تحقيقات أسبوعية

للنقاش | لماذا ارتبط حزب الاستقلال بمدينة فاس ؟

حزب "الميزان" من علال الفاسي إلى اليوم

قال عز من قائل: ((مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)) سورة الأحزاب.
إنه من الصعب على الباحثين والدارسين، وعلينا نحن كمحبين معهم، الحديث عن حزب الاستقلال العتيد ذي المولد والتأسيس والتقعيد، كما يعلم الجميع، بمدينة فاس، العاصمة الروحية والعلمية للمملكة المغربية، وزعيمه علال الفاسي رحمه الله، الذي كان يردد على مسامعنا: “علموا أبناءكم ركوب الخيل…”، فالرجل حباه الله بنصيب من العلم الشرعي إلى جانب ما ينفع الناس من فقه الواقع، ولعله بسلفيته وقراءاته لبطون الكتب، إلى جانب ما نهله من أفواه العلماء الأجلاء، توضحت له الطريقة ومعها الطريق الواجب سلكه بقوة الإيمان والفرسان والعتاد بعدة رباط الخيل، لنحقق النصر ونرد الأمانة التي هي على عاتقنا: بيت المقدس بالقدس المحتلة، وهذه مجرد قراءة مني، وفهم ربما “عميق بالله”، لطرح الزعيم صاحب الوحدة والتعادلية، و”النضال هو النضال به وصانا علال” هو شعار قادة وقواعد حزب الاستقلال.

بقلم: ذ. الحسن العبد 

    لن أتحدث عن تاريخ هذا الحزب الوطني الكبير الذي كان يجمع كل المقاومين والمقاومات المغاربة إلى جانب حزب الشورى والاستقلال، وجيش التحرير والمقاومة، وآخرين بكل تراب المملكة نعلمهم، ولا نعلمهم، تحدث العلماء الأجلاء خريجو القرويين وعلماء مسجد الأندلس بإسهاب عنه، وكذلك فعل الدارسون والساسة من مختلف المواقع، لكن لنا أن نتساءل: هل كان مع الزعيم علال الفاسي رجالات من عدوة الأندلس باب الفتوح بفاس؟ وكيف واصل أولاد سيدي بوجيدة بباب الفتوح – فاس الأندلس النضال في صفوف هذا الحزب الوطني المحافظ، ثم مغادرته لعدة أسباب سنتطرق إليها لاحقا؟

لا زلت أتذكر صورة الملك الراحل محمد الخامس رحمه الله في منزلنا بدرب التويزي – المسيد، وهذه الصورة إن دلت على شيء فإنما تدل على الوفاء بالعهد للملك المجاهد.

كنت أدرس في السنة الأولى ابتدائي في مدرسة ابن كيران قرب مسجد الأندلس بفاس عدوة باب الفتوح سنة 1967، ومعي في نفس القسم تلميذة اسمها الميداوي تسكن في بيت صغير مع أمها بعقبة القائد الخمار باب الفتوح في ظروف جد صعبة بمعية إخوتها، ونحن أطفال صغار، عرفنا منها أن أباها أحمد الميداوي، كان قائدا كبيرا في المقاومة وجيش التحرير.. وتجد بالطبع أعضاء في حزب الاستقلال، وهذا لا عيب فيه بالنسبة لمن قاوم بالفعل دخلوا سلك الشرطية، وأغلبهم بديور البوليس بباب الفتوح فاس، كالراحلين اعبابو والحبايلي رحمهما الله، أما الأساتذة الأجلاء، فكان لدينا العلامة عبد القادر عراش، وهو والله حامي هذا الحزب العتيد بحينا، يدافع باستماتة عن الحزب ويتصارع مع كل الاتحاديين بالحي آنذاك، بالدفاع عن المبادئ التي تأسس لأجلها الحزب كهيئة سياسية محافظة على التعاليم الدينية، وتعلمون أن للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية آنذاك عدة أجنحة، وكان الصراع محتدما بينها، وبشكل شرس، ومن هذه الأجنحة، المعتدل وفيها اليساري المتطرف، وقد حكى الأستاذ عبد القادر عراش رحمه الله، أن بعض الأعضاء من حزب الاستقلال كانوا يترصدون حركات وسكنات رجالات المقاومة وجيش التحرير، مرتدين جلابيب النساء لأنهم رفضوا وضع السلام، معبرين عن غضبهم لما وصلت إليه مفاوضات “إيكس ليبان”، ويقدم موقع https://m.marefa.org/%D9 هذه المفاوضات على أساس أنها: ((مؤتمر إيكس ليبان انعقد في 23 غشت 1955 في إيكس ليبان بفرنسا، بين الحكومة الفرنسية وأطراف مغربية ممثلة لقوى المجتمع المغربي بشأن مستقبل المغرب.

بعد اشتداد الأزمة السياسية بالمغرب، عقب الفراغ المؤسساتي الحاصل إثر رفض المغاربة الاعتراف بابن عرفة كسلطان، رضخت السلطات الفرنسية لمبدأ قبول التفاوض مع الشخصيات السياسية المغربية والممثلة للتوجه الراغب في تسيير المغرب من طرف أبنائه وتوجيهه نحو الاستقلال، ولذلك عقد لقاء بين الأطراف المغربية والفرنسية في مؤتمر إيكس ليبان بفرنسا، أسفر بعد نقاشات انطلقت يوم 23 غشت 1955 ودامت خمسة أيام، عن اتخاذ قرار تنحية ابن عرفة عن العرش، إضافة إلى تشكيل حكومة وطنية مغربية تضم مختلف المكونات السياسية، وذلك في أفق التفاوض مع الحكومة الفرنسية من أجل إدخال إصلاحات على نظام الحماية، وكان الوفد الفرنسي المفاوض الذي حضر مناقشات إيكس ليبان يتكون من إدگار فور رئيس الحكومة والسيد بيناي، وزير الشؤون الخارجية، والجنرال كوينغ وزير الدفاع، وروبير شومان وپيير جولي، بينما كان الوفد المغربي يتشكل من 37 شخصية كان من بينهم مبارك البكاي، الحاج الفاطمي بنسليمان والحاج محمد المقري، إضافة إلى ممثلي الأحزاب: عبد الرحيم بوعبيد ومحمد اليازيدي وعمر بن عبد الجليل والمهدي بنبركة من جانب حزب الاستقلال، وعبد القادر بن جلون وأحمد بن سودة وعبد الهادي بوطالب ومحمد الشرقاوي من طرف حزب الشورى والاستقلال، إلى جانب الشخصيات السياسية، وجد بعض العلماء كجواد الصقلي وحميد العراقي، كما ضم الوفد القائد العيادي وعباس)).

ومن موقع “هسبريس”، استقينا فقرة تلخص ما جاء في هذه الاتفاقية: ((بخلاف كثير من الباحثين في التاريخ المغربي، ذهب مدير مؤسسة أرشيف المغرب، جامع بيضا، إلى القول إن المباحثات التي جرت بين المسؤولين الفرنسيين وممثلي الحركة الوطنية المغربية، في مدينة إيكس ليبان، شهر غشت من عام 1955، لم تكن مُفاوضات بين الجانبين، بل “جلسات استماع” وفق ما يتضمنه أرشيف وزارة الخارجية الفرنسية))،

(https://www-hespress-com.cdn.ampproject.org/v/s/www .hespress.com).

على أي، إنا إن شاء الله لنا اليقين في مستقبل واعد بسيادة كاملة في كل أجزاء الوطن العربي والإسلامي بحول الله، وإن غدا لناظره قريب، لا زلنا نواصل تقديم بعض المقاومين بسيدي بوجيدة، فبحي الشهداء، (حي مولاي رشيد)، مقبرة محترمة لأعضاء حزب الاستقلال المقاومين الأوائل، كما تجد منزل العربي الإدريسي شيخ المقاومين، شأنه في ذلك شأن الشيخ الجامعي، أب المناضل الكبير بوشتى الجامعي، وجد الصحافي المقتدر أبو بكر الجامعي، الذي اشتقنا لكتابته، وفي نفس الحي، أي حي الشهداء، كان يقطن النحاس، أحد الاستقلاليين الأفذاذ، وطبعا مقهى الزاج بباب الخوخة تسمى بمقهى “الاستقلال”، كان يرتادها كبار المقاومين للجلوس مع والدي رحمه الله ورفاقه وذويه، أذكر منهم العلامة الطيب الوزاني من حزب الاستقلال، وشيخ وزاني آخر لا أتذكر اسمه، وكان مدمنا على قراءة الصحف والجرائد تقدمهم له المقهى بالطبع قبل أن تصبح عادة في باقي المملكة المغربية من بعد في سنوات السبعينات وما بعدها، وهذه المرة هو من حزب الشورى والاستقلال، وكان يأتي كل صباح من الطالعة، ولست أدري هل الصغرى أم الكبرى إلى غاية مقهى الزاج بباب الخوخة ديال الحياينة، كما يسميها الناس، وقد واصل أبي رحمه الله ورفاقه النضال بعد مقاومة المستعمر في صفوف حزب الاستقلال، وخاصة لما دعموا المحامي عبد الحق التازي الذي كان يسكن قبالة دار الحبابي، كان هذا الأخير يستضيف بداره – القصير كل خميس، فرقة الطرب الأندلسي، ونحن صغار نتسلق شبابيك الباب الكبير للقصير لنستمتع بقصائد الملحون، وأحيانا كان يفتح لنا الباب لتقريب الطرب من أولاد حومته، شخصيا لا أتذكر كثيرا أسماء المقاومين، لكن على العكس من ذلك، يمكنني الحديث عن مناضلي الحزب الكبار، مثل الأستاذ الفنان احميداش، الذي تسلق عدة مناصب في وزارة التربية الوطنية والتعليم، وبالطبع لا يمكننا أن ننسى الأستاذ المناضل الكبير، أقولها بكل تواضع واعتزاز، محمد بنجلون الأندلسي، الذي عمل أستاذا مدرسا بثانوية مولاي رشيد، ومعه كذلك الدكتور بن عبد الجليل، الذي كان يدافع عن الأصيل من القول والفعل، أضف إلى هؤلاء الأساتذة بن كيران، والأستاذ السراج، الذي في جعبته الكثير مما يقوله عن هذه المرحلة من تاريخ المغرب، وهو صديق كبير كذلك لي، ولا يزال على قيد الحياة أطال الله عمره، أما أستاذنا الفاضل فيبقى بالطبع هو عبد الرحمان نداء، مفتش حزب الاستقلال، ومن لا يعرف هذا الزعيم الاستقلالي الذي استحق هذا اللقب بما قدمه من غالي ونفيس عبر عدة مراحل ومحطات لحزب الاستقلال، ولا يزال، وأعتذر إذا لم أذكر آخرين، فالمرء عند الشهادة يحدث بما سمع وبما رأى، لعل آخرين يكشفون الستار عما هو مسكوت عنه لرجالات المقاومة وللخائنين الذين أمرنا الله بأن لا نخاصمهم، هو القادر على تعذيبهم أو العفو عنهم: ((إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيما)) سورة النساء.

ونحن كقواعد للأحزاب الوطنية، وكمناضلين في صفوف اليسار ككل فيما بعد، لنهتدي إلى الحق بفضل الله الهادي، وحده لا شريك له، كنا نعتبر نداء عبد الرحمان مؤطرا للحزب الاستقلالي، لكنه لم يعمل لصالحه، بحسب علمي، والله أعلم.

وكنا أولاد سيدي بوجيدة بباب الفتوح بفاس، نشارك في كل المحطات الانتخابية التي يكون فيها الصراع شرسا بين حزب الاستقلال بمرشحه البرلماني، وزير التجهيز الأسبق، امحمد الدويري، وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي تقدم فيه المحامي محمد الدباغ بدائرة سيدي بوجيدة بباب الفتوح، كانت دار الصنهاجي حسن بدرب التويزي الخربة د الحاج، مناضلا أصيلا في قواعد الحزب، يعول عليه بشكل كبير، بحيث تستقبل داره أعضاء الحزب الكبار، بمن فيهم عبد الحق التازي وآخرين، وكانت المناضلة خديجة الزومي ضمن الحضور، بل متواجدة على الدوام في كل المحطات النضالية، وبجانبها نساء أخريات من حومتنا، ونحن بالطبع كتلاميذ في نهاية سبعينات القرن الماضي، نحضر الاجتماعات ونرتب للتجمعات ونناضل بصدق في صفوف حزب زعيم حزب الاستقلال العتيد، علال الفاسي رحمه الله، فللشيخ السلفي فراسة المؤمن، ولعله قرأ في بطون الكتب والمؤلفات أو سمع من أفواه العلماء الأجلاء الفضلاء ما يثلج الصدر لإعداد العدة ليوم الوعد بالله بما هو آت من فتح مبين زمن التمكين للأمة الإسلامية كافة أجمعين بالأئمة المستضعفين المؤمنين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى