بنسالم الصميلي.. أول مدير عام للجمارك وأول وزير للصيد البحري في المغرب
شخصيات مغربية عرفتها – بقلم. رمزي صوفيا
——————————
عندما حللت بالمغرب لأول مرة في سنة 1975 للمشاركة في المسيرة الخضراء المظفرة كان ذلك يوما مشهودا في حياتي، وعندما عدت مع آلاف الذين شاركوا في هذا الحدث كان يوم العودة نقطة انطلاق جديدة في حياتي كصحفي، حيث قررت إجراء مقابلات صحفية مع كافة الشخصيات المغربية، وكان أول لقاء أجريته مع وزير المالية عبد القادر بنسليمان أطال الله في عمره، وخلال مجالستي له اقترح علي إجراء لقاء صحفي مع السيد بنسالم الصميلي، الذي كان يشغل يومها منصب مدير عام للجمارك والضرائب غير المباشرة، وكان يوجد مقره في مدينة الدار البيضاء، وعند وصولي في موعدي المحدد استقبلني بحرارة بعد تلقيه مكالمة هاتفية بشأني من السيد عبد القادر بنسليمان، وانطلق على الفور في تعريفي بمهام منصبه الحساس والدور الذي تقوم به إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة في المنظومة الاقتصادية للبلاد، وكان سؤالي الأول للسيد الصميلي: “ما هي أصعب مشاكلكم في هذا المجال؟” فقال لي: “إن المشكلة الكبيرة نعيشها بسبب تجار المخدرات وصعوبة ضبطهم وتقديمهم للعدالة، وأقول لك بصراحة بأن مهمة مكافحة ترويج المخدرات في المغرب تعتبر من أصعب المهام فتجار المخدرات في ازدياد متواصل، وهم يتوفرون على مزارع كبيرة بتقنيات بالغة التطور لإنتاج نبتة الحشيش. كما أن لديهم وسائل مختلفة وفائقة الدهاء في مراوغة السلطات والاستمرار في إنتاجهم وتجارتهم”. فسألته: “وما هي تقنياتهم لتحقيق أهدافهم رغم الحصار الذي تضربونه على هذا النوع من التجارة المخربة للبلاد؟”، فأجابني: “إنهم يدفعون الرشاوى لهذا أو ذاك. وكلما ـ ألقينا القبض على أحد كبار تجار المخدرات، تنطلق التدخلات من طرف رؤوس في مراكز كبيرة لتخليصهم من قبضة العدالة بدعوة كونهم أبرياء”. فسألته: “وما هو رد فعلك في هذه المواقف؟ فقال لي بصرامة: “أنا حاسم في هذا الشأن ولا أقبل أية وساطة من أية جهة للمحافظة على مصالح بلادي وسلامة شباب المغرب وصحة المواطنين، وأيضا لتنفيذ قرارات وزير المالية السيد عبد القادر بنسليمان الذي يتابع مجريات التحقيقات مع تجار المخدرات. ورغم الجهود الجبارة التي نبذلها جميعا للقيام بمهامنا بهذا الخصوص، فإنني أقول لك وبكل صراحة بأنني عاجز عن تطويق هذه الظاهرة والقضاء عليها بشكل نهائي لأن تجار هذه السموم في المغرب يتلقون إغراءات كبيرة من أباطرة المخدرات الدوليين، وخاصة في دول أوربا التي تجاورنا. وغالبا ما يأتون عبر البحر في زوارق سريعة فينقلون المخدرات من شمال المغرب. كما أن هناك وسائل أخرى لنقلها عبر طائرات صغيرة تحط مباشرة في مزارع الحشيش. وهذه يصعب اكتشافها ولكننا والحمد لله نعمل بكل يقظة، ونحاول بكل طاقاتنا مكافحة هذه التجارة الخارجة عن القانون”.
وسألته: “وما هي المشاكل الأخرى التي يصعب على الجمارك مكافحتها؟” فضحك وقال لي على الفور: “المشكل الضخم الآخر هو تهريب الأموال نحو البنوك الخارجية. وهي العمليات التي تتم عبر الحدود المينائية والمطارات، وهم يهربون العملة الصعبة كالدولار، والفرنك، والأسترليني.. تتم أحيانا مصادرة المبالغ وتقديم أصحابها إلى العدالة وأحيانا تتم تسوية الموضوع إذا كانت المبالغ ضئيلة… وعدت لأسأله مجددا: “ولماذا يحاولون تهريب العملة الصعبة؟” فقال لي بحسرة: “هناك قانون في المغرب يمنع إخراج الدرهم المغربي أو العملة الصعبة. وكل عمليات إخراج الأموال تتم عبر مكتب الصرف الذي له لوحده الصلاحية في الموافقة على تحويل أية مبالغ، وخاصة في ما يتعلق بالمستثمرين. أما المغاربة فإن لهم الحق في تحويل العملة نحو الخارج للدراسة أو العلاج الطبي أو الاستجمام خارج أرض الوطن”. ثم عاد ليؤكد لي: “… ورغم هذه الإجراءات، فإنه ليس من السهل علينا ضبط كل مهرب”.
ومرت سنوات فتم تعيين السيد الصميلي وزيرا للصيد لأول مرة في المغرب في الحكومة الثانية للمرحوم المعطي بوعبيد خلال سنة 1981. وخلال هذه الفترة كنت غالبا ما ألتقيه في منزل شقيقه رجل الأعمال والفنان عبد الواحد الصميلي الذي كانت لديه فيلا رائعة في الدار البيضاء، وكان يجمع أهل الفن والطرب والشعراء في حفلات راقية، وكم من فنان أجنبي له اسم رنان صادفته في تلك المناسبات ومنهم سيدة الطرب العربي أم كلثوم. وكنت أجد السيد بنسالم الصميلي مرتاحا من عناء العمل الرسمي في بيت شقيقه وسط جو عائلي يشرح الصدر.
والجدير بالذكر أن عبد الواحد الصميلي لم ينجب أي طفل من السيدة التي تزوجها والتي تنحدر من عائلة كبيرة، فقام شقيقه الوزير بنسالم الصميلي بتسليم إحدى بناته له ليتبناها لأن الله كان قد رزق السيد بنسالم بذرية كثيرة. وهكذا عاش الشقيقان في ود وإخاء صادق حتى انتقلا إلى رحمة الله واحدا تلو الآخر رحمهما الله.