كانت مدينة تطوان على موعد مع حظها من الفيضانات التي شهدتها مدينة الدار البيضاء ولم تسلم منها طنجة لتستقر بتطوان في انتظار نشرة إنذارية أخرى، لعلها تقض مضجع المسؤولين في نومهم لاتخاذ التدابير الاستباقية لمواجهة مثل هذه الكوارث الطبيعية.
ولقد بدأت الأمطار تتهاطل على مدينة تطوان مساء يوم الأحد، لتستمر إلى مساء يوم الإثنين من الأسبوع الماضي، يومان كانا كفيلين بإغراق المدينة بكاملها، ولم تستثن الأحياء الراقية كحي المطار والولاية وغيرها، لكن المتضرر الأكبر، هم سكان الأحياء الهامشية التي لا تتوفر على البنية التحتية، بداية من حي سيدي طلحة وجامع المزواق وسمسة وخندق الزربوح والرمانة، وغيرها من الأحياء الشعبية، وتسببت هذه الأمطار في خسائر فادحة في الممتلكات، حيث جرفت السيول ما يصل 11 سيارة وغمرت أكثر من 300 منزل، كما أن العديد من الأسر ظلت في العراء بسبب دخول المياه إلى قلب منازلهم.
بالمقابل، حالت المواقف البطولية لشباب تطوان دون وقوع خسائر في الأرواح، حيث كان لهم دور فعال، من خلال فك الحصار على الشوارع وإزالة مخلفات الفيضان من الأوحال والحجارة التي جرفتها المياه من أعلى جبل درسة، خصوصا بنقطة الحزام الأخضر، الذي لازالت الأشغال مستمرة في تهيئته، كما أن السيول لم تجد مسالك للعبور ولا قنوات تصريف المياه، فقصدت منازل المواطنين داخل الأحياء الشعبية غير المجهزة بالبنيات التحتية اللازمة، كمجاري مياه الأمطار ومجاري الصرف الصحي وغيرها، كما أن البنايات التي شيدت على الوديان، خصوصا بحي سيدي البهروري وسمسة، منعت المياه من المرور بالوديان وقصدت منازل المواطنين الذين باتوا في العراء تلك الليلة التي وصفتها الساكنة بـ”السوداء”.
وسجل العديد من المواطنين بكل حسرة وأسف، غيابا تاما للجهات المنتخبة والسلطات المعنية والوقاية المدنية، وشركة “أمانديس” المفوض لها تدبير قطاع الماء والكهرباء والتطهير السائل، كل من موقع مسؤوليته، حيث كانوا غائبين عن مواقع الفيضانات، وقد تفرغ أحد القياد وسط المدينة لجلب ابنه من المدرسة وأدخله إلى مركز التلقيح الموجود بالمحكمة الابتدائية القديمة، فيما كان زميل له بسيدي طلحة يسجل فيديو بواسطة هاتفه للأحداث المأساوية، فيما كان الباقون من ممثلي السلطة غائبين عن معاناة الساكنة.
وخرجت الجماعة الترابية لتطوان بتدوينة عبر حسابها على “الفيسبوك” تقول بأن أطر الجماعة كانوا جنودا مجندين يقدمون خدمات للمدينة، لكن الواقع والفيديوهات والصور التي انتشرت على نطاق واسع وعلى وسائل الإعلام الدولية والوطنية التي خصصت حيزا كبيرا للفيضانات التي أغرقت “الحمامة البيضاء” ودمرت نصف أحياء المدينة، تثبت عكس ما جاء في التدوينة، وهو ما دفع بالعديد من المواطنين للانتقاد الشديد لما ادعته بعض وسائل الإعلام من تدخل السلطات التي لم يكن لها وجود على أرض الواقع، بل تتبعت الأحداث عبر مواقع التواصل الاجتماعي فقط.
ويتساءل الرأي العام الوطني عن تحقيقات فيضانات الدار البيضاء ونتائجها، مرورا بكارثة طنجة والمسؤولين عنها، لتكون مرحلة ما بعد الأخيرة، في ظل غياب بلاغ وزارة الداخلية المعنية عبر عمالها وولاتها ورجال سلطاتها المعنيين في مثل هذه الكوارث الطبيعية وغيرها.