تحقيقات أسبوعية

متابعات | هل تحول المغرب إلى دولة متشددة في المراقبة الإلكترونية للمواطنين ؟

الأمن المعلوماتي والتكنولوجيا الحديثة

يعد المغرب من بين البلدان الأكثر مراقبة لحركة الأشخاص عبر المطارات وفي شبكة الأنترنيت، وذلك عبر توظيف آليات تكنولوجية حديثة تمكن من تحديد هوية الأفراد، وتتبع حركات الأفراد سواء القادمين من الدول الأجنبية، أو المواطنين الذين لهم ارتباطات بالجماعات الدينية أو بالعصابات الإجرامية ومافيا الاتجار في المخدرات، وذلك في إطار مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب وشبكات الهجرة والتهريب وتبييض الأموال، لكن بالمقابل، هناك انتقادات للرقابة الأمنية على الأنترنيت ومراقبة مواقع التواصل الاجتماعي وتدوينات الحقوقيين والصحفيين، وحتى الآراء المخالفة لقرارات الحكومة خلال جائحة “كورونا”.

إعداد: خالد الغازي

    المغرب من بين الدول التي تعتمد نظاما معلوماتيا أمنيا حديثا، بعد استخدام جوازات السفر البيومترية وبطائق الهوية الرقمية، التي تحتوي على جميع المعلومات المتعلقة بكل مواطن، فهناك من يرى أن تحديث المعلومات الشخصية للناس في البطائق الجديدة تصب في مصلحة المواطن، لتسهيل الخدمات الإدارية عن بعد، وأيضا لضبط المعلومات وحماية المعطيات الشخصية لكل شخص من الاختراق والتزوير واستخدامها في أساليب إجرامية متعددة.

حسب دراسة لمؤسسة “كومباريتيك” التي مقرها ببريطانيا، فالمغرب يوجد ضمن الدول الـ 15 الأولى في استخدام البيانات البيومترية لهوية الأشخاص، أو من خلال التأشيرات والمطارات أو عبر مراقبة الحسابات المصرفية لجمع البيانات، حيث أن الدراسة كشفت عن استخدام البيانات وجمع المعلومات عن الأشخاص، ورفع درجة المراقبة، وخاصة خلال ظرفية جائحة “كورونا”، حيث تحتل الصين المرتبة الأولى في مراقبة تحركات وتنقلات مواطنيها وزوارها.

وتضيف الدراسة، أن العديد من البلدان تجمع البيانات البيومترية عن المسافرين، غالبا من خلال التأشيرات وعمليات التحقق من جوازات السفر، كما تعتمد غالبية الدول التي تطرقت إليها الدراسة، على الحسابات المصرفية للتأكد من هوية الأفراد، أو عبر الأنترنيت، مشيرة إلى أن العديد من الدول تستخدم التقنية البيومترية وحتى البصمات، منها إيران والسعودية وكوستاريكا والإمارات.

ووفق الدراسة، فقد جاء المغرب في المرتبة 11 عالميا إلى جانب كندا وبلجيكا ضمن لائحة البلدان الأكثر استخداما للبيانات البيومترية، الشيء الذي يبرز أهمية استخدام التكنولوجيا الحديثة في الجوازات وبطائق الهوية.

التكنولوجيا والحكامة الأمنية

    يرى  الدكتور إدريس لكريني، أستاذ العلاقات الدولية ومدير مجموعة الدراسات الدولية وتحليل الأزمات، أن المغرب استوعب منذ مدة أهمية الحكامة الأمنية التي تقتضي الموازنة بين تحقيق الأمن بمفهومه التقليدي من حيث السبق إلى النظام العام وإرساء الاستقرار ومكافحة الجريمة من جهة، واحترام حقوق الإنسان وتوفير الخدمات الجيدة بقدر من السلاسة والانفتاح، والمساهمة في تحقيق التنمية من جهة ثانية، مبرزا أهمية استمرار التكنولوجيا الحديثة على مستوى إرساء الأمن بمفهومه الشامل أو ما يصطلح عليه “الأمن الإنساني”، على اعتبار أن التكنولوجيا الحديثة تدعم شفافية المعاملات، وتدعم سياسة القرب وأيضا مكافحة الجريمة بكل أشكالها والتي أصبحت بدورها متطورة وعابرة للحدود، سواء تعلق الأمر بجرائم الإرهاب أو التهريب وغيرها.

وأكد على أن المعلومات المتضمنة في هذه البطائق الوطنية الرقمية، هي في صالح المواطن نفسه، على اعتبار أنها تدعم حكامة التدبير، وتوفر السلاسة فيما يتعلق بتيسير مجموعة من المعاملات والحصول على مجموعة من الوثائق التي يحتاجها المواطن، دون أن يضطر للتنقل إلى بعض المناطق أو الإدارات البعيدة، ومن ناحية أخرى، حتى ظروف الجائحة التي يمر منها العالم، تبرز مدى أهمية استحضار المعاملات عن بعد، ورقمنة وتوظيف التكنولوجيا الحديثة لتيسير المعاملات، بما فيها البطائق الوطنية وغيرها من الوثائق الرسمية، مستبعدا وجود مخاطر على هذه المعلومات الشخصية للمواطنين، لأن الدولة تأخذ شروط مقومات سلامة المعلومات الشخصية، وعلى اعتبار أن هذه المعلومات فيها نوع من الموازنة بين تحقيق المصالح المرتبطة بالمواطن في شتى معاملات، وفي نفس الوقت المساهمة في حماية الأمن العام، وضبط مجموعة من المعاملات التي من شأنها أن تمس بالضوابط القانونية.

وأضاف لكريني، أن الجوازات البيومترية تعتمدها العديد من دول العالم لدواعي تقنية مرتبطة بسلامة الانضباط للمعايير التي تضعها منظمة الطيران المدني المتعلقة بأمن المطارات، وأيضا تيسير الولوج للمطارات وعدم الدخول في إجراءات معقدة قد تعطل مصالح الناس وتعطل الرحلات، بالإضافة للكثير من التدابير التي يتم اعتمادها داخل المطارات الدولية والتي تأخذ بعين الاعتبار الأمور الأمنية، وخاصة بعد أحداث 11 شتنبر، التي دفعت منظمة الطيران المدني لتوحيد المعايير التي تتعلق بضوابط مراقبة المطارات وتعزيز الأمن، بعدما ظهرت بعض السبل والتقنيات المستجدة فيما يتعلق بالجرائم الإرهابية، لذلك، فالمطارات الدولية تعتمد آليات وتقنيات موحدة فيما يتعلق بمراقبة المرور داخل المطارات ومراقبة الجوازات بحكم أن إدخالها في بنوك المعلومات يتيح التعرف على بعض الأشخاص المبحوث عنهم من مذكرات “الأنتيربول”، بما يسهم في تعزيز السلم والأمن الدولي، مشيرا أن المغرب بدوره منخرط في تعزيز الأمن الدولي في سبيل تطويق الإرهاب، ومرتبط بمجموعة من الاتفاقيات الدولية، والمغرب يبهر بدعمه وانضمامه في سبيل الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب، وهذا الأمر كذلك يوجد في محاصرة الإرهاب على مستوى الدولي.

وأوضح أن اعتماد الرقمنة وإرساء الحكامة في أداء الإدارة المغربية بشكل عام، لا يقتصر على توظيف التكنولوجيا، بحيث نلاحظ أن هناك مقتضيات دستورية تدعم الولوج إلى المعلومة تتضمن حقوق الجيل الجديد لحقوق الإنسان، كالولوج إلى المعلومة، والتمكين وتحقيق الأمن بمفهومه المتطور، علاوة على وجود مبادئ دستورية تدعم ربط المسؤولية وبالمحاسبة واحترام حقوق الإنسان وغيرها، وبالتالي، فاعتماد هذه التكنولوجيا على مستوى الأداء الإداري وعلى المستوى الأمني، ليس معزولا وإنما يندرج ضمن استحضار مجموعة من المبادئ التي تندرج ضمن ما يسمى الحكامة التي فيها الجانب المتعلق بالبعد الاستراتيجي وتوظيف التكنولوجيا والشفافية في المعاملات، إلى غير ذلك.

تكنولوجيا لمراقبة المواطنين

    تستخدم الوسائل التكنولوجية في تتبع ورصد مختلف الجرائم الإلكترونية وغيرها، لكنها في نفس الوقت، تستعمل لتتبع السياسيين والصحفيين والحقوقيين، في العديد من البلدان، فقد أصبحت حرية التعبير مقيدة بسبب هذه الرقابة الإلكترونية التي تعتمدها العديد من الدول، بحيث أضحت جميع المواقع ووسائل التواصل تحت المجهر الأمني الرقابي.

وفي هذا السياق، يقول رشيد المناصفي، الخبير الأمني والاجتماعي، أن “الأمن المعلوماتي في المغرب يراقب المواطنين ويراقب كل شخص ينتقد أو يتحدث عن سياسة الدولة، عوض أن يراقب الحدود وظاهرة البيدوفيليا وكبار تجار المخدرات والإرهابيين، ومافيا الاتجار في أعضاء الإنسان ومافيا العقار”. ويضيف أن “حماية الوطن ليست بالبطاقة الوطنية الرقمية، بل يجب حماية الحدود بأساليب وطرق أخرى، أما البطاقة الجديدة، فالهدف من إنجازها هو متابعة خطوات المواطن المغربي المقهور، فهي ليست في صالح الوطن، بل لمصلحة الأجهزة الأمنية، لأننا لا نتوفر على حكومة للحوار، بل الأهم لديها هو مراقبة المواطن باستمرار”.

واعتبر المناصفي، أن “توظيف التكنولوجيا لمراقبة الناس، هو عكس الاتفاقيات والقوانين التي وقعها المغرب مع دول العالم، التي تضمن حقوق الإنسان، كحرية التعبير وحرية التنقل وغيرها من الحقوق، لكن هذه الاتفاقيات تظل مجرد حبر على ورق، لأننا في المغرب نسير ضد مبادئ حقوق الإنسان، بحيث تم مؤخرا قمع الأساتذة المتعاقدين والدكاترة المعطلين، وقدماء العسكريين المحاربين الذين أفنوا أعمارهم في الصحراء، ليست لدينا لغة الحوار واحترام حقوق الإنسان”. وانتقد سياسة المسؤولين قائلا: “أي حاجة يقوم بها المسؤولون في البلاد إلا ويريدون منها إغلاق وعي الإنسان المغربي، ومحاصرة الفكر ومراقبته حتى لا يخرج أي شخص عن السياق، أما بالنسبة لحماية الوطن.. كيف سيتم حمايته والحدود فيها ثغرات بحيث أن أي شخص يريد العبور يدفع للبعض 50 أو 100 درهم ويدخل ما يريد”.

وأكد على أن قانون المراقبة الإلكترونية في مواقع التواصل الاجتماعي، الذي أثار الجدل سابقا، كان يجب أن يشمل مواقع وقنوات التفاهة في شبكات التواصل التي تنشر الأشياء السلبية والمسيئة للمجتمع المغربي، مثل قنوات “روتيني اليومي” وبعض قنوات “اليوتيوب” التي تنشر الكلام الساقط والنابي، وتسيء لسمعة البلاد والمجتمع، معتبرا أن “المراقبة يجب أيضا أن تتجه لمراقبة الأشخاص الذين ينهبون المال العام ويهربون الأموال إلى الخارج، هم الذين يجب أن يطبق عليهم القانون”.

وبخصوص الإجراءات الرقابية التي تفرضها الصين على مواطنيها، أوضح أن الصين قوة اقتصادية كبيرة في العالم، ولا يمكن المقارنة معها لا اقتصاديا ولا سياسيا ولا اجتماعيا ولا في عدة مجالات أخرى، وتاريخ الصين العريق من خلال خوضها الكثير من الحروب التاريخية، جعلها تراقب شعبها بتلك الطريقة، مبرزا أنها لا تراقب شعبها بنفس المفهوم الذي تراقب به الحكومة والدول العربية، هي تراقب لأن لديها شعبا كبيرا وعليها أن تنظمه وتضبطه.

“الفايسبوك” تحت الرقابة

    كشف تقرير “شفافية الفيسبوك”، أنه رفض طلبات من أغلب الحكومات العربية، وذلك بسبب تشكيكه في استخدام هذه البيانات، إلا أن الكثيرين يشككون في مدى مصداقية تقارير الشركات العالمية، خاصة وأن هناك اعتقادا شائعا بأن شبكات التواصل الاجتماعي متورطة بشكل ما في تسريب معلومات وبيانات شخصية عن بعض الأشخاص للحكومات، وما يعزز نظرية هذه الشائعات، هي قرصنة حسابات ملايين المواطنين في “الفايسبوك”، حيث بلغت 18 مليونا و939 ألفا و198 حسابا، ما يرجح أن جميع الحسابات “الفيسبوكية” المستعملة من طرف المغاربة تعرضت لهذا الاختراق والتسريب.

كما تحدث تقرير لشركة “غوغل”، أن الدول العربية تعد من أكثر الدول مراقبة لشبكات التواصل الاجتماعي، وخصوصا نشاط المجموعات والحركات التي تنشط وتتواصل عبر “الفايسبوك” و”تويتر”، مبرزا أن المغرب يمتلك أجهزة جد متطورة، أمريكية وفرنسية، للتجسس على حسابات البريد الإلكتروني وحسابات “الفايسبوك”، مشيرا أيضا إلى أن الحكومة المغربية عندما يتعلق الأمر بمراقبة نشطاء حقوقيين وصحفيين وسياسيين، تراهن على برامج خاصة بمراقبة الهاتف في الغالب تكون انطلاقا من شركات الاتصال في المغرب، وكذلك برامج مراقبة شبكة الأنترنيت.

فالعديد من النشطاء والصحفيين أو القضاة، وجدوا أنفسهم أمام متابعات ومساءلات، بسبب تدوينات أو آرائهم الشخصية، قاموا بنشرها في حساباتهم بموقع “الفايسبوك”، لهذا فقد أصبحت غالبية رواد مواقع التواصل الاجتماعي يقومون بتطبيق رقابة ذاتية على أنفسهم، تفاديا لأي مساءلة أو ملاحقة قضائية أو أمنية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى