تحقيقات أسبوعية

متابعات | مؤشرات جائحة جامعية بعد إغلاق الأحياء الجامعية

الهدر الجامعي في زمن "كورونا"

وجد العديد من الطلبة والطالبات أنفسهم محرومين من اجتياز الامتحانات الشتوية في مختلف جامعات المملكة، مثل الدار البيضاء والرباط وفاس وتطوان وأكادير، حيث اضطر العديد منهم للتوقف عن الدراسة، ومقاطعة الامتحانات، بعدما أقدمت الوزارة الوصية ووزارة الداخلية، على إغلاق الأحياء الجامعية، وحرمان الآلاف منهم من مواصلة التحصيل العلمي، مما اضطر البعض منهم للبحث عن منازل للكراء بأثمنة باهظة جدا وسط الأحياء الشعبية، فيما فضل آخرون مقاطعة الامتحانات لهذه السنة، بسبب الظروف الاجتماعية والمادية التي لا تساعدهم على تحمل مصاريف الإقامة والتغذية وشراء الكتب والمراجع.

إعداد: خالد الغازي

    لقد ظلت الأحياء الجامعية منذ عقود، هي الفضاءات المحتضنة للطلبة من الأوساط الاجتماعية المتوسطة والهشة، إذ توفر لهم الاستقرار والتركيز حتى يواصلوا مشوارهم الدراسي بالإمكانيات المادية المتاحة، واستثمار المنحة في التغذية وشراء الكتب وتوفير الأنترنيت قصد إنجاز البحوث والعروض المطلوبة. فكيف يعيش الطلبة والطالبات هذه الفترة؟ وما هي الإكراهات والصعوبات التي تعتريهم في ظل جائحة “كورونا”؟ هل هناك أحياء أخرى مفتوحة أمام الطلبة؟ وما هي تبريرات الوزارة الوصية؟ ولماذا يتم فتح الأحياء أمام طلبة الدول الإفريقية جنوب الصحراء لمواصلة دراستهم؟

قضية الأحياء الجامعية خلقت نقاشا حادا في وسائل التواصل الاجتماعي، ووصلت إلى قبة البرلمان، بسبب الظروف الصعبة التي يتخبط فيها الطلبة أبناء الطبقة الفقيرة، والذين ينحدرون من أوساط قروية ونائية، أو من الأقاليم الجنوبية، الذين وجدوا أنفسهم بلا مأوى، بعدما أغلقت الأحياء الجامعية بقرار من الوزارة الوصية والحكومة، دون أن تأخذ بعين الاعتبار الظروف الصعبة والمعاناة التي يعيشها الطلبة والطالبات من أجل مواصلة الدراسة، والحصول على المحاضرات والدروس واجتياز الامتحانات في ظروف جد صعبة، بسبب انعدام الإقامة وعدم تمكن الكثير منهم من الحصول على غرفة في أحد المنازل، أو في الإقامات الجامعية الخاصة، التي تتطلب من الطالب أو الطالبة إمكانيات مادية مهمة لأجل الحصول على غرفة مع الطلبة الآخرين.

معاناة الطلبة مع غلاء سومة الكراء

     الكثير من الطلبة الصحراويين والقاطنين في مدن بعيدة لا توجد بها كليات أو ملحقات، يعيشون معاناة كبيرة بعد قرار الوزارة إقفال الأحياء الجامعية أمامهم، بينما تركت الطلبة الأجانب من دول جنوب الصحراء، مقيمين فيها رغم جائحة “كورونا”، دون مراعاة الظروف المادية للطلبة المغاربة، وفترة الامتحانات، حتى يسمح لهم باجتيازها والاستعداد لها في أجواء مريحة، إلا أن الكثير من الطلبة والطالبات لجئوا إلى الكراء مع طلبة آخرين، لتجنب الهدر الجامعي أو سنة بيضاء.

وفي هذا الموضوع، تقول حورية، طالبة جامعية تنحدر من الأقاليم الجنوبية، أنها وجدت نفسها أمام تحد كبير وصعوبات رفقة زميلاتها لأجل الحصول على منزل للكراء، بعدما قررت الوزارة إغلاق الأحياء الجامعية أمام الطلبة القادمين من الأقاليم الجنوبية، وظلت تبحث عن غرفة، أو مشاركة إحدى الطالبات في غرفة بأحد الأحياء القريبة من الكلية، مضيفة أن السومة الكرائية في هذه الأحياء الشعبية أصبحت باهظة جدا، بسبب ارتفاع الطلب من قبل الطلبة الذين وجدوا أنفسهم مضطرين لتحمل مصاريف الكراء قصد استكمال السنة الدراسية.

وأكدت المتحدثة، أن الوزارة لم تراع الظروف الاجتماعية للطلبة القادمين من الجنوب، وكان عليها فتح الأحياء أمامهم خلال فترة الامتحانات التي تمتد لـ 15 يوما، أو في فترة الامتحانات المقبلة في شهر أبريل، وذلك لتخفيف العبء المادي وكثرة المصاريف، التي تثقل كاهل عائلاتهم، مشيرة إلى أنها اضطرت إلى كراء منزل رفقة طالبات أخريات، لأجل اجتياز فترة الامتحانات الشتوية التي تعد فترة مهمة لاجتياز الامتحانات النهائية في آخر السنة بنفسية مريحة.

بدورها، قالت نجلاء، طالبة قادمة من مدينة العيون، أن قرار إغلاق الأحياء الجامعية من قبل المسؤولين والسلطات، كانت قرارات مجحفة في حق آلاف الطالبات والطلبة، لأنها وضعتهم أفي صلب مشاكل مادية واجتماعية، بحيث اضطر الكثير من الطلبة من الأقاليم الجنوبية لعدم اجتياز الامتحانات الجامعية خلال هذه الفترة، بسبب إشكالية الإقامة والتغذية والتنقل، موضحة أن المنحة الجامعية التي تتلقاها والتي لا تتجاوز 1800 درهم، لا تكفي لكراء غرفة في منزل بحي القامرة بالرباط، مطالبة بدورها المسؤولين في الوزارة والحكومة، بإعادة فتح الأحياء الجامعية للطلبة بطاقة استيعابية محدودة، والسماح للمتضررين  والقاطنين في مدن ومناطق بعيدة للاستفادة منها خلال فترة الامتحانات.

وأضافت نجلاء، أن الوزارة مطالبة بمراجعة قرار الإغلاق وفتح أبواب الأحياء الجامعية لفائدة الطلبة الصحراويين والقادمين من مدن بعيدة، حتى يتمكنوا من إتمام دراستهم واجتياز امتحاناتهم التي تتطلب الإقامة ومصاريف لعدة أيام، مؤكدة أن الكراء ليس في استطاعة جميع الطالبات، حيث يصل ثمن الغرفة الواحدة فقط ألف درهم، بينما يصل ثمن شقة صغيرة مكونة من غرفتين إلى 3500 درهم.

طالبات بدون مأوى

     كثيرة هي حالات الطلبة الذين اضطروا للبحث عن إقامة مؤقتة قصد مواصلة دراستهم الجامعية، لاسيما خلال فترة الامتحانات الحالية، وليلى طالبة من مدينة كلميم، وجدت صعوبة في كراء غرفة بأحد المنازل، ولحسن حظها وجدت منزل زميلتها مفتوحا أمامها حتى تمر فترة اجتياز الامتحان، بينما عدة طالبات اضطررن للعودة إلى بيوتهن بعدما وجدن صعوبات في الحصول على غرفة فقط في أحد منازل الكراء، مما حرمهن من اجتياز الامتحانات مع بداية السنة الجديدة. وتقول ليلى في هذا الشأن: “لا نطلب غير الإقامة والمأوى في الحي، باش نتهنى من غلاء التنقل والأسعار وسومة الكراء، كاين بزاف البنات من الأقاليم الجنوبية يعشن نفس الصعوبات، عندي صديقات كثار ميقدروش على مصاريف الكراء والتنقل، نطلب فقط فتح الحي الجامعي للإقامة”.

بسبب الإغلاق، قرر العديد من الطلبة في عدة أحياء جامعية، الاعتصام وخوض اضراب مفتوح، مطالبين بتسوية وضعيتهم ورفع المعاناة والضرر الذي لحقهم جراء قرارات الوزارة الوصية، والتي لا تتماشى مع الظروف الاجتماعية التي تمر منها الأسر والعائلات المغربية بسبب جائحة “كورونا”، والتي تسببت للملايين من المغاربة في أزمة مادية وبطالة نتيجة توقف أعمالهم، وفي بعض الأحياء شبه إفلاس بسبب الضائقة، مما جعل هذه الأسر غير قادرة على تحمل تكاليف ومصاريف أبنائها الطلبة.

إحسان هي الأخرى طالبة اضطرت للانقطاع عن الدراسة والتوقف بسبب عدم قدرتها على تحمل المصاريف خارج الحي الجامعي، لأن أسرتها فقيرة ومحدودة الدخل، كانت تستفيد من الحي الجامعي وتواصل دراستها، لكنها، حسب إحدى صديقاتها، قررت التوقف عن الدراسة لأسباب مادية واجتماعية مترتبة عن قرار إغلاق الأحياء الجامعية، مؤكدة أن العديد من الطالبات اللواتي ينتمين لمدن بعيدة مثل الخميسات ومكناس والراشيدية، توقفن عن الدراسة، بسبب عدم قدرتهن على تحمل مصاريف التنقلات والكراء.

تهديد مستقبل الطالبات والطلبة بدعوى “كورونا”

مشاكل متعددة للطلبة

     الكثير من الطلبة رفعوا شعارات في العديد من الجامعات يطالبون بفتح الأحياء الجامعية أمامهم، وإتاحة الفرصة لهم لمواصلة تحصيلهم الدراسي في ظروف ملائمة ووفق الإجراءات الاحترازية المطلوبة، خاصة وأن الغالبية منهم ينتمون لأسر وعائلات محدودة الدخل أو تعتمد على النشاط غير المهيكل، معتبرين أن قرارات الحكومة قاسية في حقهم ولها تأثير على مستقبلهم العلمي، ومستواهم الدراسي، بعدما كانوا متفوقين في السنة الفارطة، لكنهم وجدوا أنفسهم أمام جملة من المشاكل والإكراهات.

العربي الزعيم، واحد من الطلبة النشطاء في أحد الأحياء الجامعية، وجد نفسه مضطرا للكراء بعد إغلاق الحي الجامعي، يرى أن قضية السكن صعبة على الطلبة الذين اعتادوا على الإقامة في الأحياء الجامعية، لأن ثمن الكراء يوفر للطالب سيولة مادية يستثمرها في شراء الكتب والمراجع والكثير من المتطلبات والحاجيات، معتبرا أن إغلاق الحي الجامعي في ظرفية “كورونا”، رغم أنه إجراء وقائي لتفادي انتشار العدوى، لكنه سبب للطلبة معاناة ومشاكل اجتماعية كبيرة، فبينما هناك طلبة يستطيعون تدبير أمورهم ومسايرة الظروف، لا يجد آخرون ما يأكلون ويضطرون للتجول على بيوت الطلبة من أجل سد الرمق بسبب الفقر والظروف الصعبة.

وأكد نفس المتحدث، أن قرار الإغلاق حرم الكثير من الطلبة من مواصلة دراستهم، وليس في استطاعتهم القدوم إلى جامعاتهم وتحمل تكاليف الكراء والتغذية، لأن الغالبية ينتمون لأسر محدودة الدخل، بحيث أن الكثير من الطلبة يضطرون للبحث عن مأوى أو المبيت عند أصحابهم ليومين فقط أو ثلاثة أيام ثم يعودون لمنازلهم، لأنهم لا يتوفرون على المال الكافي لإعداد الوجبات (الفطور، الغذاء والعشاء) والتنقلات، بالإضافة إلى تكاليف أخرى متمثلة في السومة الكرائية وفواتير الماء والكهرباء والأنترنيت.

وأضاف الطالب العربي الزعيم، أن الوزارة لم تأخذ بعين الاعتبار هذا الجانب الإنساني، خاصة وأن الطلبة مطالبون بإعداد عروض والتي تتطلب البحث عن كتب ومراجع في المكتبات، وهذه الواجبات تلزم الطالب بالتنقل إلى المدينة حيث توجد الكلية التي يتابع فيها دراسته، والإقامة لأيام، لتحقيق الغرض، لأن الدراسة عن بعد لا تساعد الطالب في إنجاز البحث، لأن مراجع القانون مثلا، غير متاحة في موقع “غوغل” وتتطلب البحث عن كتب ومؤلفات، زد على ذلك، أن الكتب غالية الثمن، إذ تتراوح بين 90 درهما و120 درهما.

واعتبر العربي أن معاناة الطالبات أكثر من الطلبة الذكور، لكون الطالبة تحتاج إلى الأمان والعيش وسط عائلة أو أسرة، وقليل من الطالبات اللواتي يستطعن العيش في دور الكراء مع شابات أخريات، بالإضافة إلى حاجياتهن الضرورية من فطور وغذاء ولوازم أخرى وتنقلات، بخلاف الطالب، الذي قد يتحمل الظروف والركوب في الحافلات، والذهاب إلى الكلية مشيا لمسافة طويلة، حتى يوفر بعض المال لشراء مراجع أو أطروحة تنفعه في البحث.

القضية تصل للبرلمان

     وصلت معاناة الطلبة، بعد قرار إغلاق الأحياء الجامعية، إلى البرلمان، حيث اعتبر الفريق الاشتراكي أن قرار استمرار إغلاق الأحياء الجامعية المتخذ ضمن تدابير احتواء فيروس “كورونا”، تسبب في أزمة لآلاف الطلبة المغاربة الذين وجدوا أنفسهم بدون مأوى مع انطلاق الدروس الحضورية بمجموعة من الكليات والمعاهد التابعة للجامعات المغربية.

وقالت البرلمانية حنان رحاب، عضو الفريق الاشتراكي، أن “هذا الإغلاق يضيع على أعداد من الطلبة فرصة متابعة دروسهم، ويهددهم بالتخلي عن متابعة دراستهم العليا، ويزيد من معاناة أسرهم بسبب أثمنة الكراء المبالغ فيها”، مطالبة الوزير أمزازي، بـ”الكشف عن الإجراءات والتدابير التي ستتخذها الوزارة لإعادة فتح الأحياء الجامعية في وجه الطلبة، ثم عن الحلول البديلة لإعادة فتحها على الأقل في وجه الطلبة البعيدين عن مدنهم الأصلية”.

بدوره انتقد البرلماني محمد أشرور، قرار الوزارة قائلا: “إن استمرار إغلاق الأحياء الجامعية في مختلف مدن المملكة، خلف حالة من التذمر والاستياء في صفوف الطالبات والطلبة وذويهم، وخاصة الذين يقطنون بعيدا عن المدن الجامعية، وكذا طالبات وطلبة المعاهد والكليات ذات الاستقطاب المحدود الذين يتابعون دروسهم بشكل حضوري”، وأكد أن أغلب الطلبة وجدوا أنفسهم بدون مأوى أمام ارتفاع تكاليف الكراء والمعيشة التي أثقلت كواهلهم، وهو ما يهدد بعضهم بالتخلي عن دراستهم الجامعية، وبالتالي، فتح الباب على مصراعيه أمام ارتفاع نسبة الهدر الجامعي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى