كواليس الأخبار
لأول مرة.. مدرعات الجيش تنزل للشارع ولا تخيف المواطنين
العسكريون يدا في يد مع المدنيين

الرباط. الأسبوع
بمجرد ظهور مدرعات وعناصر قوات الجيش الملكي المغربي ببعض الشوارع بالمدن الكبرى للمملكة، وصور مختلفة من مواقع متعددة للقوات العسكرية المغربية بالمدن في مشاهد غير مألوفة وثقتها بعض مقاطع الفيديو منذ يوم الجمعة الماضية، حتى انطلقت تعبيرات الاطمئنان من طرف الكثير من المواطنين بعبارات وجمل إشادة مختلفة، ليطرح السؤال من جديد: لماذا يرتاح المواطنون من تحرك قوات الجيش المغربي كلما اشتدت الأزمات الصحية والاجتماعية، وليس السياسية طبعا؟
هذا السؤال يحتاج إلى الكثير من الدراسات النفسية والاجتماعية قبل الاقتصادية والأمنية، لتفكيك مختلف جوانبه.. فتحرك الجيش المغربي عبر عقود في المجال الاجتماعي والصحي في شكل قوافل طبية وصحية بالجبال والقرى، لتقديم الخدمات الاجتماعية المختلفة في ساعات الحصار بالثلوج وبالفيضانات، يترك غالبا أصداء طيبة في نفسية المواطنين، وارتياحا وثقة كبرى في قدرات وقوة الجيش المغربي على بلوغ هذه الصعاب.
فنزول الجيش في حالة جائحة “كورونا” بمختلف شوارع المدن، طمأن الشارع والرأي العام، وحتى السياسيين والحقوقيين أنفسهم، فهل لكونه مرتبط في أذهان المغاربة بالصرامة والانضباط، وبالتالي، هو الجهة الوحيدة القادرة على فرض تعليمات السلطات الأمنية على الكثير من “المنفلتين” بالأحياء الشعبية؟ نعم، لأنه الجهاز الوحيد القادر على تنزيل التعليمات الصارمة على أرض الواقع وفي وقت وجيز ودون مبررات واهية، وربما هذا جزء كبير من مبررات اطمئنان المواطنين لتواجد الجيش.
إن ارتياح المواطنين لتحركات الجيش، له مدلول آخر عند مواطنين ومختصين آخرين، حيث يربطون تواجد الجيش بالشارع العام بقوة اللوجيستيك الذي تتوفر عليها قواتنا العسكرية بالمقارنة مع المدنية، وكذلك بمسار التجربة المهنية الكبيرة التي راكمتها داخل وخارج المغرب، وبالتالي، فإن تحرك الجيش المغربي في هذا المجال، يعطي للمواطنين المغاربة انطباعا وثقة في قدرة هذا الجيش على بناء مستشفيات ميدانية، وعلى قدرته على تجهيزها بالتجهيزات اللازمة في وقت وجيز، وهو الوجه الآخر من أوجه ارتياح المغاربة لخدمات المؤسسة العسكرية.
عامل الارتياح لا يقف عند حدود التجهيزات فقط، يرى مواطنون آخرون، ذلك أن وزارة الصحة نفسها تتوفر على تجهيزات عديدة بمستشفيات عديدة، جهوية وإقليمية ومحلية، ولها آلاف الأسرة والتجهيزات لا يملك الجيش حتى الجزء القليل منها، ورغم ذلك، فالمغاربة يأملون خيرا في الجيش، وبعضهم يمتعضون من خدمات وزارة الصحة ومستشفياتها على طول الوقت، وليس اليوم وقت الشدة فقط، لذلك يرى هؤلاء، أن الفرق في الصرامة والانضباط والتفاني في العمل المطبوع به عمل القوات العسكرية ببلادنا، هو الباعث على الارتياح ولا علاقة له بالتجهيزات، بينما يرى مواطنون آخرون، أن هناك عامل آخر ربما يلعب دورا حاسما في عملية التطبيب والعلاج والاستشفاء، ويتعلق بالارتياح النفسي لدى المريض من الثقة في قدرات الطبيب العسكري أكثر من المدني، وهو مدخل يشكل بحسب الدارسين والمتخصصين 50 بالمائة من نجاح العمليات الجراحية بما فيها المعقدة جدا، وهو ما يتعلق بالخدمات التي قد يتلقاها المواطن من الطبيب العسكري، والتي يكون وقعها أكبر بكثير من خدمات الطبيب المدني، وهنا يضرب أهل الاختصاص المثل بقصة معروفة وسطهم بقوة، تتعلق بعاملة نظافة كانت تقوم بعملية التنظيف بالقرب من مريض مقبل على عملية معقدة ومصيرية في حياته، ففتحت نقاشا مع المريض وأخبرته أنه محظوظ جدا لأن الطبيب الذي سيجري له العملية عالم كبير يكون مرة في الشهر في هذا البلد، ويجري آلاف العمليات المماثلة في العالم بأسره وكلها ناجحة 100 بالمائة، لترتفع معنويات المريض بشكل كبير، وأقبل على العملية بفرح كبير، فنجحت تلك العملية بفعل هذه المعنويات المرتفعة، أما عاملة النظافة التي لعبت هذا الدور، فلم تكن سوى دكتورة متخصصة في الطب النفسي التي عرفت كيف ترفع معنويات المريض المقبل على هذه العملية.
لذلك، فكل الرهان اليوم على دور المؤسسة العسكرية، من أجل تعزيز الدور الكبير الذي يقوم به قطاع الصحة المدنية حاليا، وهي الرسالة التي بعث بها ملك البلاد ليلة الأحد الماضي، حين أمر الجنرالين عبد الفتاح الوراق ومحمد حرمو ومفتش مصلحة الصحة العسكرية، الجنرال محمد العبار، بتكليف الطب العسكري بشكل مشترك مع نظيره المدني لمكافحة وباء “كورونا”، وكذلك تعبئة مختلف المصالح الاجتماعية للقوات المسلحة والدرك الملكي في هذا الباب، وهي رسالة تؤكد أن مهام القوات المسلحة الملكية المغربية ليست حماية وحدة التراب الوطني من أي اعتداء خارجي فقط، بل كذلك حماية أرواح وممتلكات المواطنين، لاسيما في الشدائد والأزمات، من خلال خبرة الجهاز العسكري التي راكمها داخل وخارج أرض الوطن.
فالجيش المغربي له سمعة كذلك على المستوى الدولي، من خلال تجاربه ومشاركاته الدولية في عدد من العمليات العسكرية والمدنية والطبية، وهو بحسب بعض التقارير، يحتل الرتبة 13 عالميا على مستوى الجيوش التي تشارك في قوات حفظ السلام وخاصة في إفريقيا.
إن ارتياح المواطنين لخدمات مؤسسة الجيش في المغرب، له ارتباطات كذلك بالتطور التاريخي لمهام الجيش بحسب الباحثين، إذ في الوقت الذي كان فيه دور الجيش في فترات الصراع السياسي والاحتقان وسنوات الانقلابات، آلية لحماية النظام المغربي من المعارضة وتدخله أحيانا لقمع بعض الانتفاضات الشعبية والثورات وغيرها، تغير اليوم هدف الجيش مع تغير النظام العام في المغرب، إذ بات النظام الملكي في المغرب محط إجماع جميع مكونات الشعب المغربي وأطيافه السياسية، ولم يعد محط نزاع شرعيات الحكم، فالنظام الملكي لم تعد هناك قوة سياسية في المغرب تريد الإطاحة به، وبالتالي، لن يكون في حاجة للجيش لحمايته عسكريا من المعارضة، وهو ما جعل وظائفه الصحية والاجتماعية، بعد العسكرية والحربية، تتوسع وتتطور من الهدف الأول لحماية البلاد والحدود والنظام، إلى حماية المواطنين وتدخله في الأعمال الإنسانية.