تحقيقات أسبوعية

تقرير | نكسة اقتصادية بطعم “كوفيد 19”

الوجه الآخر لجائحة "كورونا"

مرت سنة على جائحة “كورونا” منذ ظهور أول حالة للفيروس في بلادنا شهر مارس 2020، تحولت بفعلها حياة المغاربة منذ تلك الفترة وانقلبت رأسا على عقب، بعدما فرضت الدولة الحجر الصحي الشامل على جميع الأنشطة الاقتصادية والتجارية، وقامت بفرض قيود على تنقلات وحركة الناس في جميع المدن.

إعداد: خالد الغازي

    لقد تسبب الجائحة في تعقيد حياة الأسر المغربية، خاصة الطبقات الاجتماعية والمتوسطة التي تضررت بسبب اعتمادها على النشاط غير المهيكل، وعلى أنشطة تجارية موسمية، بينما تكبدت العديد من الشركات والمقاولات خسائر مادية كبيرة بسبب قرارات إغلاق الحدود وتوقف التصدير إلى أوروبا، ما جعل الدولة تقوم بعدة إجراءات من أجل تخفيف العبء شيئا ما على الأنشطة الاقتصادية المتضررة، لكن رغم تلك الإجراءات، إلا أن الكثير من الأنشطة تكبدت خسائر كبيرة ووصلت إلى الإفلاس، مثل وكالات الأسفار، المطاعم، المقاهي، ممولي الحفلات، الأنشطة الترفيهية، قاعات الحفلات والأعراس، الوكالات السياحية، دور الضيافة، والمرافق السياحية… إلخ. هذه الصعوبات خلقت للكثير من المواطنين أزمة اجتماعية ومادية، وفرضت على العديد منهم بيع كل أو بعض ممتلكاتهم لسد الديون والقروض، ومواجهة مصاريف الحياة المعيشية لأسرهم.

وتوقع بنك المغرب بدوره أن يصل معدل الركود الاقتصادي إلى 5.2 بالمائة هذه السنة، بسبب الجائحة وقلة الأمطار، التي تراجعت بحوالي 46 في المائة، بينما انتقل معدل البطالة من 4.9 في المائة إلى 12.7 في المائة على الصعيد الوطني، ما يؤكد على أن الإسراع إلى اكتشاف حل نهائي، يبقى الأسلم للخروج من النفق المظلم.

فقد برزت انعكاسات وباء “كورونا” على الاقتصاد الوطني من خلال مناقشة مشروع قانون مالية سنة 2021، الذي سجل عجزا في الميزانية يتجاوز 55.5 مليار درهم، وارتفاعا يناهز 25 في المائة بالمقارنة مع سنة 2020، مقابل انخفاض الناتج الداخلي الخام بنسبة 5 في المائة.

وكشفت بعض التقارير عن تراجع المداخيل السياحية بنسبة 53.8 في المائة سنة 2020، بعد ارتفاع بنسبة 7.8 في المائة سنة قبل ذلك، وهو ما يمثل خسارة بقيمة 42.4 مليار درهم، وفقا لما أفادت به مديرية الدراسات والتوقعات المالية.

وقدمت الحكومة بعض الدعم لبعض القطاعات مثل السياحة والصناعة لتجاوز أضرار الجائحة، والأثار الجانبية لها، وذلك من خلال تحمل أجور بعض المستخدمين والأطر عبر صندوق الضمان الاجتماعي، وتأجيل سداد القروض والديون، لكن هذا لم يمنع بعض المقاولات من شبح الإفلاس، لاسيما التي لها ارتباط بالخارج والتي تشتغل في مجالات سياحية أو مع مؤسسات أجنبية.

وقد أعلنت الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغرى والمتوسطة، عن إفلاس 20 ألف مقاولة جراء حالة الطوارئ وإغلاق الحدود البرية والبحرية والجوية، لأجل كبح انتشار فيروس “كورونا” المستجد، مبرزة أن عدة قطاعات اقتصادية حيوية، كالخدمات والتجارة والبناء والسياحة والصناعة والنقل وكافة المهنيين والحرفيين، عرفت تراجعا مهما في معاملاتها.

وأضافت الكونفدرالية، أن المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة، والتي تشكل أزيد من 95 في المائة من الشركات في المغرب، تعاني من أزمة مالية تحول دون تمكينها من الالتزام بنفقاتها في مجال الاستغلال والتسيير، مثل مصاريف الإيجار والرواتب والضرائب والضمان الاجتماعي.

وحسب مكتب دراسات “أنفوريسك”، فقد أعلنت 6612 مقاولة إفلاسها خلال سنة 2020، بحيث كشف أن 16 في المائة من المقاولات المغربية قد أوقفت نشاطها بشكل جزئي أو كامل خلال النصف الثاني من العام الماضي، بسبب الانعكاسات السلبية لجائحة “كورونا”.

كما تسببت جائحة “كورونا” في ضرر كبير للنساء اللواتي يشتغلن في الأنشطة الحرة، أو في القطاع غير المهيكل، بحيث وجدت الكثير منهن أنفسهم بدون مصدر رزق بسبب الإجراءات والقرارات التي اتخذتها السلطات، مما حرمهن من ممارسة أنشطتهن التجارية.

وقد أكد تقرير للمندوبية السامية للتخطيط، أن الوضعية المالية للنساء تدهورت خلال فترة الحجر الصحي، بسبب هشاشة وضعيتهن في سوق الشغل، مشيرة إلى أن فئة النساء أكثر عرضة للتسريح من العمل خلال الأزمة، بحكم طبيعة المناصب التي يشغلنها في حالة تماثل قطاعات النشاط.

وأشار التقرير إلى أن النساء أكثر عرضة للتسريح خلال الأزمة، لأن طبيعة المناصب التي تشغلها المرأة تبقى أقل أهمية من تلك التي يشغلها الرجال، لذلك تتم التضحية بهن أولا عند وقوع الأزمة.

وبالنسبة للأسر المغربية، كشف التقرير عن تدهور وضعية الأسر التي تعيلها النساء أو الرجال على السواء، بنسبة 50 بالمائة للنساء، و44 بالمائة لأرباب الأسر، بحيث تعرضت الكثير من الأسر المغربية لنكسة اجتماعية ومادية منذ بداية الجائحة، تسببت للكثير من الأسر في مشاكل وضائقة مالية كبيرة.

وأضاف التقرير، أن العديد من الأسر استخدمت مدخراتها لتغطية النفقات والمصاريف خلال فترة الجائحة، بنسبة بلغت 42 بالمائة سواء بالنسبة للأسر التي يتحمل مسؤوليتها الرجال أو النساء، مبرزة تسجيل هذه الأسر مديونية، إذ سجلت 13.3 في المائة بالنسبة للأسر التي تعيلها نساء، و13.6 في المائة للأسر التي يعيلها رجال.

ارتفاع البطالة خلال فترة الجائحة

    كثير من الناس فقدوا وظائفهم منذ بداية “كورونا”، منهم موظفين في شركات كبرى ومقاولات، إلى جانب مستخدمين في شركات متوسطة أو وكالات تجارية أو عقارية، بسبب الركود الاقتصادي والتوقف الاضطراري الذي دفع إدارات هذه المؤسسات أو الشركات الصناعية لتسريح الآلاف من العمال والتخلص منهم.

إلى جانب ذلك، فقد أدت الأزمة إلى توقف أنشطة تجارية كثيرة، وتوقف مشاريع في ميدان البناء أو السياحة أو التصدير والاستيراد، وهذا ما جعل العديد من العمال والمستخدمين يفقدون وظائفهم بشكل جزئي أو نهائي، كما لجأت بعض الشركات إلى تغيير عقود عمالها بسبب الأزمة وإعادة النظر في الأجور والمنح والتعويضات.

فقد ارتفع معدل البطالة في المغرب العام الماضي إلى 11.9 % بعدما كان في سنة 2019، 9.2 %، حسب المندوبية السامية للتخطيط، التي ربطت هذا الارتفاع بالأثر المزدوج لجائحة “كوفيد 19” والجفاف.

وأشارت إلى عدد العاطلين عن العمل في المغرب خلال سنة 2020، بلغ 1.42 مليونا، مشيرة إلى أن معدل البطالة بين السكان الذين تتراوح أعمارهم بين الخامسة عشر والرابعة والعشرين، ارتفع إلى 31.2 %.

احتجاج اجتماعي 

    عرفت فترة الجائحة خروج العديد من المواطنين في مختلف المدن، احتجاجا على الأوضاع المعيشية الصعبة، وقرارات الإغلاق التي تسببت لهم في أضرار كبيرة وضائقة مالية ترتبت عنها مشاكل اجتماعية وأسرية.

وقد خرج أرباب الحمامات، والقاعات الرياضية، ومموني الحفلات والأعراس، والفنانين، والمرشدين السياحيين، وأرباب وكالات الأسفار، والوكالات السياحية، للمطالبة بتسوية مشاكلهم والاستجابة لمطالبهم المهنية والاجتماعية، خاصة وأن فترة الإغلاق والتوقف تسببت لهم في أزمة مادية وتراكم للديون والكراء والفواتير.

هذه المشاكل الاجتماعية، دفعت سكان مدينة الفنيدق للخروج للشارع وللفضاءات العمومية، للمطالبة برفع القيود وإجراءات الإغلاق، وإعادة الحركة التجارية للمدينة، بعدما تسبب إغلاق المعبر الحدودي “باب سبتة” المحتلة في ركود اقتصادي للتجار وبطالة في صفوف الشباب والنساء.

فقد تسبب سنة الجائحة في مشاكل اجتماعية لدى الكثير من الطبقات الشعبية، ولدى الكثير من التجار والحرفيين والسائقين، والعاملين في الأنشطة الموسمية، مما جعل العديد من الهيئات والجمعيات تدعو الحكومة إلى معالجة هذه الأوضاع بمقاربة اجتماعية سلسة، لأن المواطنين يعانون كثيرا من أثار الجائحة والقرارات الحكومية، التي لا تراعي الظروف الاجتماعية التي تتخبط فيها جل الأسر المغربية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى