تحقيقات أسبوعية

ربورتاج | المقصيون والمحظوظون في رمضان

من الحجر الصحي إلى الحظر الليلي

يشكل شهر رمضان موسما لتنشيط الحركة التجارية في الأسواق والمحلات التجارية، وكذا بعض المهن الموسمية، إلا أن حلوله يؤثر على أنشطة ومهن أخرى تتوقف خلال الشهر الفضيل، بسبب الإقبال الضعيف، مما يدفع العاملين بها إلى ممارسة أنشطة أخرى لسد حاجاتهم ومتطلباتهم اليومية.
عند قدوم شهر رمضان يحصل استنفار لدى العائلات والأسر المغربية، ويزداد السباق من أجل التحضير له، سواء بالنسبة للنساء أو الرجال، خاصة الذين يفقدون وظائفهم، لذلك يتجهون إلى ممارسة أنشطة مهنية أخرى لمقاومة المصاريف والغلاء الذي تعرفه المواد الغذائية والخضر واللحوم خلال رمضان. فلا حديث للناس سوى عن المشاكل والمصاريف المرتفعة في هذا الشهر والخوف من ارتفاع الأسعار والاحتكار في الأسواق، الشيء الذي يخلق ارتباكا في ميزانية الأسر التي تلجأ للاقتراض ولوسائل أخرى من أجل تغطية المصاريف الرمضانية.
معاناة كثيرة للأسر المغربية خلال رمضان الحالي بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية قبل حلوله، بالإضافة إلى المضاربة التي تعرفها أسواق الخضر والفواكه واللحوم البيضاء والسمك، مما يضع الناس أمام امتحان عسير لأجل تجاوز فترة رمضان بأقل الخسائر وبدون أزمة مادية أو ديون.

الرباط. الأسبوع

مهن تختفي في رمضان

    في مقابل المهن التي تنتعش في رمضان، يعيش مهنيون وحرفيون معاناة كبيرة بسبب جمود الحركة التجارية لديهم، وخاصة المهن التي لها علاقة بالاستهلاك والأكل في نهار رمضان، من قبيل المقاهي والمطاعم ومحلات الوجبات الخفيفة (طاكوس وبانيني والبيتزا)، التي تعتبر الأماكن المفضلة لدى فئة كبيرة من الشباب والمراهقين.

فئة أخرى تعاني خلال شهر رمضان، مثل الحرفيين والصناع التقليديين الذين يضطر بعضهم للتوقف عن العمل خلال هذا الشهر، بسبب توقف المبيعات والحركة التجارية، مثل صناع الجلد والنحاس، إلى جانب تجار “البازارات”، في ظل غياب السياح وإقبال المواطنين على الحلويات والمواد الغذائية في رمضان، بينما منتوجات الصناعة التقليدية تصبح خارج دائرة اهتمام الأسر المغربية، بسبب كثرة المصاريف حيث أنها لا تحظى بالأولوية لدى الناس.

الآلاف من المواطنين يمارسون عدة أنشطة مهنية في رمضان، تكون هي مصدر رزقهم، لكن مع فرض الإغلاق، سيتضرر هؤلاء كثيرا بسبب الحظر الليلي ومنع التجول بعد الإفطار، من بينهم “الكلاي”، الذي سيضطر لإغلاق محله ليلا، وهو الذي يعتمد على الليل فقط لبيع “الزريعة” و”الكاوكاو” والفواكه الجافة والسجائر، إلى جانب “مول الزريعة” المتجول بين المقاهي والذي سيضطر للتوقف بسبب قرار منع التجول.

يقول عبد الله، “كلاي” متجول بين المقاهي، أن قرار إغلاق المحلات والمقاهي ليلا في رمضان سيزيد من معاناته المادية، لأنه سيخسر مصدر رزقه وزبنائه، مضيفا أن الإغلاق المبكر في الأشهر الماضية كان له تأثير كبير عليه وعلى جميع الممارسين لهذا النشاط، أما خلال رمضان، فسوف يضطر للتوقف لأنه لا يملك حرفة أخرى.

كريمة، صاحبة صالون للحلاقة والتجميل، صرحت بدورها أن الوضعية صعبة جدا في ظل جائحة “كورونا”، وستضطر للإغلاق خلال شهر رمضان، لأن الإقبال يكون ضعيفا بسبب قانون الحظر الليلي، الذي سيمنع الصالونات من العمل وسيحرم النساء من الخروج ليلا، معتبرة أن القرار لا يراعي الظروف الاجتماعية للكثير من النساء اللواتي يعملن في الليل خلال شهر رمضان.

بدورها وفاء، نادلة بمقهى، عبرت عن استيائها من قرار الحظر الليلي في رمضان، الذي سيحرمها من عملها ومصدر رزقها، مؤكدة أن لديها مسؤولية عائلية، لذلك فهي تعمل من أجل توفير لقمة العيش لعائلتها من خلال العمل كنادلة في المقهى، متسائلة هل ستخصص الحكومة تعويضا لنادلات المقاهي؟

فاطمة، عاملة نظافة، عبرت بدورها عن حزنها لفقدان عملها في المقهى رغم أن أجرتها لا تتعدى 800 درهم، إلا أنها تسد رمق أطفالها.

الخياط من الحرفيين الذين سيعانون خلال شهر رمضان الحالي، بسبب الإغلاق الليلي، لأن أغلب محترفي هذه المهنة يفضلون العمل ليلا لخياطة الجلابة أو القفطان واستقبال الزبونات، حيث يرى عمر، خياط، أن منع الناس من التجول ليلا سوف يقلص عدد الزبائن وسيضع الخياطة في أزمة، بسبب تراجع النساء عن خياطة الملابس التقليدية خلال رمضان الحالي.

“الكراب” أيضا من الناس الذين سيعانون بحثا عن لقمة العيش، رغم أنه يعد من التراث الشعبي المغربي، إلا أن النسيان يطاله ويتحول إلى متسول خلال شهر رمضان، يطلب الصدقة من المارة في الأسواق، بعدما كان يروي عطش المواطنين خلال الصيف.

 

معاناة أئمة المساجد

    يعد شهر رمضان شهر الغفران وتلاوة القرآن، حيث تعم خلاله الأجواء الروحية في البيت والمساجد، ويكثر التضامن المادي بين الناس خلال صلاة التراويح، إلا أن هذه السنة يأتي قرار المنع ليحرم فئة كبيرة من المواطنين من أداء صلاة التراويح في المساجد، الشيء الذي سيكون له تأثير على فئة مهمشة، هم القراء وحفظة القرآن الذين يعملون فقط خلال شهر رمضان في المساجد والمصليات، ويبدعون بأصواتهم في ترتيل وتجويد القرآن، حيث يكثر الإقبال على أداء التراويح من جميع الأعمار، نساء ورجالا.

فقرار الحظر الليلي سوف يحرم فقهاء المساجد والقراء من العمل خلال الشهر الفضيل، خاصة وأن أغلبيتهم لا يتوفرون على راتب شهري أو مدخول مادي قار، لذلك سوف تزداد معاناة هذه الفئة التي ترفض التسول وطلب العون، فبالرغم من الموارد المالية الكبيرة والميزانية الضخمة التي تتوفر عليها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، إلا أنها تمنح لأئمة وفقهاء المساجد تعويضات هزيلة جدا لا تتجاوز ألف درهم، فصلاة التراويح مناسبة للناس للتضامن وجمع التبرعات للأئمة والقراء والمؤذنين، وذلك لمساعدتهم على تدبير الحاجيات ومتطلبات الحياة، خاصة وأن هناك فئة كبيرة من الأئمة لا يحصلون على راتب شهر من الأوقاف، إلا أن إغلاق المساجد ليلا سوف يحرم هذه الفئة من الاستفادة ماديا من تبرعات المصلين والسكان.

في هذا السياق، يرى محمد (تاجر)، أن العديد من المساجد مغلقة منذ رمضان الماضي إلى اليوم، ولم يتم فتحها رغم استقرار الوضع الوبائي في البلاد، متسائلا عن استمرار غلق مئات المساجد المبنية من قبل السكان في وسط بعض الأحياء، رغم التزام المصلين بالتباعد والشروط الوقائية، مشيرا إلى أنه يعرف أئمة مساجد يعانون ماديا بسبب إغلاق المساجد التي يشتغلون فيها.

 مهن تنتعش في رمضان

    بحلول شهر رمضان، تظهر بعض المهن الموسمية التي تفتح باب الرزق الجديد للنساء والشباب، وتمنح فرصة لفئات اجتماعية كبيرة ذات دخل محدود من خلال بيع احتياجات الصائمين من الحلويات والمعجنات والعصائر، وبعض المنتجات التقليدية التي تعرف بعض الانتعاش بعد الركود الذي عاشته خلال الأشهر الفارطة بسبب الجائحة، لكن يبدو أن رمضان هذه السنة سيكون مقيدا بالنسبة للعديد من الناس بسبب قرار الحظر الليلي.

يقول محمد، صاحب محل لبيع “الشباكية” و”البريوة” و”الورقة”، أنه قام بزيادة عدد العمال لتوفير كميات وافرة من المنتوج، بغية تسويقه وبيعه خلال شهر رمضان باستمرار، لكن الحظر الليلي دفعه لمراجعة قراره وتقليص عدد المستخدمين، لأن العمل سيقتصر على ساعات النهار، مشيرا إلى أنه بسبب هذا القرار، سيضطر للعمل أيضا في البيت بمساعدة زوجته، لكي يلبي طلبات الزبائن ويحقق بعض الربح لأجل تسديد مصاريف الكراء وأجور المستخدمين.

خديجة، ربة بيت تبيع “المسمن” و”البغرير” و”رزة القاضي” و”المخامر” و”البطبوط”، قالت إنها فضلت تحضير هذه المنتجات وبيعها في الشارع خلال رمضان، وذلك لتحقيق بعض الربح المادي لتغطية تكاليف الحياة، مبرزة أن رمضان فيه البركة، ويعد فرصة لتحقيق الربح ومساعدة الزوج في مصاريف البيت، وأنها منذ سنوات تمارس هذا النشاط كبائعة للفطائر في شهر رمضان المبارك، لأن الإقبال على شراء الفطائر يكثر مقارنة مع الأيام العادية، خصوصا مع إقبال النساء الموظفات والعاملات على شراء هذه المنتجات الغذائية التقليدية.

ومن بين المهن التي تعرف رواجا كثيرا خلال شهر رمضان، بائع “ورقة البسطيلة” التي تعتبر من أبرز المكونات الغذائية التي يكثر عليها الإقبال، لأنها تستعمل في تحضير “البريوات” و”المعمر” و”البسطيلة” وغيرها من الوصفات والشهيوات المغربية، يقول عزيز، أن تزايد الإقبال على “الورقة” جعله يقرر عمل مشروع بسيط لإعدادها بعد توقفه عن العمل في أحد المطاعم، لأن النساء يقبلن بشكل ملفت على اقتناء “الورقة” من أجل إعداد الشهيوات الرمضانية.

سعيد، شاب عاطل عن العمل، قرر بيع العصائر فوق عربته، مثل عصير البرتقال و”الفريز” الذي يكثر عليه الإقبال من طرف الناس، مفضلا ممارسة هذا النشاط عوض الجلوس في “راس الدرب”، معتبرا أن رمضان يشكل مناسبة للشباب للعمل والبحث عن الرزق بوسيلة بسيطة عوض الجلوس بدون شغل. شاب آخر قرر كسر حاجز البطالة وبيع “الجبن البلدي”، لأن الإقبال عليه يزداد خلال شهر الصيام، حيث يعتبر من المواد المفضلة في مائدة الإفطار لدى الكثير من الأسر.

الكثير من الناس يلجؤون لممارسة بعض المهن التي تعرف رواجا خلال شهر رمضان، مثل بيع التمور، والسجادات والمصاحف والكتب والملابس التقليدية، لأجل مقاومة مصاريف الحياة الصعبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى