أسرار التعليم | فضيحة الإصلاح البيداغوجي الجامعي
“سَرْ فَـرْ )محاكة صوتية onomatopée)، منّين خرجت المسلة يخرج الحبل”، فعلى وزن محاربة الهدر المدرسي بالتأسيس لمدرسة النجاح للجميع وتكافؤ الفرص في الكسل، يتم التأسيس لجامعة الإنجاح وتكافؤ فرص البطالة والعطالة، لمحاربة الاكتظاظ الجامعي والتمويه على تصدعات النظام البيداغوجي “ل م د” (LMD)، وهو ما يهدد بانهيار صرح التعليم الجامعي والمنظومة التربوية، تبعا لذلك. إصلاح جامعي فُصّل على القياس لإنجاح أكبر عدد ممن ولجوا التعليم الجامعي بعاهات لغوية ومعرفية هيكلية مستدامة (نبتت وترعرعت خلال أطوار التعليم ما قبل الجامعي)، قصد مواجهة النقص الحاد، والمتزايد، في أطر التعليم العالي (تقلص البنية البشرية الهرمة) وفي القاعات والمدرجات والتجهيزات (البنية التحتية).
تم تبني الإصلاح الجامعي “ل م د” الذي تبنته دول الاتحاد الأوروبي كأدنى قاسم مشترك بين هذه البلدان، يسمح للطلبة من التنقل بين الجامعات الأوروبية، بينما عملت كل دولة على اتخاذ ما تراه مناسبا من إجراءات “بيداغوجية” مصاحبة للحد من تبعات سلبيات تردي المؤهلات المعرفية والمهنية لخريجي هذا النظام التعليمي. ثم نأتي نحن من خارج الفضاء الأوروبي ونتبنى القاسم المشترك الأدنى الذي يوحد بين الأوروبيين من دون أن نتبنى نهج الأخذ بالإجراءات المصاحبة الضرورية لإصلاح أحوال تعليمنا الجامعي والعالي، ومنظومتنا التربوية تبعا لذلك. فلقد عملت فرنسا (التي نقتبس منها سلبيات منظومتها التربوية) على أن يكون رجال التعليم الثانوي (التأهيلي) من حملة الماستر. أما ألمانيا فقد أحدثت امتحانا خاصا بها، يجتازه حملة الليسانس (الناجحين خلال السنوات الثلاث)، بحيث لن يتفوق فيه إلا أصحاب رصيد معرفي يؤهلهم لكي يصبحوا قادرين على القيام بالمهام المناطة بهم كما يجب كأطر، أو لمتابعة تكويناتهم على أسس سليمة.
يا ليتنا توقفنا عند عدم الأخذ بالإجراءات المصاحبة للحد من هشاشة النظام “ل م د” وسلبياته المخلة بالأمن التعليمي والتكويني للبلاد، فلقد قمنا بإجراءات مصاحبة عكسية، ستزيد قطعا من تجدر السلبيات وتفاقم الأوضاع. تطرقت لهذا النظام بشيء من التفصيل في العدد الأخير، وسأقف هنا عند بعض الجوانب اللابيداغوجية للإصلاحات التي سيتم اعتمادها ابتداء من الموسم الجامعي القادم (2014-2015). من بين أخطر الإجراءات التي سيتم تبنيها هي تلك التي تهدف إلى إنجاح الجميع؛ فبينما كانت المعاوضة (compensation) تتم بين وحدات ما يسمى بالسداسي (semestre) الواحد، ضدا على رغبة الأساتذة وحرصهم على الرفع، قدر الإمكان، من المستوى المعرفي الأكاديمي للخريجين، فتصبح المعاوضة بين سداسيين ابتداء من الموسم الجامعي المقبل. وبالموازاة مع هذا الإجراء المنافي لكل الأعراف “البيداغوجية” المعقولة، فقد تم ترك كامل الحرية للأستاذ لاعتماد أي أسلوب من أساليب التقييم. كما تركت له حرية التدريس والتقييم بأية لغة يريد، حتى الدارجة، لغة الأميين.
لقد تم تبني النهج الذي يؤسس لجامعة الإنجاح الذي، يؤسس قطعا لنهج تكافؤ الفرص في الكسل، تماما كما تم التأسيس لمدرسة النجاح من قبل، وهو ما سيؤدي قطعا إلى إغراق الشارع بحاملي دبلومات ورقية سيتحمل الجميع تبعاتها المخلة بالسلم الاجتماعي وكذا الأمن المعرفي والعلمي للبلاد. فلقد سبق أن أوضحت من قبل (“التعليم بين الكفايات والإدماج، من كرة القدم إلى نظرية داروين” و”الهدر الجامعي”، أن تخريج الجامعة والتعليم العالي لحاملي دبلومات وشهادات أكفاء يمثل صمام الأمان للسلم الاجتماعي والأمن المعرفي. فالخريجون الأكفاء لا يلجون الشارع للمطالبة بولوج الوظيفة العمومية إلا استثناءا، فلقد ثبت بالدليل أنهم يطرقون كل الأبواب بثقة نفس، وقد يحدثون أبوابا بمبادراتهم الشخصية لتفتح في وجه حاملي دبلومات آخرين. فالمطلوب إذن إعادة النظر في هذا النهج العبثي المدمر للذات المغربية.
أ. د. عبد الله لخلوفي
مركز الدراسات والأبحاث والتقييم للتربية والتكوين