكون النجاعة وعدم هدر المال العام.

 السجل الاجتماعي ومراجعة القوانين

    السجل الاجتماعي الموحد هو المنطلق لإحصاء الفئات الفقيرة والهشة التي تستحق الحصول على الدعم في الحماية الاجتماعية، لكن هناك مخاوف من حصول اختلالات وعمليات لإقصاء مواطنين خلال عملية التسجيل في السجل الاجتماعي، مما يتطلب منهجية دقيقة وقاعدة معلوماتية، لتمكين جميع المواطنين المنحدرين من الطبقات الهشة من التسجيل في السجل الاجتماعي، لأن ترك المهمة للجماعات أو السلطات قد يؤدي إلى اختلالات وعمليات إقصاء لفائدة فئة كبيرة من الناس، وبالتالي، حرمانهم من الاستفادة من التسجيل في الحماية الاجتماعية، مثل ما حصل في نظام “الراميد” الذي عرف العديد من الخروقات والتجاوزات، حيث تم منحه لأشخاص يتوفرون على مشاريع وأناس من طبقة ميسورة، بحيث كشفت فترة الدعم خلال الجائحة عن توصل أشخاص ميسورين وتجار وأصحاب مشاريع ومحلات تجارية من المساعدة المادية من صندوق “كوفيد”.

يقول النقابي يونس فيراشين، أن نظام “الراميد” شهد العديد من الإشكالات، بحيث كان البرنامج يستهدف فئتين: الطبقة الفقيرة والهشة، واليوم يوجد ما يسمى السجل الاجتماعي الذي يعتبر آلية لاستهداف الناس المحتاجين للتغطية الصحية، لكنه سيطرح إشكالا، لأن هناك فئات سوف تساهم، مثل الحرفيين والمهنيين والفلاحين، وهناك فئات سوف تؤدي عنهم الدولة المساهمة، لكن سيكون الشخص المستفيد المؤمن، مطالبا بتأدية جزء مادي، لأن المستشفى لن يكون مجانا، مبرزا أن السجل الاجتماعي يمكن أن يحل مشكل الاستهداف، لكن المشكلة تكمن في البنيات التحتية للصحة العمومية، التي يجب الاستثمار فيها لتوفير البنيات اللازمة لاستقبال 22 مليون مواطن.

وأوضح نفس النقابي، أن الإطار الذي كان من المفروض أن يناقش فيه مشروع الحماية الاجتماعية، هو الحوار الاجتماعي، لكن القانون الإطار خرج بدون نقاش مع النقابات، مما يتطلب إعادة النظر في مجموعة من القوانين، خاصة قانون 65.00 المتعلق بمدونة التغطية الصحية، والظهير 72 المتعلق بصندوق الضمان الاجتماعي، بالإضافة إلى قوانين سيتم تعديلها ويجب طرحها على طاولة الحوار من أجل النقاش فيها، للوصول إلى رؤية توافقية حول هذا المشروع.

تبقى مسألة البنيات التحتية من بين المشاكل التي يعاني منها القطاع الصحي في المغرب، بسبب ضعف المستشفيات والمراكز الاستشفائية وغياب التجهيزات والمعدات الطبية، إلى جانب قلة الموارد البشرية، فبالرغم من حديث الوزير عن تعزيز البنيات عبر فتح باب الاستثمار الأجنبي في القطاع الصحي، إلا أن الواقع يؤكد أن القطاع الخاص لا يساهم في التضامن مع المنظومة الطبية العمومية، والأشهر السابقة من الجائحة كشفت أن المصحات فرضت أثمنة على المرضى خلال الأزمة.

هجرة الأطباء تترك الخصاص

    كشفت عدة تقارير عن هجرة الأطباء ومهنيي الصحة المغاربة إلى بلدان أخرى مثل فرنسا وألمانيا وكندا وبلجيكا، مما يترك فراغا كبيرا وخصاصا في الأطر الصحية داخل المستشفيات الجامعية والإقليمية في المدن الكبرى والصغرى،

وحسب دراسة سابقة للمجلس الوطني لنقابة الأطباء بفرنسا، فإن الممارسين للمهنة المولودين في المغرب، يمثلون ثاني أكبر مجموعة في المؤسسات الفرنسية في المجموع بحوالي 7 آلاف طبيب مغربي.

ويشكل عدد الأطباء المغاربة الممارسين لمهنة الطب في فرنسا نسبة مهمة، 10 بالمائة من مجموع الأطباء المتواجدين بهذا البلد، منهم 15 بالمائة متخصصون في الجراحة العامة، و11 بالمائة في التخدير والإنعاش، و7 بالمائة متخصصون في أمراض النساء والولادة.

هذه الأرقام تبرز حجم الهجرة الكبيرة للأطر الصحية العالية، التي تترك خصاصا كبيرا في المغرب، سواء في المستشفيات العمومية أو المراكز الصحية في المدن والبوادي، بحيث أن هجرة هؤلاء الأطباء تكلف المغرب خسارة ما بين مليار و100 مليون درهم ومليارين و767 مليون درهم في السنة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى