الرأي

محامو مراكش يدقون ناقوس الخطر بعد الاعتداء على زميلهم

بقلم. محمد بركوش

        الآن وقد مر أسبوع بالكامل على الحادث الذي ألم بالأستاذ أحمد أبادرين الناشط الحقوقي داخل مكتبه الذي يعج بالمظلومين الذين يرون في الرجل منقذا ومدافعا، وقت مناسب وكاف لاسترجاع اللحظات الرهيبة التي عاشها زميلنا ورفيقنا وهو في قبضة مجرمين ربما مسخرين لاقتراف جريمة ما أو التهديد بها، في الإمكان الآن العودة إلى ما لم يفت، أو إلى ما استعصي على الفهم بسبب الفرادة التي انتزعها المشتبه فيهم لأنفسهم، العودة إلى الظاهرة ككل، ودراستها في السياق العام دون الاكتفاء برمي الكرة في ملعب الأمن ورجاله، في انتظار دق ناقوس الخطر بشكل قوي.

لمن لا يعرف الأستاذ المعتدى عليه أو يعرفه سطحيا أقول (حتى لا أعيد ذلك لمن يتصل بي) بأنه رجل بسيط متواضع وإن كان يصرخ في صمت، وقور دون أن يكون شيخا، عاش حقبة من حياته المليئة بالمحطات المضيئة يناضل من أجل حقوق الإنسان وكرامته، داخل جمعية كانت رائدة في هذا المجال في فترة صعبة كان الكثيرون يعجزون فيها عن البوح بالكلمة وبالأحرى أن يدافعوا من أجل استتبابها وترسيخها كمبادئ على أرض الواقع، لا يعرف قلبه البغض على الإطلاق، يحب الجميع دون تمييز، خاصة الشباب من المحامين الذين وفر لهم عناية من طراز عال عندما كان عضوا بمجلس هيئة المحامين مكلفا بندوة التمرين. تلك الندوة التي حولها إلى مدرسة أو معهد لتلقين الأخلاق المهنية قبل الإجراءات القانونية.

أبادرين هو طاقة نبل راشحة صدقا، شخصية متميزة بهدوء كسكون الليل، هدوء تمنى في آخر مقال له نشرته بعض الصحف الوطنية أن يسود حواره مع البرلمان والحكومة ووزارة العدل التي يشرف عليها الأستاذ مصطفى الرميد، وليست وزارة الظل الممثلة كما أوردت ذلك جريدة أخبار اليوم في عددها 1337 بشخص أبقت عليه ظروف معينة بعد أن أبعد صديقاه في العمل وفي الاتجاه، يسير (أي الأستاذ) بخطى مطبوعة بالخفة والمرح، يواصل بها الطريق بلا أعلام نصر ولا احتمال ما، إلى أن ينكشف الليل كما قال الميموني عن “نهار يصنع حياة جديدة”، ثم يعاود الكرة ويمشي بنفس الخطوات وعلى نفس الهدى دون أن يمل أو يكل وكأنه مشحون ببطارية لا تنفذ.

كان داخل مكتبه في ذلك اليوم الذي يصادف ذكرى “تافسوت إيمازيغن” أي الربيع الأمازيغي الذي يؤرخ لانتفاضة ضد فقدان الهوية والحرية والذات، منكبا على قضايا موكليه، يدرسها كالعادة بتأن وتؤدة  (دون أن يجول بخاطره أنه سيصاب) يطرح معها كل الافتراضات والاحتمالات والتساؤلات، وينتفي ما يراه مناسبا لكل حالة طارئة، حتى لا يفاجأ أثناء المناقشة بما لم يكن في الحسبان، في لحظة لم تحدد سمع نقرات بالباب الموصد، باغتة المتربصين بالقساوة قبل السلاح الذي أظهروه فيما بعد، كبلوه بالأسلاك دون أن يرحموا ضعفه ومواقفه النبيلة التي كان “يتصيد” بسببها من قبل من يؤولون الحرف بالسكين والكلمة الصادقة بالثورة، ويكتبون بأقلامهم الملوثة تقارير كانت تسيء إلى البلاد قبل غيرها، أخذوا المال وما وصلت إليه أيديهم (المعقوفة على الشر والإيذاء) ولم يسلبوه المقاومة والصمود وحب الحياة، بعد ذلك انصرفوا في انتشاء “بالإنجاز الكبير” الذي حققوه، لم يصب الرجل والحمد لله سوى بفزع وخوف ونقص في الأموال كما يقال، وجروح في نفسيته التي اهتزت بعض الشيء نتيجة الصدمة وعنصر المباغتة، وإن كان الاستقرار قد دب إليها بفضل الإجماع على التنديد ورسائل المساندة والمكالمات العديدة التي كانت تتوارد على هاتفه دون انقطاع.

لقد جسد موقف الرجل وشجاعته أمام المغامرة وفي لحظة غير منتظرة جسد إصراره الوثيق بالحياة الجميلة (كما يقول دائما)، وتمسكه بحبالها الطويلة حتى في الأوقات العصيبة، ولذلك لم يجد رجال الشرطة القضائية والعلمية الذين هرعوا إلى مسرح الحادثة صعوبة في الاهتداء إلى حل اللغز والوصول إلى “رأس الخيط” الذي قربهم من الفاعلين، إذ لم تنقض سوى ساعات معدودات  حتى كانت النهاية، التي أسفرت عن اعتقال المدبرين الذين سولت لهم أنفسهم معاقرة الجريمة في فضاء مخصص في الأصل للدفاع عن المظلوم، والمصطلي بنار الجريمة، وبكل أنواع الاعتداءات المعروفة، ولذلك استحقوا كل شكر وكل ثناء، استحقوا تهنئة حارة من مجلس هيئة المحامين بمراكش، كانت بمثابة رسالة قوية لمن يتحاملون على رجال الأمن ويقللون من جهودهم الجبارة، ويرمون النزهاء منهم بنعوت هم أبعد ما يكونون عنها في سياق التشويش والإرغام على عرقلة مسيرة التطهير التي بدأت تؤتي أكلها بعد فترة من السيبة واستفحال الجريمة لكل أصنافها، ولم ينس المحامون الذين كانوا في الموعد حيث أبانوا عن تضامنهم وتماسكهم وصعوبة اختراق مهنتهم النبيلة، قلت لم ينسوا النيابة العامة التي تابعت البحث بجدية، ولم يغب ممثلها عن الساحة إلا بعد أن تحقق الهدف، ولذلك وجهت رسائل اعتزاز وإكبار لكل من الوكيل العام لاستئنافية مراكش وكذا وكيل الملك من باب الاعتراف بالجميل المهني، إن صح التعبير، والتذكير بمثابة العلاقة المتينة التي تربط الأسرة الواحدة بكل مكوناتها، والتي تعمل بشكل شمولي ومتكامل من أجل عدالة عادلة وقضاة نزهاء ومحامين في مستوى اللحظة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى