تحقيقات أسبوعية

متابعات | مخاطر غياب ثقافة التبرع بالدم في المغرب

عندما تتوقف الحياة على كيس دم

يعد الدم مادة حيوية مرتبطة بحياة الكثير من الناس الذين يحتاجون بشكل دائم لأكياس من الدم للبقاء على قيد الحياة أو في العلاج من المرض، حيث يكثر الطلب على مراكز تحاقن الدم، للحصول على الأكياس بشكل يومي على الصعيد الوطني، مما يجعل المخزون دائما في تراجع يتطلب المزيد من المتبرعين بشكل دائم قصد تغطية الطلبات المتكررة، والتي تتلقاها المراكز في جميع المدن المغربية.
فهناك العديد من المرضى الذين يجدون صعوبة كبيرة لشراء أكياس الدم والاستفادة من هذه المادة الأساسية للحياة، مما يدفعهم للبحث عن متبرعين قصد الحصول على أكياس الدم بشكل مجاني، لكنهم يعيشون معاناة حقيقية من أجل إيجاد الأشخاص الذين يقبلون الفكرة، فهناك الكثير من الناس يرفضون فكرة التبرع بالدم رغم أن المسألة عادية وليس لها أي تأثير على صحتهم، إلا أن المغربي دائما لديه مخاوف من المؤسسات، سواء المستشفيات أو مراكز تحاقن الدم للتبرع، أو المحاكم للإدلاء بالشهادة في قضية ما.
فقد وجهت العديد من مراكز تحاقن الدم في مختلف المدن المملكة مؤخرا، نداءات إلى المواطنين، عبر وسائل الإعلام لأجل المشاركة في حملات التبرع بالدم، وتقديم بعض القطرات من دمائهم لإنقاذ حياة أشخاص آخرين، يعيشون معاناة حقيقية مع عدة أمراض ويحتاجون لأكياس الدم للعلاج أو للاستشفاء.. فما هي وضعية مراكز الدم بخصوص المخزون؟ وهل هناك إقبال من قبل المواطنين على التبرع التلقائي بالدم؟ وما هي أنواع الأمراض التي تحتاج لأكياس الدم؟

ربورتاج: خالد الغازي

مخزون وطني محدود لأكياس الدم

    تقول خديجة الحجوجي، مديرة المركز الوطني لتحاقن الدم، أن المخزون حاليا يضم 3324 كيسا من الدم على الصعيد الوطني، ويتفاوت المخزون بين المراكز، خاصة بالنسبة للمدن التي تعرف تواجد المستشفيات الجامعية، بحيث تعرف بعض النقص، لاسيما في مدينة الدار البيضاء التي لا يتعدى مخزونها سوى يوم واحد فقط بسبب الطلب اليومي للأكياس، إذ أن العاصمة الاقتصادية لا تستطيع توفير مخزون كاف لمدة سبعة أيام وفق توصية منظمة الصحة العالمية، مضيفة أن معدل بنك الدم يختلف بين المدن بالنسبة للرباط من يومين إلى 3 أيام، وفاس نفس المعدل، فيما مدن أخرى لديها احتياطي يمكن أن يلبي الطلبات لمدة أطول، بينما المخزون الوطني قد يغطي من 3 إلى أربعة أيام فقط.

وكشفت أن حوادث السير وأمراض الدم كسرطانات الدم، وفي بعض الأحيان نزيف المرأة خلال الولادة، إلى جانب أمراض وراثية تحتاج لحقن الدم باستمرار كل ثلاثة أسابيع تقريبا، مثل مرضى “ثلاسيميا” وفقر الدم المنجلي، والذين يعانون من مشاكل في الكريات الحمراء وهم في حاجة ماسة إلى أكياس الدم بشكل مستمر من أسبوعين إلى ثلاثة مدى الحياة.

وأوضحت الحجوجي، أن الطبيب يطرح عدة أسئلة على المتبرع، ثم يخضعه لفحص طبي ولقياس الضغط الدموي، ثم يقرر حسب حالته الصحية هل يسمح له بالتبرع، أم أن هناك موانع تحرمه من التبرع، مبرزة أن كيس دم المتبرع ينقل إلى المختبر ويخضع لتحاليل مخبرية حول مرض السيدا ومرض الكبد الفيروسي، ثم يقسم الكيس إلى ثلاث مكونات: بلازما، كريات الدم الحمراء، والصفائح.

وقالت بأن الاستراتيجية التي يعتمد عليها المركز الوطني تتمثل في تقديم الخدمة للمواطنين قصد التبرع، من خلال وضع وحدات ونقط للتبرع خاصة في المدن، وتوفير شاحنات متنقلة قرب المواطنين لتحفيزهم على التبرع عوض التنقل إلى المراكز، إلى جانب تعزيز الموارد البشرية والأطر وتوفير المعدات والتجهيزات اللازمة، مشيرة إلى أن الفرق المتنقلة تقوم بزيارات إلى مؤسسات ووزارات ومصانع ومساجد، لكن في فترة الجائحة، هناك تراجع بسبب منع التجمعات والإجراءات الاحترازية، إلى جانب انشغال المواطنين بحملة التلقيح وعدم تفكيرهم في التبرع بالدم، مما يؤثر على المخزون وبنك الدم على الصعيد الوطني.

وأكدت الحجوجي وجود اتفاقيات شراكة مع وزارة الأوقاف للقيام بحملات بالمساجد، ومع وزارة التربية الوطنية ومع وزارة الداخلية، بحيث مكنت من تنظيم حملة وطنية عرفت مشاركة رجال السلطة، والشرطة، والدرك والقوات المساعدة، مشيرة الى وجود صعوبات في ظل الجائحة لتوسيع الحملات داعية المواطنين الى التبرع بالدم لإنقاذ حياة أناس آخرين.

حياة مريض رهينة بكيس من الدم

    يعد مرضى “الثلاسيميا” من الفئة التي تعيش معاناة حقيقية بسبب تكاليف العلاج المرتفعة والتي تتطلب مصاريف مدى الحياة، إلى جانب ضغوطات نفسية ومشاكل اجتماعية، بحيث يعتبر هذا المرض من الأمراض التي تتطلب إنتاج كريات دم حمراء، مما يفرض على المصاب أن يخضع لمواكبة طبية مدى الحياة.

فالأشخاص المصابون بهذا المرض يواجهون صعوبات خلال العلاج، بحيث تتضاعف معاناتهم بين التنقل إلى مستشفيات الرباط والدار البيضاء، في ظل غياب إمكانية تلقي العلاج بباقي المدن، والبحث عن أكياس الدم في مراكز تحاقن الدم قصد البقاء على قيد الحياة.

وبسبب قلة مخزون الدم في المراكز التي تعاني من الخصاص ولا تكفي لسد الحاجيات ومتطلبات المستشفيات، بسبب قلة إقبال المواطنين على التبرع بالدم، يجد مرضى “الثلاسيميا” أنفسهم أمام تحد آخر، وهو البحث عن مواطنين يتبرعون لهم شهريا، قصد الحصول على أكياس الدم مجانية من مراكز تحاقن الدم للحفاظ على حياتهم.

حسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية، فعدد مرضى “الثلاسيميا” في المغرب يصل لثلاثة آلاف مريض، يحتاج كل واحد منهم إلى 34 كيسا من الدم سنويا، ويحتوي كل كيس من الدم على 200 مليغرام من الحديد، حيث تظل حياة المرضى تحت رحمة أكياس الدم المتوفرة في مراكز تحاقن الدم، مجبرين على الانتظار لأيام قصد الحصول على كيس واحد إذا كانت فصيلة دمهم نادرة.

وفي هذا السياق، يقول البروفيسور محمد الخطاب، رئيس مصلحة أمراض الدم والأورام بمستشفى “ابن سينا” بالرباط، أن المريض المصاب بـ”الثلاسيميا” لا يمكن أن يعيش بدون حقن الدم له، لذلك فالتبرع بالدم ضروري، موضحا أن المريض لا يتوفر على كريات حمراء سليمة لنقل الأوكسجين وتوزيعه على الجسم، لأن جسمه لا يقوم بصنعها لأسباب جينية، لذلك، فإنه يحتاج للتزود بهذه الكريات السليمة عبر التبرع بالدم الذي أصبح ضروريا ومؤكدا لمساعدة هؤلاء المرضى.

وأكد البروفيسور الخطاب على أن مريض “الثلاسيميا” مجبر على أخذ أكياس الدم مرة أو مرتين في الشهر على مدى الحياة، لأن الكيس الذي يتزود به المصاب لا يمكن أن يظل في جسمه أكثر من شهر، وهو معدل حياة الكريات الحمراء التي يأخذها عبر التبرع، مبرزا أن الإحصائيات التي قاموا بها كشفت أن كل مصاب أو مريضة مصابة بـ”الثلاسيميا”، عليها زيارة المستشفى 17 مرة في السنة للتزود بأكياس الدم كل ثلاثة أو أربعة أسابيع، وإذا لم تأخذه بشكل منتظم، تحصل مضاعفات لها صحية وخيمة يمكن أن تؤثر على الشخص المصاب بهذا المرض.

وأوضح أن المصابين بـ”الثلاسيميا” يأتون في الدرجة الأولى بالنسبة للمرضى الذين يحتاجون لأكياس الدم، ثم يليهم نوع من مرضى فقر الدم لدى الكبار، الذين يكون لديهم خلل في صنع الكريات الحمراء، إلى جانب بعض مرضى سرطان الدم الذين يتأثرون بسبب الأدوية الكيماوية فيكونوا في حاجة ماسة للتزود بالكريات الحمراء لمدة 6 أشهر أو سنة أو سنتين، مشيرا إلى أن مرضى “الثلاسيميا” وفقر الدم المنجلي، يحتاجون للدم طول الحياة، لأن هذه الأمراض مزمنة.

ثقافة التبرع غائبة لدى الناس

    كثير من الناس يخشون من الانخراط في حملات التبرع بالدم لأسباب مجهولة وغامضة، حيث تسود حساسية لدى الغالبية للانخراط في هذه الحملات والتوجه إلى مراكز تحاقن الدم لتقديم كيس دم لفائدة إنسان آخر في حاجة ماسة له، لكي يظل قيد الحياة بعد حادثة سير مروعة، أو يواصل علاجه من المرض الذي يعاني منه، سواء سرطان الدم، أو فقر الدم، أو “الثلاسيميا”.

في مدخل المركز الوطني لتحاقن الدم بالعاصمة، بعض الأفراد ينتظرون دورهم في باحة الاستقبال، لأجل دخول المركز والتبرع بالدم بشكل تلقائي، وذلك وسط تطبيق الإجراءات الاحترازية الوقائية والتباعد بين الأفراد، بينما في مدخل المركز يوجد رجل أمن خاص يقوم بتسجيل أسماء الوافدين قبل وصولهم إلى فضاء الاستقبال.

محمد، طالب جامعي من بين الأشخاص المتبرعين، أكد أنه جاء لمركز تحاقن الدم من أجل التبرع بشكل تطوعي، لأن التبرع بالنسبة له ثقافة يجب أن تسود في المجتمع، لأن هناك أشخاصا في حاجة ماسة لهذه المادة الحيوية، التي يحتاجها ضحايا حوادث السير ومرضى فقر الدم أو أمراض أخرى، معتبرا أنه قام بمبادرة نبيلة تلقائية دون مقابل، وذلك لمساعدة أشخاص آخرين لا يعرفهم بغية كسب الأجر والثواب، بينما قال سعيد، أن التبرع بالدم مسألة عادية لا ضرر فيها، وهي فرصة لمعرفة فصيلة الدم والاستفادة من بعض التحاليل، وأيضا فرصة لفعل الخير ومساعدة مرضى آخرين، داعيا المواطنين إلى التوجه لمراكز الدم والتبرع بدمائهم لنزلاء المستشفيات، لأن الكثير منهم لا يجدون هذه المادة في بعض الأيام بسبب نقص المخزون.

وقالت سيدة أخرى أنها تأتي لكي تتبرع بالدم في المركز منذ أن تعرض زوجها لوعكة صحية، حيث اضطرت للبحث عن متبرعين آخرين من شباب ونساء لكي تحصل على أكياس للدم مجانية من المركز لفائدة زوجها، مؤكدة أن هذه الطريقة نبيلة وجيدة بالنسبة للمواطنين جميعا، لكي يستفيدوا من أكياس الدم عند الحاجة أو لفائدة أحد أفراد العائلة في حالة المرض، بالإضافة إلى أن المتبرع يستفيد من نتائج التحاليل المخبرية التي تجرى على دمه.

محمد شروق، فاعل جمعوي من الدار البيضاء، يؤكد أن ثقافة التبرع بالدم محتشمة في المجتمع المغربي، رغم المجهودات التي تقوم بها جمعيات المجتمع المدني ونداءات مراكز تحاقن الدم، إلا أن إقبال المواطنين يكون ضعيفا مقارنة مع بلدان عربية أخرى، حيث تعتبر ثقافة التبرع بالدم منتشرة في المؤسسات التعليمة والإدارات وفي أوساط الشباب، مؤكدا على ضرورة التحسيس وتوعية الناس بأهمية التبرع بالدم، لأن العديد من المرضى يعيشون معاناة حقيقية من أجل التزود بكيس من الدم والانتظار لعدة أيام.

 

غلاء الأكياس يثقل كاهل المرضى

    أكياس الدم يتراوح ثمنها ما بين 350 إلى 400 درهم في المستشفيات، حيث يتم اقتناؤها من مراكز تحاقن الدم بأثمنة تفضيلية ويتم بيعها بثمن مضاعف للمحتاجين.

الكثير من المواطنين يضطرون لدفع مبالغ مالية كبيرة تصل في بعض الأحيان إلى ألفي درهم وأكثر للمصحات أو المستشفيات لأجل الحصول على أكياس الدم لفائدة أحد أقربائهم الذي يكون ضحية حادثة سير أو حادث آخر، حيث يتضاعف ثمن الدم في المصحات والمستشفيات.

أشخاص كثر يعانون من التكاليف الباهظة لأكياس الدم، لعدم توفرهم على “الراميد”، مثل مرضى “الثلاسيميا”، والذين يؤدون مبلغ 520 درهما للكيس الخاضع للمعالجة والتصفية، قصد التزود بالكريات الحمراء فقط، إذ من المفروض على كل مريض أو مريضة التزود بثلاثة أكياس من الدم كل 21 يوما أو خلال 15 يوما فقط، طيلة السنة، بمبلغ 1600 درهم شهريا تقريبا، مما يرفع المبلغ إلى  مليوني سنتيم في السنة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى