الفقرات المقلقة في تقرير بان كي مون حول الصحراء
سمير بنيس – نيويورك
أصدر الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة بان كي مون، يوم الخميس الماضي، تقريره السنوي عن “الوضع في الصحراء الغربية”. التقرير الذي سيعتمد عليه أعضاء مجلس لتبني قراره السنوي بخصوص تمديد بعثة المينورسو في الصحراء، تميز إلى حد ما بنوع من التوازن.
وخلافا للسنة الماضية، لم يتضمن تقرير بان كي مون لهذه السنة توصية واضحة حول توسيع ولاية بعثة المينورسو لتشمل مراقبة وضعية حقوق الإنسان في الصحراء وفي مخيمات تندوف. كما أشاد بحرص المغرب على تعزيز وضع حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية وتعاونه مع الإجراءات الخاصة لمجلس الأمم المتحدة حقوق الإنسان، وعبر عن ارتياحه تجاه الخطوات التي اتخذها المغرب في هذا الاتجاه والمتعلقة بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان وإلغاء المحاكم العسكرية بالنسبة للمدنيين.
إلا أن تقرير الأمين العام تضمن جملة تدعو إلى القلق والارتياب حين قال بأن “الهدف الأسمى يظل هو إنشاء آلية دائمة، ومستقلة، وعادلة لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء ومخيمات تندوف”.
إن المقلق في الأمر هو أن هذه الجملة توضح بأن الأمم المتحدة بدأت تنحرف عن مهمتها الرئيسية والمتمثلة في إيجاد حل سياسي ودائم ومقبول للطرفين، ليس فيه غالب ولا مغلوب.
تصريح من هذا القبيل يبعث المرء على التساؤل عما إذا كانت الأمم المتحدة ترغب بالفعل وبجدية في تضييق الهوة بين المغرب والبوليساريو بهدف إيجاد مخرج لهذا النزاع، أو أن هدفها الأسمى أصبح بكل بساطة إنشاء آلية لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء ومخيمات تندوف. فلا يخفى على كل متتبع لقضية الصحراء أن الجزائر والبوليساريو تستعملان مسألة حقوق الإنسان من أجل عرقلة جهود المغرب لإيجاد حل سياسي للنزاع بناء على نهج لا غالب ولا مغلوب.
كما تستعمل كل من الجزائر والبوليساريو وحلفائهما موضوع حقوق الإنسان رغبة منهم في إضعاف وضع المغرب على المستوى الدولي وجعله يبدو كبلد “يحتل” الصحراء و”ينتهك” حقوق الإنسان لساكنتها. فمن البديهي أن هذه المقاربة لا تهدف بأي شكل من الأشكال إلى التوصل إلى حل سياسي للنزاع، بل تسعى من خلال تسييس مسألة حقوق الإنسان إلى التمهيد لتمكين الانفصاليين من إقامة دولة مستقلة في الصحراء.
وفي محاولة من الجزائر والبوليساريو لكسب تعاطف الرأي العام الدولي، دأب مناصروها وعلى رأسهم كيري كيندي وخافيير بارديم، بالإضافة إلى منظمات حقوقية دولية، على الترويج لفكرة مغلوطة مفادها أن بعثة المينورسو هي البعثة الأممية الوحيدة التي لا تتوفر على آلية لمراقبة حقوق الإنسان.
غير أن بحثا في موقع الأمم المتحدة يكشف عن وجود بعثات أممية أخرى لا تتوفر على هذه الآلية، كما هو الشأن بالنسبة لبعثة الأمم المتحدة في ليبريا وقوات الأمم المتحدة المؤقتة في ابيي، بالإضافة إلى بعثات أممية سابقة لم تتوفر على آليات لمراقبة حقوق الإنسان، وهي: بعثة الأمم المتحدة في سيراليون (1999-2005)، بعثة الأمم المتحدة في إثيوبيا وإريتريا (2000-2008)، بعثة مراقبي الأمم المتحدة في طاجيكستان (1994-2000)، بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة لرواندا (1993-1996)، وبعثة الأمم المتحدة للمراقبة في العراق والكويت (1991-2003). كما أن هناك بعثات أممية أخرى تم إنشاؤها منذ عدة عقود على رأسها بعثة الأمم المتحدة في كاشمير، وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)، وهي لا تتوفر كذلك على آلية لمراقبة حقوق الإنسان.
فمن خلال ميولها للتعاطف مع أطروحة الدول والمنظمات التي تدعم المطالب الانفصالية لجبهة البوليساريو، فإن الأمم المتحدة تنحرف ببساطة وبشكل واضح عن ولايتها الأساسية، وتقوم بتفضيل مصالح ونهج طرف واحد على حساب الآخر. بيد أن مهمة وولاية الأمم المتحدة كوسيط محايد تتمثل في المساعدة على سد الفجوة بين المغرب وجبهة البوليساريو وتمهيد الطريق نحو إيجاد حل سياسي ومقبول من الطرفين، تماشيا مع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة التي اعتمدت منذ أبريل 2007.
وحتى إن أراد المجتمع الدولي أن ينشئ آلية لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء ومخيمات تندوف، وهو أمر محمود في حد ذاته، فلا يجب أن تصبح هذه الآلية هي الهدف النهائي الذي يصبو إليه المجتمع الدولي، بل وسيلة من وسائل تعزيز الثقة بين الطرفين وربط جسور التواصل بينهما. غير أن المطالبين بهذا الأمر لا يسعون إلى التوصل لحل سياسي ومتوافق عليه بين المغرب والبوليساريو ولا لتعزيز الثقة بينهما. بل الهدف الأسمى من حملتهم الدولية الهادفة إلى إنشاء آلية لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء هو محاولة تحويل هذا النزاع من الفصل السادس إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو ما سيقود فرص التوصل إلى حل سياسي ومتوافق عليه بين الطرفين.