تحقيقات أسبوعية

للنقاش | المغاربة يرمون ملايين الأطنان من الطعام الصالح للأكل في القمامة

نموذج الإسراف وسوء التدبير

جاء في نشرة صادرة عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة: لا يزال العالم يفتقر إلى نظام عملي للأمن الغذائي العالمي، وعلى الرغم من الاتفاقيات الحكومية الدولية، فما زالت الإمدادات الغذائية ضئيلة في البلدان النامية، نظرا لعوامل الجفاف والفيضانات والكوارث الطبيعية الأخرى، فهناك ما يربو على عشرة ملايين لاجئ يحتشدون في البلدان النامية من أجل لقمة عيش يسدون بها رمقهم.
إن الذين يعانون من الجوع وسوء التغذية الحاد يزداد عددهم سنة بعد أخرى، فهناك ما يزيد عن 500 مليون نسمة من سكان العالم لا يجدون الغذاء الذي يسدون به رمقهم، وعدد كبير جدا من سكان البلدان النامية يعانون من اعتلال الصحة بسبب الافتقار إلى ما يحتاجون إليه من طعام، والنسبة الكبيرة من هؤلاء هي من الأطفال الذين تزداد وفاتهم بسبب سوء تغذيتهم، وحيثما يوجد الفقر فهو السبب الرئيسي للجوع والوفيات.
إن أغلب البلدان الفقيرة تعاني من نقص في المحاصيل الزراعية، وذلك راجع للعوامل الطبيعية والبشرية، من قلة المطر وعدم صلاحية الأراضي للزراعة وجفاف التربة وانعدام كفاءة المزارعين وغير ذلك من الأسباب، وبالتالي، فعدم توفر محاصيل زراعية غذائية يؤدي إلى إلحاق ضرر شديد بالسكان الفقراء في الدول النامية، حيث ينفق أغلبية هؤلاء مدخولهم الزهيد على الطعام الذي يسدون به رمقهم، في حين نجد عدة بلدان لا تحافظ على طعامها فتهدر ملايين الأطنان منه يوميا في قمامة النفايات كما جاء في تقرير أممي صادم يشتمل على المعلومات التالية:

بقلم: د. عبد الرحيم بن سلامة *

المواطن المغربي الواحد يهدر كل سنة 91 كيلوغراما من الطعام في القمامة

    أعلن تقرير رسمي صادر مؤخرا عن منظمة الأمم المتحدة للبيئة، أن ((المغربي الواحد يرمي في قمامة النفايات 91 كيلوغراما من الطعام الصالح للأكل كل سنة، وأن المغاربة رموا 3.3 ملايين طن من الأطعمة الصالحة للأكل في حاويات الأزبال سنة 2019))، حيث وضع هذا التقرير المملكة المغربية ضمن الخانة الحمراء للدول الأكثر هدرا للطعام، وتأتي بعده تونس والجزائر بشمال إفريقيا من حيث ضياع الطعام، وعلى الصعيد العالمي، أبرز المصدر ذاته، أن 931 مليون طن من المواد الغذائية الصالحة للأكل ترمى في قمامات النفايات وهي الكمية التي تعادل 17 % من إجمالي الأغذية المتاحة للاستهلاك عالميا سنة 2021.

كما أشار التقرير إلى أن معظم هذا الهدر يأتي من الأسر الميسورة، التي تتخلص من 11 % من إجمالي الأغذية المتاحة في مرحلة الاستهلاك في سلسلة التوريد، فيما تهدر الخدمات الغذائية ومنافذ البيع بالتقسيط 5 % و2 % على التوالي، هذا في الوقت الذي يعاني فيه 700 مليون شخص في العالم من الجوع، حسب تقرير نشر سنة 2019، ويتوقع أن يرتفع هذا العدد.

لقد دق التقرير ناقوس الخطر بشأن ارتفاع كمية المواد الغذائية التي تهدر بملايين الأطنان في الأزبال عالميا، منبها إلى أن 17 % من الأغذية المعدة للاستهلاك في البيوت والمطاعم والمتاجر مآلها إلى صناديق النفايات، وأن نسبة 60 % من تلك الأغذية التي ترمى، مصدرها من المنازل بصفة خاصة، وفقا لبحث أجرته الأمم المتحدة لدعم الجهود العالمية لخفض هدر الأغذية إلى النصف بحلول عام 2030، ويعادل وزن هذه النفايات ما يقارب الـ 23 مليون شاحنة محملة بالكامل تزن 40 طنا مملوءة بكاملها، وهو ما يكفي للدوران حول الأرض 7 مرات.

ساهمت جائحة “كورونا” في هدر الأغذية بمعدل مرتفع

    لقد ساهم الحجر الصحي المفاجئ بسبب جائحة “كورونا” في بلدان العالم وإغلاق المطاعم والمقاهي ومحلات مموني الحفلات وباقي القطاعات المرتبطة بها، في هدر الأطنان من الأغذية الصالحة للأكل وقد ألحقت بهؤلاء أضرارا بالغة الأهمية، كما أن الأغذية التي رمي بها في الطبيعة ألحقت بالبيئة أضرارا أساسية على استراتيجيات التعافي من جائحة “كورونا”، إضافة إلى الخسائر المادية الأخرى.

احتساب قياس هدر الأغذية سنويا وعالميا

    قامت العديد من البلدان باحتساب وقياس هدر الأغذية في السنوات الأخيرة، إذ تحدث التقرير الأممي السالف الذكر، عن وجود 14 دولة لديها بالفعل بيانات عن هدر الأغذية المنزلية ثم جمعها بطريقة تتوافق مع مؤشر هدر الأغذية، وهناك 38 دولة أخرى لديها بيانات عن هدر الأغذية، حيث تسمح لهم التغيرات في المنهجية أو التغطية الجغرافية، بإنشاء تقدير متوافق مع الهدف 13.3 من أهداف التنمية المستديمة، وتوجد لدى 54 دولة بيانات عن واحد على الأقل من التقرير.

وهكذا يمكن للبلدان رفع الطموح المناخي من خلال تضمين هدر الأغذية في المساهمات المحددة وطنيا وفق اتفاق باريس للمناخ، مع تعزيز الأمن الغذائي وخفض التكاليف على الأسر المعيشية.

المغرب وأمنه الغذائي

    إن المغرب الذي يعتبر من أجمل البلدان في العالم، حباه الله بجمال الطبيعة واعتدال المناخ وتنوع التضاريس ووفرة المياه وكثرة الموارد الطبيعية والبشرية وتنوعها، وفلاحته ومحاصيلها غنية ومتنوعة، نظرا لتنوع الأراضي الزراعية التي تستغل لغرس الحمضيات والكروم والزيتون والتمور والقمح والشعير والقطن والأرز وقصب السكر والفواكه الجافة المختلفة الأنواع، فالمغرب جنة الله في أرضه على المغاربة أن يحافظوا على أمنه الغذائي، وألا يهدروا نعمه الغذائية.

فبالرجوع إلى تقرير الأمم المتحدة للبيئة، والمغرب انعقد على أرضه بمراكش، مؤتمر “الكوب 22” لتغير المناخ وحماية البيئة واحترام الطبيعة، نجد أرقاما مخيفة بشأن ثرواته الغذائية التي تهدر بكمية هائلة في النفايات، في الوقت الذي يوجد على أرضه فقراء مغاربة وأجانب هم في أمس الحاجة إلى الطعام الذي يرمى في قمامات الأزبال فيضر ذلك بالبيئة ويلوثها، فإذا كان الله تعالى رحيما بالأرض وما فيها من نعم سخية في عطائها لبني البشر، فإن استدامة عطائها وسخائها رهين بسلوكنا وتصرفاتنا نحوها، باحترامها وحمايتها والمحافظة على خيراتها، فالله تعالى قد كرم بني آدم واستخلفهم في الأرض وسخر لهم الطبيعة ومواردها من ماء وشجر وزرع ونبات وأنعام وغيرها، لذلك يجب على الإنسان الائتمان على هذه الخيرات، لأن مصيره مرتبط بها، فلا يعقل أن يهدر أطنان الطعام في قمامات الأزبال سنويا، بل يوميا، دون أن يفكر في أمنه الغذائي الذي أصبح مهددا بندرة المياه وتصحر الأراضي وتقلب الطبيعة والمناخ بشكل مخيف.

* أستاذ باحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى