الـــــــــــرأي | نهاية مسلسل العبث في مراكش

بقلم. محمد بركوش
تعيش مراكش الحمراء هذه الأسابيع أزهى أيامها إن صح التعبير رغم ما يحاك وما يدبر من بعض “المبرزطين”، تعيش لحظات ممتعة، أنستنا كل ما كنا نتصوره أو يتصوروه غيرنا؛ فنانون من مستوى عال يستقرون بالمدينة، لتصريف أحلامهم بين أحضانها والاستمتاع بهدوئها واستقرارها، يتطلعون إلى الاستفادة من جمالها ومآثرها وقصورها فنيا وليس شيئا آخر، بعض منهم اختار أن يسجل أجمل ذكرياته مع العروس بأهم فنادقها الفخمة مع ثلة من رفاقه ورفيقاته، رياضيون بشهرة عالمية جذبهم العشق والحب قبل أن ينجذبوا للمشاركة في أهم تظاهرة رياضية، ربما تعجز دول كبيرة عن تنظيمها على أراضيها، لما يحتاجه ذلك التنظيم من دقة وأمن وإرادة قوية، زيادة طبعا على تفهم المواطن، ورحابة صدره، وتسامحه ونظرته الشمولية إلى الإنسان دونما التفات إلى اللون ،أو الجنس، أو اللغة.
المسؤولون بالمدينة يتحركون بقوة، يشتغلون كخلية نمل، يواصلون عمل النهار بالليل، الوالي الجديد القديم السيد بيكرات يواكب الأعمال ويقف على المنجزات بنفسه دونما حاجة إلى التقارير “المخدومة” كما سماها أحدهم، والتي ترفع بعد أن تتدخل مصالح متعددة على خط “التحريف” لأنه يؤمن بأن التقارير (البعض منها فقط) وعمل اللجان، يقتلان الحقيقة أو يخفيانها كما قال ذات مرة الأستاذ الكبير عبد الكريم غلاب في عموده “مع الشعب” في الأسبوع الماضي أو الذي قبله.. اخترق السيد الوالي مناطق الظل في المدينة العتيقة، دخلها آمنا ليفرض أمنا غائبا كما قيل، بعد أن كثرة الشكايات وعرائض الاستنكار، أشياء كثيرة أبانت عنها الجولة أو الزيارات الخاطفة إن صحت الكلمة.. احتلال بالجملة للملك العمومي وبطريقة مشبوهة، بنايات ذات طابع عال من العشوائية، لا تنضبط للقوانين المعمول بها في مجال المعمار، طوابق مضافة على حساب المنظر والجوار والقيمة الجمالية، أقبية مشيدة في أماكن لا تسمح بالحفر، يذكر بفترة ازدهرت فيها الفوضى والتسيب نتيجة انعدام الضمير، وغياب المحاسبة والمراقبة، وافتقاد المسؤولية لدى بعض المسؤولين الجماعيين آنذاك والذين لم يكن لهم أية علاقة بالمدينة ولا بسكانها، كل همهم هو الاغتناء وجمع المال بكل الطرق، فترة كانت السيادة فيها للنفوذ والكلمة للرشوة، والخيار للأجنبي المتميز باللون والشعر وجواز السفر، والمحصنة أعماله من كل مراقبة أو اعتراض ولو كان فيها ضرر للغير، والنموذج قضية المرأة التي تهدمت جدران بيتها نتيجة عملية حفر قامت بها أجنبية وعندما اعترضت المرأة المسكينة قضي بحبسها لمدة معينة، بعد متابعتها بفصل من الفصول القابلة للتمطيط والتطبيق على “كل ما من شأنه”.
وقف الوالي على الوضع الكارثي كما وصفته إحدى الجرائد، وجد نفسه منجذبا أو مضطرا إلى تطبيق القانون الذي يشمل أو يتحدث عن تلك الظواهر بتفصيل، ويضع الجزاءات التي تكال المتسببين فيها (دون أن تمتد تلك الجزاءات إلى المساهمين والمشاركين والمشجعين)، فأعطيت الأوامر لكل المصالح التي لها علاقة بالموضوع، لكي تقوم بالواجب في إطار القانون، وتعيد الاعتبار للدولة رغم “الحياحة” وأصحاب المصالح، وتواصل محاربة البنايات المشبوهة، وهدم المخالفة منها للقانون حتى ولو كانت مملوكة للأجانب أو لبعض منهم، فمن يتطاولون على الضوابط ويتجاوزون حدود التصاميم، كالأجنبية التي أغمي عليها بعد أن تحركت الجرافة في اتجاه عقارها المطل على “الستينية” أو دار الباشا الكلاوي التي أصبحت من الآثار الخالدة في مدينة الحمراء الشاهدة على حقبة عصيبة من تاريخ المغرب الحديث، بعد أن خصصت لضيوف المملكة من ملوك ورؤساء دول، المواطنون في الحقيقة لم يفاجأوا بالعملية على الإطلاق، لأنهم يدركون قيمة الأضرار التي تحملها تلك التجاوزات، بعض المعنيين استجابوا لنداء السلطة، بسرعة وتقبلوا ما أخبرت به الإنذارات، كانوا فقط يطالبون بالبديل لكي لا يتيهوا في روتين الإدارة ويتخلى عنهم المسؤولون بعد أن رفضوا الانصياع إلى نداء أحدهم، لم يعد له من شغل سوى التحريض على العصيان والاحتجاجات والوقفات والنفخ في الجمر انتقاما ربما من ماض عاشه في القهر، فقد سمعته في إحدى الإذاعات الأسبوع الماضي (يوم الإثنين)، يحث بصوت عال على الخروج جماعة والاعتصام أمام الولاية أو الإدارة المعنية، ويدعو المواطنين إلى الاستنجاد به، لأن في مقدروه، حل كل المشاكل مع الإدارة، وهذا طبعا هو ما يقال له بالدارجة “تافضوليت” أو دخول الصحة في العظم.
لقد حملت تحركات السلطة المحلية ومواقف الوالي المستمدة ماهيتها أو شرعيتها من القانون، حملت رسائل واضحة لا يمكن أن تقرأها سوى بلغة واحدة، هي لغة الحزم والصرامة دون مساس طبعا بالحريات التي كثيرا ما يتمسك بها أناس “بشكل سلبي”، ويجعلون منها ذريعة لعرقلة كل خطوة مفيدة كما قيل، ناسين أو متناسين حقوق الإنسان الآخر المتضرر من تصرفات طائشة أو خروقات بالجملة، متناسين حقوق الدولة والمجتمع التي يجب أن تحترم قبل كل شيء للتوصل إلى وضع المعادلة السليمة في أماكنها، وهي معادلة تقوم على تساوي حقوق الفرد والجماعة، حقوق المواطنين وحقوق المجتمع و الدولة.