روبورتاج

روبورتاج | كيف عاقبت فرنسا المغرب بعد اختطاف المهدي بنبركة سنة 1965

     العقوبات الفرنسية الاقتصادية، إضافة إلى السياسة تكون مرتبطة بالأزمات التي تحصل مع المغرب، ولن تكون الأزمة الحالية بشأن مدير الديسطي، الحموشي دون خسائر..

وها هي “الأسبوع” تنشر وثيقة فرنسية بتاريخ 18 أبريل 1966 في أعقاب الأزمة التي واكبت اختطاف الزعيم المهدي بنبركة بباريس.

 

تتمة المقال بعد الإعلان

سياق أهم أزمة في العلاقات المغربية الفرنسية

 

لقد كتف المهدي بن بركة من نشاطاته بعد أحداث 23 مارس 1965، بل وأصبح الرجل مقتنعا تمام الاقتناع بضرورة تحول حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية إلى أداة ثورية. وما يدل على تحول فكر الرجل بوضوح أنه كتب يوم 7 يونيو 1965 نصا بعنوان “حصيلة كارثية للوضعية الاقتصادية والاجتماعية لسنة 1965”. ولم يكتف الرجل بذلك، بل أخذ يقوم بأنشطة دولية لها أكثر من دلالة، ومنها الإعداد لمؤتمر القارات الثلاث الذي كان موضوع الساحة الدولية في تلك المرحلة، وتحول الرجل إلى شخصية مرموقة، واستقبل في أكثر من دولة بحفاوة. وفي خضم نشاطه جاء وعلى حين غرة نبأ اغتياله في باريس مساء 30 أكتوبر 1965.

تتمة المقال بعد الإعلان

لقد أحدث اغتياله أزمة خطيرة في العلاقات المغربية الفرنسية، وهي التي تعتبر أخطر أزمة بين البلدين منذ استقلال المغرب وإلى الآن، حيث هاجم الجنرال دوغول الحسن الثاني مباشرة، بسبب شناعة الجريمة التي تورط فيها النظام المغربي على أرض فرنسا، واعتبر دوغول يومها أن فرنسا تحولت إلى مسرح لتصفية الحسابات الداخلية بين المغاربة. وقد كانت العلاقات المغربية الفرنسية تطفو عليها مسبقا أزمة ناتجة عن قرار النظام المغربي باسترجاع أراضي المعمرين الفرنسيين بالمغرب. وقد نتج عن هذه الأزمة استدعاء فرنسا لسفيرها بالمغرب، ودخلت العلاقات بين البلدين في مرحلة من الجمود، ونحن نريد معرفة كيفية تعامل الفرنسيين مع هذه الأزمة؟ خاصة وأن البلدين تجمع بينهما علاقات اقتصادية مترابطة ومتداخلة قد يتأثر من جراء انقطاع العلاقات الفرنسيين أكثر من المغاربة. وهذا ما نكتشفه من خلال هذه الوثيقة.

هذه الوثيقة من وثائق الدبلوماسية الفرنسية، وهي عبارة عن مذكرة رفعتها مديرية شؤون إفريقيا الشمالية (وهي عبارة عن مكتب أبحاث تابع لوزارة الخارجية الفرنسية يضم خبراء فرنسيين حول قضايا شمال إفريقيا) إلى وزير الخارجية الفرنسي، تحمل عنوان “حول مشروع المساعدات للمغرب“، وهي مؤرخة بـ18 أبريل 1966، ومصدرها باريس.

 

المساعدات الاقتصادية وسيلة من وسائل التغلغل الاقتصادي الفرنسي

 

يشير أصحاب التقرير وهم مسؤولون فرنسيون كبار، بأنه بعد استقلال المستعمرات عن فرنسا كانت المساعدات الاقتصادية التي هذه الأخيرة تشكل دائما أداة أو وسيلة مفضلة للتغلغل الاقتصادي. وتشير الوثيقة إلى أن معظم المشاريع التي تقوم على هذا الأساس تكون على المدى الطويل، وتكون بطريقة منظمة ولها أهداف محددة تخدم الاقتصاد الفرنسي. فمثلا المساعدات العسكرية تعتبر ضرورية لإحداث تراكم وحركية ومجال حيوي في كثير من خطوط الإنتاج بالنسبة للصناعة الفرنسية. أما المساعدات المدنية، فحسب أصحاب التقرير فهي تضمن لفرنسا في كل سنة حق الاحتكار والاستفراد بالمشاريع الاقتصادية الجديدة، التي تطرحها الدول التي تقدم لها فرنسا مساعدات اقتصادية.

 

تخوف فرنسا من اتجاه المغرب نحو الولايات المتحدة الأمريكية

 

لماذا تسعى فرنسا إلى أن تبقى هي المالكة لحقوق تقديم مساعدات اقتصادية للمغرب، وتقدم له مساعدات مالية ضخمة؟ ولماذا سعت لمنافسة دول عظمى كأمريكا من أجل أن تبقى هي الدولة الوحيدة التي تنعم على المغرب بالمساعدات الاقتصادية؟ ولماذا تخوفت فرنسا في شخص مسؤولين كبار من تخلي المغرب على الاستعانة بمساعداتها الاقتصادية؟

تحمل الوثيقة في كل فصولها توجيهات واقتراحات بخصوص التطورات الأخيرة الناتجة عن التوتر في العلاقات المغربية الفرنسية، بسبب قضية المهدي بن بركة، ومدى انعكاسها سلبا على فرنسا من الناحية الاقتصادية والسياسية، إذ تنبه هذه الوثيقة إلى أنه من الممكن في المستقبل القريب، أن يسعى المغرب تدريجيا إلى تفضيل المساعدات الخارجية من دول أخرى على المساعدات الفرنسية، وبالتالي فإن فرنسا هي الخاسر لا محالة حيث ستخسر تبعية المغرب لها، وتشير الوثيقة إلى أن بوادر اتجاه المغرب صوب بعض القوى العظمى واضح، وهو ما تأكد بجلاء حيث اتجه المغرب في تلك المرحلة نحو التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية.

 

ضرورة الحفاظ على النفوذ المعتاد للصناعة الفرنسية في المغرب

 

أما بخصوص وضعية المغرب، فإن أصحاب التقرير يلحون ورغم تلك الأزمة فإنه “من الضروري أن نحافظ في المغرب على الأدوات والوسائل المعتادة للتدخل الاقتصادي” وكذلك “ضرورة الحفاظ على النفوذ المعتاد لصناعتنا في المغرب”. كما ألحوا على أنه من الضروري إعادة تشغيل آلية المساعدات بنوعيها الحرة والمشروطة الممنوحة للمغرب، والتي انقطعت منذ توتر العلاقات بعد مقتل المهدي بنبركة. حيث شددوا على أنه من شأن ذلك أن يجعلهم يدفعون أو يشجعون الحكومة المغربية إلى الاعتدال في سياستها، تجاه الرعايا الفرنسيين بالمغرب وذلك بعدما قرر المغاربة استعادة أراضي الاستعمار الرسمي والخاص. ورأى أصحاب التقرير أنه من شأن استمرار حركة المساعدات الاقتصادية أن يضمن لفرنسا حق الاستفادة من قضية المعمرين الفرنسيين المطرودين الذين انتزعت منهم أراضي الاستعمار الخاص والرسمي. وقد اعتبروا أن من شأن تقديم حزمة من القروض أن يطمئن الحكومة المغربية، التي كان قد بدى لفرنسا من مواقفها أنها تسعى لجعل فرنسا تعتقد أن المغرب على الأقل لن يغير موقفه بخصوص الاستمرار في عملية استرجاع أراضي المعمرين الفرنسيين. وعلى هذا الأساس أكد أصحاب التقرير على ضرورة استمرار المساعدات الاقتصادية الفرنسية للمغرب.

 

تحالف الملك مع بعض الأحزاب السياسية يضر بمصالح فرنسا في المغرب

 

أكد أصحاب التقرير بأن هناك العديد من الدلائل قد تجعل تطور الأمور يتخذ منحى آخر بالنسبة للمغرب، ولعل أبرزها أن الحسن الثاني يواجه صعوبات متنامية من جراء الحكم المطلق الذي صار يمارسه ابتداء من الإعلان عن حالة الاستثناء، حيث صار الحل الوحيد الممكن له حسب أصحاب التقرير هو المفاوضة والانفتاح على الاتحاد المغربي للشغل، أو الاتحاد الوطني للقوات الشعبية من أجل إشراكهم في الحكومة، ولم يخف أصحاب التقرير تخوفهم من نتائج تحالف الملك مع هذه التنظيمات السياسية، حيث لمحوا إلى أنه في حال صعود الاتحاد المغربي للشغل، أو الاتحاد الوطني للقوات الشعبية إلى السلطة فلا شك أنهم سيحصلون من الملك على بعض التنازلات السياسية، والتي حسب أصحاب التقرير من الممكن أن تكون على حساب نفوذ فرنسا أو ليست في مصلحتها، حيث قد يتعلق الأمر بقرارات تؤثر في الحضور والتغلغل الثقافي الفرنسي في المغرب بالدرجة الأولى، فمثلا من شأن صعود تلك الأحزاب إلى السلطة أن يحد من سياسة وقوة الإخوة بنهيمة، والجنرال أوفقير الذين يسعون إلى الحد من سياسة التعريب وعرقلتها، وهو ما اعتبره أصحاب التقرير يخدم مصلحة فرنسا ومن شأن صعود تلك الأحزاب أن يجعل سياسة التعريب تعود إلى مسارها وهو ما يضر بمصالح فرنسا الثقافية بالمغرب. كما رأى أصحاب التقرير أن من شأن صعود تلك الأحزاب إلى السلطة أن يجعل النظام المغربي يشرع في برنامج جديد يتعلق باسترجاع أراضي الاستعمار الخاص والرسمي، وهو الذي يبقى المطلب الأول لحزب الاستقلال. ولهذا أكدوا مرة أخرى على ضرورة تسريع عملية عودة المساعدات الاقتصادية لتتيح للملك هامشا آخر للمناورة من جديد.

توصيات حول كيفية تقديم المساعدات الاقتصادية

 

وإذا أعطي الضوء الأخضر لاستمرار المساعدات الممنوحة، فمن الواضح أنه ينبغي إجراء العملية في تكتم وعلى مستوى الخدمات فقط، كما ألحوا على أن الجدول الزمني لهذه المساعدات يجب أن يأخذ في أي حال من الأحوال اعتبار تطور قضية المهدي بنبركة من الناحية القضائية. كما رأوا أنه لن يكون من الضروري أن يترك للمغاربة حرية التصرف في جميع المساعدات. وفي المقابل يؤيدون أنه من الضروري أن تدرس المساعدات في الرباط على مستوى السفير وباقي الدوائر المهتمة بذلك.

ويشير أصحاب التقرير أنه بعد أن يضمنوا إجراءات معقولة من الرباط، بخصوص شكل المساعدات فإنه يمكنهم عندئذ أن ينظروا في الالتزام بتقديم ما بين 50 إلى 65 في المائة من المساعدات، بينما يترك الباقي للحفاظ على سلامة الاعتمادات المالية لاستخدامها لدفع تعويضات للمزارعين المطرودين في أعقاب شروع المغرب بصفة رسمية في استرجاع أراضي الاستعمار. ويشير أصحاب التقرير إلى أنه لا يجب إحباط توقعات المغاربة بخصوص المساعدات، ولا يجب تجنب تدهور العلاقات المغربية الفرنسية، بقدر ما عليهم أن يحافظوا على وسائل التعويض عن هذه المساعدات المقدمة وكيفية استثمارها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى