الرأي

الرأي | من أجل المكافأة والاعتراف بالجميل لجنود مواجهة “كورونا”

بقلم: ذ. عبد الواحد بن مسعود*

    شاءت الأقدار أن يكون مغربنا من الدول التي أصابها وباء فتاك، ولكن، ولله الحمد، بسبب الإجراءات الاستباقية، واتخاذ التدابير الاحترازية بسرعة وحنكة القيادة، كان لكل ذلك أثر فعال في مقاومة انتشارالجائحة، ولقد برهن الشعب المغربي برمته، مرة أخرى، عن تضامنه وعزيمته وحرصه على سلامة الوطن وتطبيق كل ما اتخذ من إجراءات للحد من فداحة الجائحة، ووفق الخطة التي رسمها الملك والتوجيهات التي أمر باتباعها، فإن العزائم لم تخر، ولم تستسلم، مع يقيننا بأن الله سبحانه لطيف بعباده وهو الرحمن الرحيم.

لقد ضرب الشعب المغربي مثلا رائعا في التضامن والتكافل والوقوف صفا واحدا لمواجهة هذه الظرفية العصيبة، وبادر كل على قدر سعته وطاقته إلى التبرع ودعم الصندوق المتعلق بتدبير جائحة “كورونا”، ووضع المسؤولون نظاما دقيقا لتوزيع المساعدات المختلفة على الطبقات الفقيرة والهشة، ومساعدة العمال الذين توقفت مقاولاتهم عن متابعة نشاطها التجاري، كما أن صندوق الضمان الاجتماعي قام بدور هام في توزيع المساعدات على المنخرطين ولم تسجل أي حالة تخل بسير تقديم هذه المساعدات، وكذلك أطر المؤسسات البنكية التي كان لها دور مهم في توزيع المساعدات المادية على سكان المناطق النائية.

أمام كل هذا، وقفت عدد من الدول مشدوهة من خطة المغرب في محاربة الوباء، وأشادت بتفاصيل تلك الخطة، وكيف تجندت المصانع لصنع الكمامات، ومحور الخطة الأساسي هو حث المواطنين على احترام طرق الوقاية، والاعتصام في المنازل، وحفظا على سير مناهج التعليم، بادرت الوزارة المختصة إلى اتباع طرق حديثة لمتابعة برامج التعليم عن بعد، حفاظا على أولادنا ورصيد مستقبلنا.

ونصل إلى ما يمكن أن يعتز به المغرب ويسجله بمداد الفخر، هو ما قام به ويقوم به الطبيبات والأطباء، والممرضات والممرضون، وأطر المختبرات، والمساعدون على مختلف مستواهم الإداري، كسائقي سيارات الإسعاف، والمكلفين بالتعقيم، وانضمام أطر الطب العسكري إلى أطر الطب المدني في انسجام وتعاون للتغلب على الجائحة، وأثمرت هذه المجهودات، بحيث ارتفع عدد المتعافين، وانخفض عدد المتوفين، كل هذه المجهودات تدور تحت مراقبة سلطة أمنية تجوب الشوارع والأزقة ليلا ونهارا للسهر على احترام قواعد الحجر الصحي، وإعداد مستشفى من الحجم الكبير في أيام معدودات ترقبا واحتياطا من ارتفاع عدد المصابين، وفحص المخالطين، ومن البشائر، أن نسبة المتعافين ترتفع يوما بعد يوم، مما يدل على أن الجائحة في طور الاحتضار.

هذه شهادة من باب الاعتراف بالجميل، بعيدة عن كل تملق أو محاباة، لأن جزاء الإحسان هو الإحسان.

فإذا انتصرنا على الجائحة، ومن باب الاعتراف بالجميل، يجب تكريم ماديا، كل من شارك من قريب أو بعيد في مكافحة القضاء على الجائحة، مشاركة لا تفرق أبدا بين الكبير والصغير، وعالي الرتبة الإدارية أو المصنف في رتبة إدارية عادية، وتكون المكافأة مالية متساوية تستخرج مما بقي في صندوق الدعم، مثلها مثل الغنائم التي كانت توزع على المجاهدين المسلمين بعد انتصارهم في الغزوات.

وهذا التكريم بالتساوي، له سند شرعي، وله سابقة حددت أيام رسول الله (ص) لما رجع إلى مكة بعد غزوة بدر الكبرى، ومع المجاهدين حاملين الغنائم، ووزع تلك الغنائم بالتساوي على المجاهدين، وعلى من بقي في مكة لخدمة أهلها وحمايتها من أي اعتداء، وضمانا لسير مرافقها وسد حاجيات سكانها، كما خصص رسول الله نصيبا من الغنيمة لكل فرس كان يمتطيه المجاهد واقتحم به وطيس المعركة.

فقد جاءت في كتب السيرة، تفاصيل عن معركة بدر الكبرى، ذلك أن رسول الله (ص) قسم النفل، الذي أفاه الله به على المسلمين، بين المسلمين على سواء، بعد أن استخرج منه الخمس كما هو مقرر في الكتاب الكريم، وأن رسول الله (ص) جعل القسمة متساوية، وجعل للفرس مثل ما للفارس، وجعل للورثة حصة من استشهد في المعركة، كما جعل حصة لمن تخلف بالمدينة فلم يشهد بدرا، لأنه كان قائما ويقدم خدمات لسكان مكة، ومن حرضه حين الخروج إلى بدر وتخلف لعذر قبله الرسول (ص)، وكذلك قسم الفيء بالقسط، فلم يشترك المقاتل وحده في الحرب والنصر، بل اشترك في الحرب والنصر من كان لعمله في الفوز حظ أيا كان هذا العمل، وفي ميدان القتال كان أو بعيدا عنه، هذا ما أثبتته بعض كتب السيرة النبوية التي اطلعنا عليها.

إن المكافأة المادية محفزة للهمم، ومواسية لما بذل من مجهودات وتضحيات، والتفاتة تدل على العرفان بالجميل، كما تعتبر مواساة لمن فقدوا معيلهم وهو منكب على تقديم العلاج للمصابين بالوباء.

إن الملك أمير المؤمنين، يقتفي أثر جده عليه الصلاة والسلام، ويكرم في المناسبات الوطنية العلماء والأدباء والفنانين والمبدعين، وجنود محاربة الوباء هم أيضا يستحقون كل تقدير وتنويه وتكريم، ولنا جميعا في رسول الله ومن سار على هديه، إسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر.

* من هيئة المحامين بالرباط

                                                                                     

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى