روبورتاج | عندما خاف الملك محمد الخامس من عنف الشباب المغربي

تغفل أغلب الدراسات التي تناولت مرحلة أواخر مراحل الحماية الفرنسية بالمغرب، العلاقة بين السلطان سيدي محمد بن يوسف والحركة الوطنية، ونظرته إلى الوضع السياسي الداخلي بالمغرب. إن ما نجده مدونا في كل الدراسات هو زيارات قام بها ممثلو الحركة الوطنية لإقامة السلطان المنفي بمدغشقر بعد محادثات إكس ليبان دون معرفة فحواها، ولكن لا نجد حديثا عن موقف السلطان المنفي من الوضع الداخلي بالمغرب وموقفه من القوى السياسية، حيث أن جل الباحثين والدارسين للمرحلة يمرون عليها مرور الكرام ويصفون أن العلاقة بين القصر وباقي القوى السياسية بأنها كانت ممتازة قبل عودته من المنفى، وأن توتر العلاقة بينه وبين حزب الاستقلال تغيرت فجأة بعد العودة من المنفى.
تصف لنا إحدى وثائق الدولة الحامية (فرنسا) نظرة السلطان إلى الوضع الداخلي بالمغرب ونظرته إلى القوى السياسية بالمغرب أثناء مقامه بسان جيرمان، كما تحمل أيضا وصفا دقيقا لموقع كل قوة سياسية بالمغرب وعلاقتها ببعضها البعض.
الوثيقة التي نعتمدها من وثائق وزارة الخارجية، وهي من الأرشيف الفرنسي، تحمل رقم 353، مؤرخة بـ 9 نونبر 1955، وهي عبارة عن حوار بين السلطان سيدي محمد بن يوسف وأوليفي لانجOlivier Lange رئيس قسم العلاقات الثقافية المغربية والتونسية في وزارة الخارجية الفرنسية. توضح هذه الوثيقة انطباع السلطان ونظرته إلى الوضعية الداخلية بالمغرب، وهو ما يزال بالمنفى، كما تحمل إحساسه تجاه زعماء الحركة الوطنية. وقد لاحظ رئيس قسم العلاقات الثقافية المغربية والتونسية بوزارة الخارجية الفرنسية من خلال هذا الحوار مع السلطان بأن هذا الأخير لا يكتم ولا يخفي صعوبات المهام التي في انتظاره، وذلك بسبب أن مخاطبيه من زعماء الحركة الوطنية قد تغيروا كثيرا.
ومما جاء على لسان السلطان في هذا اللقاء أنه قال: “لقد تغيرت وجوه الشباب الذين عرفتهم سابقا، حيث صاروا اكثر تصلبا وعنفا، وطريقة كلامهم صارت بفظاظة لم تكن في السابق، وهذا يتطلب مني كثيرا من الوقت لكي أهدئهم وأفهمهم بأن مصلحة الوطن تتطلب منهم قليلا من التصلب، ولكي يوافقوا على الاجتماع والعمل مع كل مكونات واتجاهات الرأي العام المغربي“.
ويحمل هذا التقرير شرحا للوضعية السياسية الداخلية للمغرب، حيث يشير إلى أن حزب الاستقلال يتميز خلال هذه المرحلة بتصلب في مواقفه، وذلك بسبب اتجاهات زعمائه المقيمين في الخارج. في حين أن حزب الشورى والاستقلال متردد بين إغراءات السلطة والمزايدات السياسية التي ضاعفت من تردده حيث سار حائرا في أي اتجاه قد يسير. أما القواد والباشوات والقوى التقليدية بصفة عامة، فيشير هذا التقرير إلى أنهم غير قادرين على تأسيس جبهة موحدة قصد الحفاظ على “الفيودالية” من الانهيار. في حين أن السلطان يحس بأقصى الصعوبات التي تطرحها الوضعية السياسية الداخلية والمتسمة بالصراعات الداخلية.
ويلخص صاحب التقرير الوضعية الداخلية، من خلال ما جمعه من مقابلات مع السلطان، وحزب الاستقلال، وحزب الشورى والاستقلال، وبعض القواد الذين جاؤوا ليؤكدوا للسلطان ولاءهم له في مقر إقامته في سان جرمان، حيث يرى صاحب التقرير بأنه لا أحد من هذه القوى الأربعة يتوقع فقدان توازن القوى بسرعة مباشرة بعد الإعلان عن الاستقلال، كما يشير إلى أن كل واحد من هذه القوى أخذ مكانه منذ الآن في ميدان المعركة. ويختم صاحب التقرير تقريره بتخوفه من أن أسوأ سيناريو قد يتبعه السلطان في هذه المرحلة وهو سياسة “فرق تسد“، لأنه قد يؤدي إلى حرب أهلية تدخل المغرب في دوامة من العنف وتضر بمصالح الفرنسيين المقيمين بالمغرب.