تحقيقات أسبوعية

متابعات | صفقات بالملايير تحتم محاسبة وزير الصحة

المال السايب أم "كورونا" ؟

لازال الرأي العام الوطني متتبعا لموضوع الصفقات العمومية التي عرفتها وزارة الصحة خلال جائحة “كوفيد”، ومهمة اللجنة البرلمانية الاستطلاعية التي ستقوم بالاطلاع على جميع الوثائق والمستندات المتعلقة بالصفقات العمومية التي أبرمتها وزارة الصحة خلال الجائحة، سواء المتعلقة بأجهزة الكشف أو الأدوية والمستلزمات الطبية الأخرى، حيث مازالت أسئلة كثيرة لدى المواطن المغربي تنتظر إجابات حول ما يجري داخل الوزارة، خاصة بعدما أقدم الوزير على إعفاء مسؤولين بارزين من مديرية الأدوية، الشيء الذي جعل الناس تطرح العديد من التساؤلات حول أسباب هذه القرارات؟ هل الأمر يتعلق بوجود خروقات أو تلاعبات جعلت الوزير يلجأ للإعفاءات، أم أن الموضوع مرتبط بهيكلة جديدة؟
فقد خلقت الصفقات العمومية التي أبرمتها وزارة الصحة خلال بداية جائحة “كورونا” ضجة كبيرة على الصعيد الوطني، نظرا للملايير الكثيرة التي رصدت من صندوق “كوفيد” لتمويل شراء جميع المستلزمات الطبية والأجهزة والمعدات والأدوية الضرورية، قصد مكافحة الجائحة والكشف عن المصابين ومعالجة المرضى، الشيء الذي جعل وزارة الصحة تفتح الباب أمام عدة شركات دون اللجوء إلى مسطرة العروض لأجل توفير الحاجيات والمتطلبات، هذه الطريقة فجرت قضية تتعلق بصفقة أجهزة الكشف السريع عن فيروس “كورونا” والتي كلفت أزيد من 22 مليار سنتيم ومنحت لشركة واحدة فقط، مما أثار الكثير من الشكوك والتساؤلات، خاصة وأن هذه الأجهزة لم تحصل على شهادة التسجيل في مديرية الأدوية والصيدلة قبل تفويت الصفقة.

إعداد: خالد الغازي

صفقات بالملايير

    أبرمت وزارة الصحة في فترة الحجر الصحي عشرات الصفقات الضخمة، كلفت ميزانية بالملايير، بحيث أن أغلب الصفقات لم تخضع للمساطر وطلبات العروض المعمول بها في جميع القطاعات الأخرى، ورافقها طابع الاستعجال والحاجة لتوفير المعدات والأدوية قصد مواجهة فيروس “كوفيد 19”.

فقد أبرمت وزارة الصحة حوالي 247 صفقة مع أكثر من 98 شركة، بكلفة مالية وصلت لـ 196 مليار سنتيم من الميزانية المخصصة لوزارة الصحة من الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس “كورونا”، وذلك لأجل شراء المعدات الطبية والتقنية ولوازمها، وتجهيزات الأفرشة والعتاد الاستشفائي وأجهزة التصوير الإشعاعي ومستلزمات المختبرات وأدوية ومستلزمات طبية، كما كلفت المعدات الطبية والتقنية ولوازمها حوالي 95 مليارا من النفقات، بينما تطلبت المواد الصيدلية والمواد الاستهلاكية الطبية أكثر من 1.05 مليون دولار.

وكان وزير الصحة، خالد أيت طالب، قد اعتبر أن هذه الصفقات لم تخضع للمساطر ولطلبات العروض، لكونها تستغرق وقتا طويلا قد يمتد إلى 6 أشهر، حيث تم اللجوء منذ بداية الجائحة، عبر قرار حكومي، إلى إنجاز صفقات متفاوض حولها، وذلك بسبب الحاجة الملحة لتوفير المعدات والأدوية لمواجهة جائحة “كورونا”.

 

اللجنة البرلمانية تنتظر المعطيات

    أكد رشيد العبدي، رئيس اللجنة الاستطلاعية الخاصة بافتحاص الصفقات، أن اللجنة مستمرة في عملها وقد عقدت اجتماعا مؤخرا فيما بينها للتداول في الموضوع، حيث تمت مراسلة وزارة الصحة لأجل طلب الحصول على جميع المعلومات والمعطيات، المتعلقة بالصفقات التي أبرمت خلال فترة جائحة “كورونا”، موضحا أن “اللجنة لا يمكنها أن تخرج للقيام بالمهمة دون أن تتوفر لديها المعطيات اللازمة، خاصة وأنها طلبت كما هائلا من المعلومات حول الصفقات المنجزة”.

وأضاف العبدي، أن وزير الصحة حاليا مشغول بحملة التلقيح التي تعد ذات أولوية وطنية، واللجنة سوف تنتظر حتى تتوصل بكامل المعطيات لكي تمارس مهامها الاستطلاعية، وبأن عملها يكتسي طابع السرية ولا يمكن تقديم أي معلومات تم التداول فيها، باستثناء مراسلة الوزارة لأجل التمكن من المعطيات، مشيرا إلى أن دور اللجنة هو تقني فقط يكمن في معرفة كمية الصفقات التي أبرمتها الوزارة الوصية، وقال: “حاليا، هناك حملة التلقيح، لهذا نحن ننتظر عندما نتوصل بما نريد من الوزارة، سوف نباشر عملنا بشكل جدي، خاصة وأن اللجنة مستعدة وتم تهييء الأرضية للقيام بالمهام اللازمة”.

وأوضح أن “للجنة برنامج عمل مسطر متفق عليه بين جميع الأعضاء، وبمجرد التوصل بجميع المعلومات المطلوبة، سيتم عقد أشغال داخل اللجنة في ظرف 48 ساعة أو 72 ساعة، ثم الشروع في العمل الاستطلاعي الذي وضع من قبل”.

تقرير “أسود” يعري الواقع

    وكشف تقرير للشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة، عن عدة اختلالات بمديرية الصيدلة والأدوية، وذلك بسبب التسيير السيء والفوضى، مضيفا أن طلبات تراخيص الأدوية والمستلزمات الطبية، لازالت جامدة منذ عهد الوزير الأسبق، الحسين الوردي، أو تبقى حبيسة رفوف المكاتب لمدة سنة أو أكثر، تتعلق بالشركات التي طالبت بها من أجل صناعة الأدوية أو استيراد المستلزمات الطبية.

وأوضح التقرير، أن حوالي 6000 طلب التسجيل لم تعط سوى الثلث من شواهد التسجيل لسنوات خلت، بالإضافة إلى ضياع الكثير من الملفات، حيث أن بعض الملفات الموضوعة يتم إتلافها أو التخلص من أغلبها، ولا يملك أصحابها أي حجة على إيداعها بالإدارة أمام رفض المسؤولين التأشير على استلام الملفات طبقا للإجراءات المعمول بها في جميع الإدارات العمومية بالمغرب.

وأبرز أن الأولوية تعطى للقليل من الملفات دون غيرها، إلى جانب تسجيل سوء استقبال الوافدين على المديرية من طرف بعض حراس الأمن بطريقة لاإنسانية لا تتماشى مع حقوق المرتفق لمؤسسة عمومية مفتوحة في وجه الراغبين في الاستثمار.

وأشار التقرير إلى تعطيل المنصة الإلكترونية التي كانت بوابة لتسهيل تتبع ملفات المهنيين الراغبين في الحصول على الشواهد والرخص، لكنهم يجدون معاناة حقيقية بعد إتلاف المنصة الإلكترونية والنظام الإلكتروني، الشيء الذي يحرم المهنيين من تسجيل موادهم عبر في الموقع الإلكتروني، مما يفرض عليهم التنقل للعاصمة والتواجد بالمديرية رغم أن أغلبهم يأتون من مدن بعيدة ، مثل وجدة والعيون وأكادير ومراكش والراشيدية وغيرها، بحيث يتم خلق أي عذر غير قانوني أو وثيقة غير مطلوبة من أجل التخلص منهم، أو عليهم اللجوء عبر وسطاء لتحظى ملفاتهم بالتأشير المطلوب.

معاناة المستثمرين مع لوبي المديرية

    قال الدكتور محمد اعريوة، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للصحة، أن مديرية الأدوية والصيدلة تعاني منذ سنين، من أزمة في التسيير والتدبير، حيث تولى تسييرها ثلاثة مدراء في عهد وزير الصحة الحالي، من بينهم المديرة الجديدة التي تم تعيينها لإصلاح الاختلالات حتى تصبح المديرية مثل جميع الإدارات أمام المواطنين.

وكشف اعريوة عن وجود معاناة للمستثمرين الذين يقفون أمام أبواب المديرية لتسوية بعض الملفات والإجراءات الإدارية تحت أشعة الشمس ومعاملة الحراس السيئة، وعراقيل لا توجد في الجماعات المحلية أو في إدارات أخرى بمثابة إهانة لمهنيي المستلزمات الطبية بطريقة بشعة، مؤكدا وجود لوبي من بعض الأشخاص في المديرية قضوا أكثر من 25 سنة راكموا مصالح وثروات، وأصبحوا يتحكمون في المديرية وقاموا بتحويلها إلى ضيعة خاصة بهم، وخلقوا سلسلة من العراقيل والصعوبات التي تبتدئ من حراس الباب مرورا ببقية الأقسام.

وأضاف أن المديرية عبارة عن سلسلة من اللجن تمر عبرها جميع الملفات، حيث يتم وضع عدة عراقيل من قبل بعض الأشخاص يحتمون بالأحزاب والنقابات ويفعلون ما يشاؤون في هذه الإدارة لأجل مصالحهم الضيقة، بينما مصلحة الناس لا تهمهم، وأي مواطن أراد شهادة عليه القدوم من العيون لمقر المديرية والانتظار لساعات، ثم يطلب منه العودة للصحراء وجلب وثيقة أخرى في الملف. معتبرا أن قيام الوزير بإقالة بعض الأشخاص لن يصلح المديرية، لأن هناك أشخاصا آخرين يتحكمون فيها منذ سنين، وتسببوا في شلل وتوقف المنصة الإلكترونية، وبالتالي، توقيف خدمة تسليم الشهادات.

وأكد عريوة على أن هذه الأوضاع والمعاملة السيئة والحاطة من الكرامة، وضعت المئات من الناس في أزمة بسبب التعقيدات والعراقيل في تسليم الرخص والشواهد والوثائق اللازمة، فمنهم من توقف عن العمل، وآخرون دخلوا السجن بسبب الشيكات، مشيرا إلى وجود 200 إطار في المديرية  يتقاضون رواتب شهرية من المال العام ولا يقدمون أي خدمات للمواطنين ويرفضون التأشير على الملفات، رغم أن القانون 84.12 يقول أن المستثمر إذا وضع طلبا للحصول على شهادة، لديه مدة ثلاثة أشهر للحصول عليها، لكن هناك أناس لديهم ملفات منذ سنة ونصف أو سنتين ولا زالوا ينتظرون، وهناك مستثمرين شباب لم يحصلوا على شواهدهم.

وأوضح المتحدث، أنه خلال فترة الجائحة، اتضح أن لدينا نقصا في المواد الطبية والبيوطبية، بحيث كان على الدولة أن تذهب في نطاق تصاعدي لكي توفر للمنظومة الصحية جميع المستلزمات الطبية والأدوية، مبرزا أن بهذه المديرية لا يمكن تحقيق ذلك في ظل وجود ممارسات خارجة عن النطاق، مثل “الهدايا” وعدة أشياء لأجل قضاء الغرض أو تسوية الملف، مما يحطم طموح العديد من الشباب والمستثمرين الأجانب الراغبين في العمل.

الحاجة إلى وكالة وطنية للأدوية

    دعت العديد من الهيئات والمؤسسات إلى إحداث وكالة وطنية للأدوية، لأجل إصلاح هذا القطاع وتنظيمه بقوانين منظمة تسمح بفسح المجال أمام الاستثمار، والحد من الاحتكار وسيطرة لوبيات على القطاع، حيث سبق أن طالبت الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة، بخلق وكالة وطنية لسلامة الأدوية والمنتجات الدوائية والغذائية وضمان استقلالها، وذلك لأجل تدبير وتسيير ومراقبة جودة وفعالية الأدوية في مختلف سلاسل الإنتاج والتوزيع والاستهلاك.

كما دعا مجلس المنافسة في تقريره حول وضعية المنافسة في سوق الأودية بالمغرب، إلى تسريع وتيرة إخراج الوكالة الوطنية للأدوية والأجهزة الطبية إلى حيز الوجود، وإعادة النظر في القانون الحالي المنظم لعمل الوكالة الوطنية للتأمين الصحي.

واعتبر الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للصحة، أن تحويل مديرية الأدوية إلى وكالة وطنية مستقلة للأدوية وتوظيف أطر تعمل بشكل مستقل، يعتبر عملية ستصون مصلحة المهنيين والمستثمرين والمواطنين عامة، وتسهل لهم الإجراءات الإدارية وتزيل العراقيل والعقبات التي تقف أمامهم.

بيروقراطية قطاع الأدوية

    بدوره، كشف مجلس المنافسة عن وجود مجموعة من الاختلالات في سوق الأدوية في البلاد، بسبب تبعية المجال لوزارة الصحة وخاصة لمديرية الأدوية، مبرزا غياب سياسة وطنية حقيقية لتدبير سوق الأدوية وانعدام رؤية واضحة لتحقيق الأهداف على المدى المتوسط والبعيد.

وأوضح أن من بين الاختلالات في سوق الأدوية، اللجوء بشكل مفرط للاستيراد، والانقطاع المتكرر لمخزون بعض الأدوية الأساسية، واستمرار مشكل الأدوية باهظة الثمن، وأيضا سيادة البيروقراطية في كيفيات تحديد أسعار الأدوية التي لا تتوافق كليا مع الواقع المفروض في السوق، داعيا إلى تشجيع الاستثمار في قطاع الأدوية وإرساء دعائم منظومة وطنية فعالة لتدبير سوق الأدوية.

وشدد المجلس على ضرورة مراجعة القانون رقم 04.17 المتعلق بمدونة الأدوية والصيدلة، لا سيما في الشق المتعلق بنظام منح الترخيص لمختلف الفاعلين للولوج إلى السوق، وتبسيط مساطر ولوج الدواء الجنيس للسوق، ومراجعة المراسيم التطبيقية للقانون السالف الذكر ذات الصلة بمنح الإذن بالعرض في السوق، وتحديد الأسعار ونشر الإعلانات المتعلقة بالأدوية.

وأكد المجلس على أهمية إرساء بيئة قانونية مستقرة في مجال سوق الأدوية، قابلة للاستشراف بهدف جلب الاستثمارات في القطاع والتأكيد على ضرورة إعادة النظر في نظام منح الرخص بالعرض في السوق، وتحديد الأسعار قصد توفير ضمانات لرؤوس الأموال الخاصة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى