مسطرة جمع التبرعات.. إلتماس الإحسان العمومي
تبث بعض القنوات الفضائية المغربية وصلات إعلانية تتعلق بجمع التبرعات المالية لجهة أو جهات معينة، ويكون الهدف من جمع التبرعات النقدية صرفها في أجه البر والإحسان وتقديم المساعدات لمن هم في حاجة مساسة لتلك المساعدات.
ومبدئيا لا اعتراض على فعل الخير ومد يد المعونة (( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يراه))، ولكن و نظرا لما يحيط بحركة جمع الأموال ، والخوف من إستعمالها استعمالا غير مشروع، وضعف الرقابة على أوجه الصرف، فإن المشرع المغربي كان شديد الحرص على تنظيم عملية التماس الإحسان العمومي، ووضع قانونا صارما يجب احترام شروطه وبنوده تحت طائلة إنزال العقوبات الزجرية القاسية.
فهناك مسطرة قانونية ودقيقة يجب اتباعها قبل الشروع في جمع الأموال المتبرع بها، وهناك جهة إدارية أسند إليها المشرع النظر في قبول أو رفض الطلبات المتعلقة بإلتماس الإحسان العمومي.
تنظيم هذا النوع من التصرفات الإجتماعية كان لابد منه ، حتى لا يقفل باب إسداء المعروف، الذي هو من أهم مميزات المجتمع الإسلامي، من جهة ، ومن جهة أخرى حتى لا تبقى الأبواب مصرعة لجمع الأموال واستخدامها في أغراض تمس السلم الإجتماعي والأمن والطمانية.
وعلى هذا الاساس يجب أن يشار في الاعلان عن جمع الأموال إلى رقم وتاريخ المصادقة على الطلب من الجهة المختصة، ويطلع على ذلك المشاهدون و ليتيقنوا بأن العملية أخذت طابعها المشروع.
فلو فرضنا مثلا أن شخصا ساهم بمال تحت غطاء عمل إنساني، ثم تبين أن تلك الأموال استخدمت في عمليات تخريبية، فإنه سيكون مشاركا في الجرم، وسيجد صعوبات في إثبات حسن نيته وانتفاء قصده الجنائي.
إن القانون المتعلق بالتماس الإحسان العمومي يحمل رقم 004.71 بتاريخ 21 شعبان 1391 ( 12 نونبر 1971 ) ويحتوي على سبعة فصول.
والصل الأول صريح في أنه لا يجوز تنظيم الإحسان العمومي أو أو إنجازه أو الإعلان عنه في الطريق والاماكن العمومية أو بمنازل الافراد من طرف أي شخص وبأي وجه من الوجود إلا بإذن من الأمين العام للحكومة.
إذا، الأمين العام للحكومة حصريا هو المختص وحده بمنح ذلك الإذن ، فلا يقدم الطلب لوزير آخر، ولا إلى والي جهة من جهات المملكة ولا إلى عامل من عمال الآقاليم ولا إلى قائد مقاطعة أو الباشا.
وقد بينت الفقرة الثانية من الفصل الأول، المقصود والمراد بالتماس الإحسان العمومي، و كانت هذه الفقرة واضحة فيما يتعلق بالإشارة إلى رقم الإذن المنصوص عليه في الفقرة الأولى، وهذا هو الخرق الذي ترتكبه وسائل الإعلان بعدم الإشارة إلى رقم قرار الموافقة على جمع الأموال في إطار التماس الإحسان العمومي، و حتى يطمئن المشارك في تلك العملية و يتاكد من مشروعيتها.
أما الفصل الثاني فقد بين الجهة التي تتمتع بالإعفاء من الحصول على هذا الإذن، وهي جهة التعاون الوطني، وهذا الإعفاء مبني على كون الجهة المعفية، جهة خاضعة للرقابة والوصاية، وهي جهة وجدت أصلا لإحكام وتقوية روابط التعاون والتكافل والتضامن بين اعضاء المجتمع المغربي ن وينظم تلك الجهة الظهير الشريف رقم 1.57.099 الصادر في 26 رمضا 1376 ( 27 أبريل 1957 ) بإحداث التعاون الوطني,
وبما أن طلب إلتماس الإحسان العمومي، يحدد فيه المبلغ المراد جمعه والإكتتاب فيه، وسيستخدم من أجل تحقيق مصلحة عامة، فإن الفقرة الثانية من ذلك الفصل نصت على إقتطاع إجباري قدره 15./. من المحدد في الطلب وذلك لفائدة مشاريع ذات المصلحة العامة، أي حتى تتمتع مشاريع أخرى ومواردها غالبا ما تكون ضعيفة وهزيلة ، أن تتمتع بذلك الجزء المنجر من ذلك الإقتطاع
ويعهد لإدارة الجمارك والضرائب بمهمة استخلاص الإقتطاع المذكور.
وإلتماس الإحسان العمومي يجب أن تكون له صبغة وطنية مغربية محضة، ولا يقوم به الأفراد بصفة شخصية، ولا يسمح به لجهة أجنبية ، ومع ذلك يثير الفصل 4 من هذا القانون إشكلات لما جاء بصيغة عامة وورد فيه: لا يمكن أن يؤذن في التماس الإحسان العمومي الا للمشاريع أو الهيئات الموجود مقرها بالمغرب والمؤسسة بصفة قانونية.
فالمشرع في هذا الفصل ذكر المشاريع بصيغة العموم، وعليه، فقد تكون تلك المشاريع إجتماعية، أو ثقاقية ، أو فنية ، أو رياضية، واشترط المشرع أن يكون مقر الهيئات موجودا بالمغرب ومؤسسة أي مشكلة بصفة قانونية. والإشكالية هنا أن الهيئة قد يكون لها مقر في المغرب، ولكنها مؤسسة ومكونة من عناصر أجنبية.
نعتقد أن المشرع أخذ نوعا من الاحتياط لما ذكر أن تاسيس الهيئة يجب أن يكون قانونيا، أي الرجوع إلى القانون المنظم لتاسيس الجمعيات الصادر سنة 1958 لمعرفة مدى شرعية وقانونية وجود جمعية خيرية مشكلة من عناصر أجنبية؟.
فقد تتستر جمعية أجنبية بستار العمل الخيري، ولكن هدفها يمس ثوابت ومقدسات الأمة المغربية، كالجمعيات التي ترمي إلى حث طائفة معينة عن الإنسلاخ عن معتقداتها الدينية الإسلامية وتبني معتقدات مخالفة؟.
وبما أن جمع الأموال واستخدامها لأغراض غير مشروع إحتمال وارد، فقد نص المشرع على عقوبات زجرية ، منها عقوبات مالية ، ويجب إعادة النظر فيها نظرا لكونها عقوبة مالية غير رادعة، بحيث تتراوح العقوبة المالية بين 200 و 2.000 درهم فقط ، وعقوبة سجنية تترواح مدتها بين شهر وستة أشهر ويغرامة تتراوح بين 1.000 و 100.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبين فقط.
ونظرا لخطورة الأفعال التي يعاقب عليها هذا الفصل، فقد أصبح من الواجب أن تكون العقوبة هي السجن والغرامة، وحذف (( أو بإحدى هاتين العقوبيتن)).
هذا وإن المتابعة وإقامة الدعوى العمومية قد تقام ضد المدير المسؤول عن كل جريدة أو نشرة قام بنشر الإعلانات عن التماس الإحسان العمومي خلافا لما ورد في المقطع الثالث من الفصل الأول.
وهذا المقطع ورد فيه : (( إعلان أو إذاعة التماس للإحسان العمومي ولا سيما عن طريق الصحافة وتعليق الإعلانات والمنشورات ونشرات الاكتتاب او كانت موزعة بالمنازاو بأية وسيلة أخرى من وسائل الإعلام ولا يجوز إنجازه إلا إذا أذن في هذا الإلتماس وأشير في الإعلان إلى رقم الإذن المنصوص عليه في المقطع الأول أعلاه)).
وقد نشرت المواقع الإلكترونية، مساطر الترخيص بالتماس الإحسان العمومي، وكيف يقدم الطلب، والبيانات التي يجب أن يحتوي عليها الطلب، وكيفية دراسته
و الجهات الإدارية التي يوجه لها الطلب بعد الموافقة عليه.
كما نشرت تلك المواقيع أن الحكومة تشدد المراقبة على جمع الأمول بإسم الإحسان العمومي، نقلا عن جريدة الصحراء المغربية تاؤريخ 02/12/2010
وقرار رفض الطلب المتعلق بإلتماس الإحسان العمومي ، يجب أن يكون معللا طبقا لما ينص عليه الدستور وكذلك القانون المتعلق بتعليل القرارات سواء بالقبول أو الرفض، وفي حالة رفض القرار، فإن من يعنيه ألأمر أن يطعن فيه بإعتباره قرارا إداريا، أن يطعن فيه بناء على سبب وجيه من اسباب الطعن بالإلغاء في القرارات الإدارية أمام المحكمة الإدارية المختصة.
الأستاذ عبد الواحد بن مسعود من هيئة المحامين بالرباط