بوادر العودة إلى أسلوب القذافي في حكم ليبيا

الرباط – الأسبوع
سألت إحدى الصحفيات مسؤولا عن تجمع القبائل في ليبيا قائلة: هناك قذافي آخر سيرجع لحكم ليبيا، فمن يكون هذا القذافي؟ وقد طرحت هذا السؤال على هامش اجتماع ضخم حضره آلاف المشاركين انعقد مؤخرا بمدينة العزيزية، معقل الرئيس القذافي، حضره ممثلون عن مختلف القبائل الليبية، كان الغرض منه تكريس سحب الثقة من المؤتمر الوطني العام الليبي، وإلغاء جميع القرارات التي اتخذها هذا المؤتمر باسم الثورة، بدعوى أنها أبرمت في ظرف استثنائي.
وقد تأكد عمليا انبعاث قذافي جديد لحكم ليبيا من خلال الإشارات التي تم التقاطها من هذا المؤتمر، فالقذافي الراحل كان يعتمد في نظام حكمه على القبائل واللجان الشعبية وليس على المؤسسات الدستورية، بما فيها البرلمان، فضلا عن كون جل القرارات التي اتخذها ممثلو القذافي تصب في اتجاه إحياء النظام السابق، حيث طالبوا بإلغاء علم الثورة والعودة إلى راية القذافي، كما طالبوا بعودة جميع اللاجئين الليبيين في الخارج، وهو ما يعني عمليا المطالبة بعودة أنصار القذافي إلى ليبيا.
كما أن تركيز تجمع القبائل الليبية على ضرورة إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين، معناه إطلاق سراح أبناء القذافي، الذين اعتقلوا عقب “ثورة” مسلحة على النظام، وقد يكون ذلك أحد الأسباب التي جعلت بعض المؤتمرين يطالبون، بإطلاق سراحهم بشكل سري.
وبينما يعتقد كثير من المتتبعين أن “المؤتمر الوطني العام الليبي” وهو بمثابة “برلمان ما بعد الثورة”، يقضي آخر أيامه بعد سحب الثقة منه، رغم المراهنة على تجديد الثقة في رئيس وزراء جديد اسمه “معيتيق”، قد لا يعتق حتى نفسه، تأكد التقارب الواضح بين مطالب القبائل وتوجه الجنرال خليفة خفتر، وهو قائد عملية “الكرامة” وتضم في صفوف الضباط القدماء الموالين للقذافي، فسحب الثقة من البرلمان من طرف القبائل يتزامن مع إعلان الجيش عن فقدان شرعية هذا البرلمان(..) بالموازاة مع إعطاء الانطلاق لخروج مظاهرات مؤيدة لهذا الجنرال على غرار ما وقع في مصر.
وقد تميزت الفترة الأخيرة في ليبيا بعودة الحنين إلى النظام السابق، ويكفي في هذا الصدد قراءة أحد بيانا “تجمع القبائل في ليبيا” الذي يقول: “إرحلوا.. ودعونا نلملم جراحنا وأطراف جرحانا ونلملم بلدنا الذي عثتم فيه فسادا مع الكفار.. ونجمع قبورنا التي بعثرت.. نلملم طبرق مع طبرق.. وزواره مع زواره.. وسبها مع سبها.. وطرابلس مع طرابلس.. ومصراته مع مصراته.. وبنغازي مع بنغازي.. ودرنة مع درنة.. إرحلوا.. لنعيد الهدوء والهناء لليبيا الذي عاشت في كنفه.. قبل أن تطلوا علينا من “الجزيرة” و”لعربية” و”الحرة” وعواصمها.. مع زعيمكم برنار ليفي.. إرحلوا.. لقد حللتم الحرام وقتال الإخوة ودماء الليبيين والاستعانة بالغرب وموالاة الصليبيين.. ونهشتم لحم ليبيا وعرضها.. فأصبحنا يخجل كل منا من ابنه وبنته.. وجاره القريب والبعيد.. ومن نسبه خاصة أن كان مصراتيا.. ليس من أصول تركية أو شركسية أو طاطاناكية أو بقايا الانكشارية أو اليهودية.. حيث هؤلاء لا يهتمون كثيرا كالعرب ولا يحملون نفس القيم ولا نفس الحلم .. ارحلوا.. ملفاتكم موجودة.. لا أحد منكم يحمل شهادة حسن سيرة وسلوك.. من تلاميذ قندهار.. أعداء الله.. وجيوش الظلام.. إلي الهاربين من سلطة الشعب.. من الشورى.. والآن تتفاخرون بالهجوم علي المعسكرات وسرقة السلاح.. وأنكم من دل الناتو علي مخازن القوات المسلحة.. وجعلتم من الخيانة وجهة نظر.. إرحلوا.. يا أبطال مهرجان كان.. يا للعار فقائدكم ليفي فضحكم وباعكم في علبه ليحصل على أوسكار وانتم تتمسحون به شاهت وجوهكم.. لقد أدخلتم كل زناة الليل إلي ليبيا.. وسحبتم كل حناجركم وصرختم فيها أن تسكت صوناً للعرض. فما أشرفكم.. لن تسكت لقد ذهب الناتو.. وسقط ساركوزي.. وعاد بوتين.. وتسلحت قبائل الصحراء وتحالفت.. ونفضت قواتنا المسلحة عن كاهلها غبار الدمار الذي خلفه الناتو.. واستعدت لتعيد للوطن كرامته.. والشعب عزته.. وقبل ذلك شرف العسكرية.. والثأر لزملائهم الذين سحقتهم أساطيل الغرب من الجو والبحر والبر .. نعاهدكم أن ذلك لن يمر دون عقاب..”، (مقتطف من البيان).
الحنين لعودة القذافي يبدو واضحا من خلال البيان السالف الذكر، لكن القرارات يعبر عنها بشكل واضح ما جاء في بيان غير مسبوق وقعه ممثلون عن القبائل الليبية ويصب في اتجاه دعم الجنرال خليفة خفتر: حل المؤتمر الوطنى واعتباره غير شرعي، إلغاء كل القوانين التي صدرت من المؤتمر والحكومة لأنها صدرت تحت تهديد السلاح والترهيب، إبطال كل العقود والاتفاقيات الدولية المبرمة من الحكومة والتي تمس السيادة الليبية سياسيا واقتصاديا لأنها صدرت من دون اختصاص، حل كل المليشيات العسكرية والأمنية والدروع وكتائب الإسناد باعتبارها غير شرعية وتسليم أسلحتها بجميع أنواعها ومقارها للجيش والشرطة، وأي اعتداء على أي منطقة أو قبيلة يعد اعتداء على كل الليبيين وسيواجه بالقوة من طرف كل الشعب الليبي، وعودة المهجرين بالداخل والخارج فورا وعلى القبائل والمناطق مسؤولية حمايتهم وإعادة ترتيب أوضاعهم والعمل على المصالحة الوطنية وإصدار عفو عام يشمل كل من لم تلطخ يداه بدماء الليبيين وأموالهم وأعراضهم، عودة الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية فورا لإدارة شؤون البلاد(..).
كل حسب اختصاصه، دعوة أفراد الجيش والشرطة ومن في حكمها للعودة لأعمالهم فورا واستلام السلاح الموجود بحوزة المليشيات والمناطق وتلتزم القبائل بالوقوف بقوة لتنفيذها، دعوة الأمم المتحدة ومجلس الأمن والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية وتجمع دول الساحل والصحراء واتحاد المغرب العربي والاتحاد الأوروبي والمؤتمر الإسلامي وجميع المؤسسات الدولية بضرورة تحمل مسؤولياتها والوقوف بقوة لنجاح مشروع الإنقاذ الوطنى وتقديم يد العون والمساعدة(..).
ويبقى البيان السالف الذكر دليلا واضحا على فشل الثورة الليبية، وفشل الإسلاميين في الأخذ بزمام السلطة، وربما سنعيش ربيعا عربيا في اتجاه المعاكس، قوامه إسقاط كل التنظيمات الإسلامية التي وصلت إلى الحكم عن طريق إسقاط الأنظمة السابقة، مع فارق بسيط وهو أن العودة إلى ما سبق في هذه الحالة، تعني خسارة باهضة في الأرواح والعتاد والبنيات التحتية(..).