البرلمان بين “الشعبوية” و”الطنز”
بقلم. محمد بركوش
المواطنون في بلدي يتحدثون عن مآسيهم، يبوحون بما في دواخلهم يرحلون بها إلى أقامي الجراحات الذاتية والجماعية، يصرخون في صمت وأحيانا بدون صمت كما قيل، احتجاجا على أوضاعهم المعيشية التي لم تعد ترضي أو تفرح أحدا، وعلى السياسات المتعاقبة التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه الآن، يطلبون المزيد من الأمن، يريدون أن يتلمسوا حضوره القوي في الأزقة والدروب والشوارع المتزاحمة، حتى يهدأ روعهم، وتعود السكينة إلى نفوسهم، يدعون الله صباح مساء كي تسير الأمور كما كانت من قبل، ليرتاحوا من كابوس الجريمة والاختطاف والسرقة بالسيوف، هم لا يهتمون بما قاله الوفا الوزير المكلف (بشي حاجة)، ولا يعنيهم ما تلفظ به في حق نائب برلماني يحتقر جامع الفنا ويسخر من روادها لأنهم يذكرونه بأشياء تضايقه في كبره كما ضايقته في صغره، كان اهتمامهم في تلك اللحظات التي ترأس فيها الجلسة ولأول مرة الأستاذ وهبي عبد اللطيف (اقدامو سخونة) منصبا بالدرجة الأولى على ما سيقوله الوزير عن ارتفاع الأسعار والزيادات المنتظرة أو المرتقبة في أثمان بعض المواد التي تدخل في تأثيث (إن صح التعبير) مائدة الإفطار في رمضان الذي أوشك على الحلول (بالمفهوم العادي وليس الصوفي)، وبما سيرد به على أسئلة النواب المرفوعة بلسان المواطنين الذين يجدون بعض الصعوبات إن لم أقل الكثير منها في العديد من المرات في الفهم والإدراك خاصة عندما يبتعد السائل أو قارئ السؤال عن المهمة المكلف بها، ويستمر في الكلام بشكل “غرافيتي” أي هامشي، عن نفسه وحزبه والمحيط الذي تربى فيه، والدوار الذي رأى فيه النور والذي تخلف المسؤولون المحليون عن تزويده بعض دوره وبيوته بالماء الصالح للشرب والكهرباء…، وكأنه في اجتماع بالجماعة القروية أو مجلس المقاطعة الذي ينتمي إليه.
محمد الوفا الرجل الذي ترعرع في مدينة البهجة وبالضبط بحي شعبي يعتز أبناؤه بتمراكشيت الحقة، يفتخرون بخفة الدم وسرعة البديهة… هذا الرجل تلفظ كما قيل بعبارة نابية، اعتبرتها جريدة “الأحداث” (العدد: 5289) عادية “تسري على فم كل مغربي بل وحتى مغربية – نعم هي- عبارة قليلة الأدب بعض الشيء بل ربما قليلة الأدب كثيرا لكنها سائدة بين الناس ونسمعها في كل مكان”، وهذا غير صحيح بالمرة، إن الكلمة إذا كانت نابية كما يرددون، فستكون منبوذة وغير مسموح بالتلفظ بها داخل مجتمعنا المحافظ، ولذلك سيكون القاتل (في الجريدة طبعا) مطالبا بالاعتذار للمغاربة وللمغربيات، لأنهم غير متعودين على استعمال الكلام القبيح، قلت الوفا محمد عندما توقف الهرج والمرج وهدأت الزوبعة التي حرك نقعها أناس قدموا خدمة في تلك اللحظات المتشنجة كما قال لي أحدهم، حتى لا يفاجأ الرأي العام برد الوزير أو بقناعة الحكومة ككل، نفي (أي الوفا) أن يكون تلفظ “بما اعتبر باكيا أو ساقطا”، بل إن كل ما في الأمر هو نتيجة حمولة الظرفية التي أثرت بشكل أو بآخر في الجميع، بحيث أحس الوزير بإحساس رجات المواجهة على غير العادة، وهو نفس الإحساس الذي سكن البرلماني واضع السؤال وآخرين كانوا يساندون أو بالأحرى يدفعون من أجل أن تتعقد الأمور ويتكهرب الجو، رغم أن المفروض هم تواجد حكماء داخل القبة في مثل هذه الحالات حتى لا تتطور الأمور، وتنقلب الجلسة إلى حلبة للصراع.
لقد أبدى الوزير الوفا استعداده للاعتذار أمام الملإ إذا ما تبين من شريط التسجيل صحة ما نعاه الآخرون وما نقلوه ومع ذلك انسحب فريق حزب الاستقلال، لأنه لا يزال يتذكر موقف الوفا من إجماع الوزراء الاستقلاليين (كرها) على الخروج من الحكومة، وتفضيله البقاء كوزير (بزز)، وهنا أريد أن أحيل بعض الحركيين (وفي المقدمة المرأة القوية) على هذه القضية ليدركوا وبكل يقين أن الوزارة ليست بيد زيد أو عمرو، وأن الوزير عندما يعين وينخرط باسمه في التشكيلة الحكومية يستحيل أن يزحزح من مكانه بسبب معارضته للأمين العام، أو إعرابه عن ولوج دائرة المنافسة الانتخابية كما هو شأن السيد لحسن حداد الذي تراجع عن موقفه بعدما وصل إلى مسامعه مطالبة بعض البيادق أصحاب السوابق كما سماهم في حديث له مع جريدة “الناس” بإبعاده من الحكومة، وكأن الدخول إلى هذه الأخيرة أو الخروج منها يخضع للمزاجية التي تتحكم في تسيير الحزب وفي هياكله، قلت تراجع دون أن يدري بأنه قوى جانب العنصر ورفع من حظوظه، وفي نفس الوقت أسكت بعض المتنطعين وأدخلهم (جواهم) كما يقال بالدارجة꞉ تراجع كما ردد بعد مساع حميدة “حفاظا على الحزب وإبقاء على وحدته، إلى أن تهيئ الآليات الكفيلة بصنع ديمقراطية داخلية بالشكل الذي نريد”، أو فهادي عندو الحق”، إذا لو كانت الديمقراطية ألحقته تسود الحركة كما يجب، ويحتكم الجميع إلى نداءاتها كما تمكنت بعض الوجوه من ارتداء قميص الحزب في آخر لحظة، والمشاركة به في مباريات مهمة (كالاستوزار) تحتاج إلى محنكين ومتشبعين بأفكار المؤسسة، وإلى مناضلين يتوفر لهم إجماع من القواعد والقمة في نفس الوقت خارج أي دفع من الخلف أو مساندة مقامة على المحاباة أو (باك صاحبي أو مدرس ابني أو ابنتي).
إن ما حدث داخل القبة في الأيام الأخيرة ذكرنا بما قاله صانع المعجزات الحسن الثاني رحمه الله في حق البرلمان عندما وصفه بالسرك، في إشارة إلى وجود نماذج تقترب في حركاتها وتدخلاتها من البهلوان الذي تتوقف مهمته في إضحاك الجمهور وتلهيته لبعض الوقت، وهذا لا يعني أن البرلمان لا يضم شخصيات تجر معها تاريخا من النضال وصفحات منه مشرقة، بل على العكس يزخر برلماننا بأسماء لامعة لها مكانة مرموقة في عالم السياسة والثقافة والاقتصاد والمال، ولكنها تجد حرجا في الاشتغال على “البوليميك” وتفضل الانزواء بعيدا، لأن الملعب غير معشوشب، ولأن السياسة بصفة عامة في حاجة إلى “سيلينيوم” يقيها من “فقدان قوة الاحتمال”، ويقوي فيها القدرة على المواجهة عندما تكون هذه الأخيرة هي الحل، وهي الأجدى لتحقيق آمال الشعب ورفاهيته بعيدا عن “الشعبوية” وعن “الطنز”.