ثقافة و منوعات
ثقافة | جدلية الفكر والواقع في ديوان “صوت التراب”
إن هذا المقال هو نص وثيق بنصوص أخرى، له أكثر من دلالة وقراءة، حيث تبدو لنا هذه القصائد مختلفة الطرح والبناء، فعناوين نصوص باكورة بلمو “صوت التراب” الصادرة سنة 2001، عبارة عن مدونة تؤرخ للهامش والمنسي، وتطرح أمكنة ولدت مع ولادة خيال الشاعر، وأزمنة تختلف حسب اختلاف المواقع والمواقف، فـ”احتراق” و”قمر الهبوب” و”حفل تنكري” و”السجن أحيانا”، و”مطر”، و”حروب مشتهاة”، و”مساء أبيض”، و”ذات مساء” و”قطرة ضوء”، و”حنين”، و”رحيل” و”حفاوة” و”مائدة مثقلة” و”عراء” ثم “إلى آخر الطين”، كلها عناوين مشحونة بالفرح والأنين، بالصمت والبياض، وهي أقرب إلى ذاتية الشاعر، حيث يحضر “كل شيء يوحي بالمساء” كما يقول، وحيث القصيدة التي تركت معطفها في المقهى، والكتاب الموغل في الغبار، أمينة التي تبحث عن شهد الكلمات، الفراشات تتنزه في مروج عينيها، النسمة الناهضة من شجر الخيبات. فهذه الكتابة هي مخيلة وطاقة تتأسس في التاريخ الشخصي عن ذلك الفكر وما يؤديه من وقفات ووظائف، لأن سؤال الشعر لا ينسحب على الأدب وحده، بل على الفكر أيضا، فالشاعر بلمو يتقن توزيع الحروف والكلمات، لكي يبني لنا هوية إبداعية تلتزم بشروط البوح، وذلك يأتي عبر تقنية أخرى، وهي البعد الفلسفي الذي يجعله يواجه العالم المحاصر، إما بالتباسات البياض والصمت، أو بتعدد الأصوات والأقنعة، هكذا نرى أن العناوين المتعددة سواء تعلق الأمر بـ”وهم” أو “حنين”، أو “سفر الخرير” أو “احتراق” أو “كل شيء يوحي بالمساء”، فالشاعر يشكل لهذه النصوص وحدة مفتوحة ودالة بصرية على الغياب الذي يحمل الكثير من عمق المعاناة والترحال عبر الكلمة، لذا يقول: الضوء الضئيل ينسحب من نافذة الشاعر المتعجل لقاء البحر/ إلى آخر الدروب ينثر العتبات/ الصديق الذي يأكل حكايته بأصابع يائسة/ يناوش عشبا مهربا.
د. الغزيوي أبو علي