كيف تسبب “كوفيد “19 في إطلاق موجة رابعة للحداثة وانتصار مكر الطبيعة على مكر التاريخ
إدريس هاني.. كاتب مغربي يقرأ "سيكولوجية الإنسان المحجوز"
14 أبريل، 2020
0 3 دقائق
الرباط. الأسبوع
في ظل “الحجر الصحي” الذي فرض على جل المغاربة الالتزام بالمكوث في منازلهم، نجح الكاتب المغربي المعروف على نطاق واسع في الدول العربية، إدريس هاني، في تأليف كتاب فلسفي هو الأول من نوعه حول جائحة “كورونا” تحت عنوان: “فيلو كورونا/ كوفيد 19 يحرك الموجة الرابعة للحداثة”.
في هذا الكتاب الذي تنفرد “الأسبوع” بكشف النقاب عن مضامينه، يعتبر الكاتب أن مصير الحداثة والنظام الدولي أصبح مسؤولية الهامش وليس المركز، وبأن المركز يرفض المساعدة من طرف القوى الصاعدة تحت تأثير سياسة القوة الناعمة، ولكن هذا سينتهي في نظره إلى تحول في خريطة التمركزات الدولية، ومن ناحية أخرى، يعتبر أن “كورونا” أثبت انتصار مكر الطبيعة على مكر التاريخ، كما عزز انتصار مفهوم العقد الطبيعي على العقد الاجتماعي، بل يذهب إلى حد القول بأن “كورونا” فرض العودة إلى الأسس، وبأنه سيفرض مسارا داروينيا تتحطم فيه البدائل الزائفة.
من خلال الكتاب، واكب إدريس هاني تفاصيل الجائحة يوما بيوم، متجاوزا الصدمة واحتوائها ضمن رؤية ترى أن أثار الجائحة على مستوى البنيات النفسية والاجتماعية والمسارات التاريخية والبدائل الحضارية، ستكون أقوى، وينطلق الكاتب كما يدل العنوان الفرعي، من معالجة تتكامل مع ليوستراوس، لكنه ينتهي بإعلان الموجة الرابعة للحداثة، من منطلق دور الجوائح في التحولات التي تشهدها أنماط السلطة ونوعية العيش المشترك، ويعتبر بأن الأمر يتعلق بموجة رابعة من حيث أن الموجة تنتهي وتتكسر على الشاطئ الصخري للتاريخ، لكنها وإن تلاشت، فهي تصبح مكونا داخل الموجة الجديدة، ولهذا لا يرى انهيارا دراماتيكيا للحداثة، بل موجة جديدة من جيوبها المستبعدة وما لم يستنزف بعد من ممكناتها، ولهذا يتحدث الكاتب عن رهان “بيحداثي” وليس ما بعد حداثي، ويعتبر أن هناك جرحا نرجسيا جديدا غير الذي وسم به فرويد جملة من القطائع التاريخية، حيث حطم “كورونا” الأساطير الجديدة ومنح الخيال فرصة لتجديد رهاناته ضمن ما يدعو إليه بمصالحة بين العقل والخيال.
يعتبر إدريس هاني، في معرض حديثه مع “الأسبوع”، أن محاولته هذه، تقع في إطار الرفع من جهوزية الوعي لاستقبال التحولات الجديدة، باعتبار أن “كورونا” حتى مع وجود اللقاح، وهو لن يكون حدثا كونيا بقدر ما تمثله الأثار التاريخية والحضاراتية، فعلينا على الأقل أن نربح الرهان الحضاري طالما أن الأوبئة كانت وستستمر في إطلالاتها التاريخية، معتبرا أن وجود الفيروس ضرورة حيوية، فلولا الفيروس لأصيبت الخلية بالخمول والنوم، لأن وجوده كتهديد يفرض عليها جهوزية دائمة، حسب قوله، معتبرا أن الخلية تبقى أقوى من الفيروس الذي يشتغل تحت ضغط الطبيعة التي تفرض عليه الكمون أكثر من الانتشار، كما يعتبر الكاتب أن “كورونا” أعادنا إلى شعرية اللحظة وتلمس نتوءات المكان، وبأنها بداية صحيحة، لأنها استعادة لتحسس التفاصيل في طفولة البشر، ولكنها من هذا التكاثر الذي يمنحه الإحساس بالمحيط الضيق، يستطيع أن يباشر فيما بعد السؤال الأنطولوجي الذي استبعدته أنماط الزيف ما قبل العهد “الكوروني”، وقد اعتبر الكاتب أنه بصدد البحث أيضا فيما سماه “سيكولوجيا الإنسان المحجور”، وتأهيله لاستقبال استحقاقات ما بعد “كورونا”.
لقد اعتبر أن الفيروس التاجي سينهي لعبته قريبا بضربة قاضية من قبل العقل البشري، لكن المشكلة هنا، هل سيخرج الإنسان بعبرة يعبر بها إلى نوع من التبني الحضاري والتجديد الجذري؟ هنا يتساءل الكاتب بأن المدار حول ما سينجزه الإنسان يتعلق بالإرادة، وهذه الأخيرة هي من تحدد أي معنى نريد؟ كيف نفكر؟ وما نوع التعاقل المطلوب قياسا إلى التعاقد المطلوب؟
صدور أول كتاب بهذا الشأن، هو تأكيد على أن المغاربة حاضرون في ذروة الجائحة للمساهمة في كل ما من شأنه أن يخدم مصير الإنسان ومستقبل البشرية، حسب نفس المصدر، الذي يعتبر أن كتابه مساهمة في سجل تاريخ المغرب والمغاربة، وبأنه حاول أن ينجز ما يقدر عليه في مجاله، لإيمانه بأن في جعبة المغاربة أن يقدموا الكثير، والجوائج تكشف عن أننا أمة في مركز العالم ولن نقبل إلا أن نكون كذلك، معتبرا أن إنجاز عمل حول “كورونا”، هو الأول من نوعه ككتاب فلسفي ومتعدد المقاربة، وهو نوع من التحدي للجائحة، فلقد عنون لبعض فقراته بهمسة الساموراي: “سننتصر على كورونا”.. لكنه في الوقت نفسه، لا زال يتساءل حول إذا ما سننتصر على زيفنا وحساباتنا الخاطئة في طريق إنجاز البدائل الفضلى؟
يذكر أن محاولات التأليف في هذا المجال اصطدمت مؤخرا برقابة عالمية على الأعمال المقرصنة، حتى أن موقعا مشهورا حذف 100 كتاب كلها مزورة وعبارة عن تجميع تقارير ومقالات من “النيت” وانتحالها، لذلك تبقى لهذا الكتاب قيمة مرجعية، قد تثير الكثير من الجدل، حيث يعتبر المؤلف مقاربة شمولية في أبعاد الجائحة تستقر على تأويل علمي لسلوك الفيروس، وتنتهي بمعالجات أخرى سيكولوجية وسوسيولوجية وسياسية ولاهوتية وأدبية وجغرافية.