تحقيقات أسبوعية

متابعات | المسكوت عنه في مشروع قانون تقنين زراعة القنب الهندي

مطالب بالتنمية قبل التشريع

صادقت الحكومة على مشروع قانون تقنين استعمال القنب الهندي لأغراض طبية وصيدلية، حيث لقي القانون تجاوبا من قبل الأحزاب السياسية والفرق البرلمانية، التي زكت هذه الخطوة التي تسعى إلى رفع معاناة سكان مناطق الشمال الذين يعيشون ظروفا صعبة، ومشاكل متعددة قانونية وقضائية واقتصادية، بسبب نبتة “الكيف”، مما جعل الدولة تفكر في معالجة وضعية هاته الساكنة عبر قانون جديد يسمح بزراعة القنب الهندي وفق شروط محددة واستعماله لأهداف تخدم صحة الإنسان.

فقد جاء القانون بعدة مواد وفصول، لكنه لم يكشف عن الإيجابيات المتعلقة بالفلاحين، إلى جانب سكان المنطقة، مما جعل الأمور غامضة أمام الجميع، في انتظار مراجعة المشروع في الغرفة التشريعية، والاهتمام بوضعية السكان ووضع أمور تصب في صالحهم، فكيف يرى سكان المنطقة والمزارعون هذا المشروع؟ وما هي الآفاق المنتظرة منه؟ وهل القانون يكفي لإخراج المنطقة من التهميش والنسيان؟

إعداد: خالد الغازي

 

التنمية قبل التقنين

    خلق مشروع تقنين “الكيف” نقاشا عموميا وطنيا، خاصة في مناطق الشمال، المعنية به أكثر من المناطق الأخرى، لكون القانون يستهدف أكثر من 60 ألف شخص يقومون بزراعة “الكيف” في المناطق الشمالية للمملكة، الشيء الذي جعلهم متخوفين من هذا القانون الذي لازال قيد المناقشة والدراسة.

في هذا السياق، يرى شريف أدرداك، رئيس فيدرالية جمعيات صنهاجة الريف للتنمية، أن مشروع قانون تقنين القنب الهندي جاء بعد عدة محاولات لإحداث مشاريع تنموية في المنطقة (بلاد الكيف)، منها “مشروع التنمية السياحية للريف” في بداية الستينات، “مشروع التنمية الاقتصادية والقروية للريف”، و”مشروع التعاونيات الفلاحية” في أواخر الثمانينات، ثم “مشروع الزراعات البديلة” بداية التسعينات، مشيرا إلى أن كل هذه مشاريع فشلت، إلى جانب نهج المقاربة الأمنية في محاربة زراعة “الكيف” وإحراق المحاصيل ورش المبيدات.

وأوضح أدرداك، أن المشروع المتعلق بتقنين القنب الهندي، يأتي بسبب الضغط الدولي، وتصويت الأمم المتحدة على قرار سحب نبتة القنب الهندي من الجدول الرابع للمواد المخدرة، واعتبارها نبتة يمكن أن تستخرج منها المواد الطبية والصناعية، مما دفع المغرب إلى طرح خيار استعمال هذه النبتة في الإنتاجات الصناعية والطبية، مضيفا أنه لا يرى أي مانع من تقنين نبتة القنب الهندي من أجل الاستعمالات الطبية والصناعية، إلا أن “التقنين لا يمكن أن ينجح إذا لم يتم رصد مشروع تنموي مثل مشروع مارشال، يهدف لإخراج المنطقة من التهميش الاقتصادي والاجتماعي والتنموي الذي تعيشه منذ استقلال المغرب”، لا سيما وأنه لا يوجد أي بديل اقتصادي يمكن أن يعطي نفس المدخول المادي الذي يعطيه “الكيف” للمزارعين في تلك المناطق، مما يتطلب من الدولة رصد مشاريع تنموية مهيكلة، تبدأ بفك العزلة عن طريق إنشاء طرق سيارة لربط المنطقة بالحواضر الكبرى، وتشجيع الأنشطة الاقتصادية والسياحية، وتشجيع الاستثمار وإدماج شباب المنطقة في المنظومة الاقتصادية.

وأكد أن ساكنة بلاد “الكيف” منقسمة بين متطلع للخير من هذا المشروع القانون وبين متوجس من ضياع لقمة عيشه، مما جعل الناس تعيش حالة من التيهان، خاصة وأن النقاش العمومي حول “الكيف” يطفو على السطح كلما اقتربت الانتخابات، حتى أصبح ورقة ضغط على الساكنة من أجل التصويت لصالح مرشح معين أو لصالح حزب معين، مبرزا أن هناك نوعا من اللبس في هذا القانون، الذي في حاجة إلى تحسين العديد من النقط وسحب نقط أخرى من أجل تجويده، إذ يتضمن العديد من المواد التي يجب مراجعتها، منها مسألة الزجر والعقوبات تجاه المزارعين وإغفال حقوقهم، وإقامة الوحدات الإنتاجية في مدن أخرى بعيدة عن الجهة وعن منطقة المحصول.

وأوضح أدرداك، أن القانون قد يعطي غطاء آخر من أجل بقاء “الكيف” في المنطقة، خاصة في ظل وجود طلب وطني ودولي على مادة “الحشيش”، مما سيساهم في استمرار زراعته، مستدلا بتجربة الولايات المتحدة الأمريكية التي سنت قانون “فول ستايد” لمنع بيع ونقل الخمور، مما أدى إلى ظهور سوق سوداء للخمور وعصابات منظمة ليتم إلغاؤه سنة 1933، مشددا على “ضرورة تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لإخراج المنطقة من العزلة، وتغيير النخبة السياسية الفاسدة المدعمة في أغلبها من بارونات المخدرات”، لأن التغيير والتنمية رهينة بوجود نخبة واعية ومسؤولة في المنطقة من أجل إخراجها من تلك العزلة وضمان نجاح هذا المشروع.

واعتبر أن إحداث مقر للوكالة الوطنية في الرباط، لا يتماشى مع مبدأ تقريب الإدارة من المواطن والجهوية الموسعة، خاصة وأن المنطقة التي تعرف زراعة “الكيف” تنتمي إلى جهة طنجة تطوان الحسيمة، مما يتطلب إقامة إدارة الوكالة بإحدى مدن الشمال، لكي تكون أقرب للمواطنين والفلاحين، حتى لا يضطروا للتنقل إلى العاصمة لتسوية الأمور الإدارية، داعيا إلى استقلال هذه الوكالة عن الأحزاب السياسية، وبأن تكون التعيينات بها غير سياسية، تشمل باحثين وأساتذة جامعيين ومتخصصين وفاعلين مدنيين وممثلين عن الفلاحين بمنطقة القنب الهندي من أجل ضمان نجاح المشروع.

مخاوف لدى الفلاح

    كثير من المزارعين في مناطق زراعة “الكيف” لا يعلمون ما يحمله مشروع تقنين القنب الهندي لهم، مما جعل الغالبية متخوفة منه، بسبب غياب التواصل وعدم إشراكهم في النقاش الوطني الجاري حول مشروع القانون الذي صادقت عليه الحكومة.

في هذا السياق، يؤكد محمد بوصامت، فلاح وناشط جمعوي من المنطقة، أن “وضعية الفلاحين في مناطق زراعة الكيف هي وضعية كارثية، بحكم أن الفلاح في المنطقة لا يعلم شيئا عن وضعه في ظل القانون، ولا يعرف ما هي التعاونية ولا كيف سيتم جمع المحصول وثمن بيع الكيف، بسبب غياب التواصل والحوار لأخذ رأيه، لأن ما يهمه هو تحقيق مدخول مادي للعيش والقوت اليومي”، معتبرا  أن الفلاح هو الحلقة الأضعف في القانون الجديد، بسبب إعداد المشروع بعيدا عن السكان والمزارعين دون فتح حوار معهم، لمعرفة آرائهم ومقترحاتهم من مشروع تقنين القنب الهندي.

وأضاف أن مشروع القانون يتضمن عدة مواد تزيد من تفقير وتهجير سكان المنطقة، منها مسألة تحديد المناطق الجغرافية التي مازالت غامضة ومبهمة، ثم عدم تحديد قيمة وثمن المحصول ومنح الصلاحية في ذلك للتعاونيات ولشركات الأدوية والوكالة الوطنية، وعدم تناول المشروع لأوضاع الشباب، رغم أن نسبة كبيرة منهم يضيعون بسبب البطالة وغياب مراكز التكوين أو التوجيه، مشيرا أيضا إلى إشكالية الأراضي الواقعة في المناطق الجبلية والملك الغابوي، والتي تتطلب تسهيل الإجراءات والمجانية لأجل تمليك الأراضي للمزارعين وتسجيلها وتحفيظها، لكون غالبيتهم لا يتوفرون على وثائق للأراضي.

حمزة هو الآخر فلاح من المنطقة، يقول: “إن التقنين مسألة إيجابية وننتظر منه تحسين وضعية الفلاحين، لكن لدي عدة ملاحظات بخصوص عدة مواد غير واضحة فيه، منها المادة 9 التي تتحدث عن التعذر في جني المحصول لظرف قاهر، حيث على الفلاح أن يصرح للوكالة في ظرف ثلاثة أيام فقط، ثم المادة 10 تقول أن التعاونيات هي المسؤولة عن إبرام العقد والبيع مع الوكالة، ثم إحداث مقر الوكالة بالرباط وليس في جهة طنجة الحسيمة، وهي تهم المزارعين في منطقة معينة لماذا يكون مقرها بعيدا عنهم؟”.

وأوضح أن الإشكالية الأخرى المطروحة تتعلق بتحديد مساحة الأراضي الزراعية، مما سيخلق مشاكل للفلاحين البسطاء، الذين لهم أراضي مقسمة مساحتها صغيرة موزعة بين الجبال، بحيث أن تحديد مساحة الزراعة سينتج عنه ربح قليل في ظل عدم معرفة ثمن بيع “الكيف”، لاسيما وأن فترة العمل الزراعية لا تتجاوز 3 أشهر فقط، مشيرا إلى أن تكليف التعاونية بجمع المحصول سيجعل الفلاح عاطلا وبدون مدخول مادي خلال بقية أشهر السنة، مما سيضعه في قلب أزمة مالية، لأن عليه واجبات منها مستحقات المستخدمين والمواد المستعملة في الزراعة.

واعتبر نفس المتحدث، أن تقنين “الكيف” إيجابي، وسيجعل الفلاحين يقطعون العلاقة مع التجار و”البزناسة”، وسيدخلهم في علاقة مع الدولة، لكن لابد أن يناقش هذا القانون معهم، قائلا: “نريد أن يكون القانون مع الفلاح وينصفه، نريد أكثر من العفو العام عن الناس المسجونين، والفلاحين الصغار المبحوث عنهم، فيجب أن يتم تعيين لجن للتواصل مع الناس وسكان المنطقة والفلاحين، فالكيف لا يعيش به المزارع فقط، بل تعيش منه يد عاملة أخرى في موسم الحرث”.

نساء بدون حقوق

    إذا كان الفلاح لا يعرف حقوقه في مشروع تقنين “الكيف”، فإن نساء المنطقة هن الحلقة الأضعف في هذا المشروع، لعدم الإشارة إليهن أو تخصيص مادة تسمح لهن بالاستفادة من هذا المشروع الوطني، خاصة وأن غالبية النساء في منطقة زراعة القنب الهندي غير متمدرسات ومستواهن الدراسي محدود، مما يتطلب تحسين وضعيتهن في القانون الجديد، وتمكينهن من تأسيس جمعيات أو تعاونيات أو تمويل مشاريع زراعية لهن، لكي يستفدن بدورهن من هذا المشروع.

وبهذا الخصوص، يرى الفاعل الجمعوي أدرداك، أن وضعية النساء صعبة جدا في المنطقة، وهي أسوأ بكثير من وضعية الفلاح البسيط، لأنها تقوم بمهام البيت وتساهم في سلسلة زراعة “الكيف”، على عكس الرجل، الذي يقتصر دوره على بعض المهام التي تحتاج لمجهود بدني، بينما النساء هن اللواتي يقمن بأغلب المهام المرتبطة بهذه الزراعة، وفي الأخير لا يحصلن على شيء، لأن الرجل هو الذي يبيع المحصول ويحصل على العائدات، مؤكدا أن السبيل الوحيد للنهوض بنساء المنطقة، هو تشجيعهن على التمدرس وخلق فرص للشغل لهن ضمن المشاريع المدرة للدخل مثل الصناعة التقليدية والسياحة الجبلية.

وقالت ناشطة جمعوية من المنطقة، أن انتظارات النساء من هذا القانون كثيرة، لأن المرأة بالمنطقة تعيش التهميش والإقصاء المبني على الهيمنة الذكورية في الاستفادة ماديا من زراعة “الكيف”، معبرة عن أملها في أن يتطرق القانون لوضعية نساء المنطقة، ويحسن من مستواهن المعيشي عبر السماح لهن بالانخراط في التعاونيات الفلاحية إلى جانب الرجال، والاستفادة من الأرباح والعائدات المادية.

أكثر من 70 بالمائة من النساء في مناطق إنتاج “الكيف” لهن دور كبير في الزراعة وحصاد القنب الهندي، ويشكلن العمود الفقري في إعالة أسرهن، لكن وضعيتهن المزرية تحتاج إلى الإنصاف عبر تمكينهن من الاستفادة من مشروع تقنين القنب الهندي.

مصير المدمنين

    يتساءل الكثير من الناس عن مصير الأشخاص المدمنين على تدخين “الكيف” ومشتقاته، خاصة وأن تقنين القنب الهندي يحمل معه تغييرا في نوع الزراعة، حيث سيتم استيراد نبتة جديدة لا تحتوي على المادة المخدرة، الشيء الذي سوف ينهي وجود الزراعة القديمة التي تستخرج منها المخدرات.

وقد خلف هذا المشروع الجديد علامة استفهام حول مصير المدمنين والمدخنين، الشيء الذي قد يؤدي إلى اضطرابات نفسية وعصبية بالنسبة لهذه الفئة المتعاطية للمخدرات داخل أسرهم، مما قد يخلق مشاكل إضافية وعنف متزايد داخل المجتمع، مما يتطلب نهج مقاربة اجتماعية وطبية موازية مع مشروع التقنين، أو إجراءات أخرى تعالج ظاهرة الإدمان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى