الرأي

قصة أمن مراكش مع الهواتف النقالة

     جميل جدا أن يتم التقرب من المواطن، والإصغاء إلى شكواه، وإعطاء هذه الأخيرة ما تستحق من عناية، وجميل جدا أن يعمل المسؤولون على إحالة الشكايات المتعلقة به على الأجهزة المكلفة بالبحث، لكي يشعروه بأهمية التجاوب معه، ومع ما يؤلمه من ظلم أو شطط أو استغلال للنفوذ، ويجعلوه يتلمس بيديه التغيير الحاصل في بلد كانوا يقولون عن شعبه بأنه مريض بالخصومات، ويتمكن من استيعاب اللحظة الراهنة التي أصبح فيها الاهتمام بالمواطن وحقوقه من الأولويات إن لم تكن من أولى الأولويات.

مناسبة هذه المقدمة البسيطة أو هذه التوطئة هو الحدث الهام (كما سمته بعض الجهات) الذي طفا على السطح الحقوقي بمدينة مراكش الحمراء، المتمثل في إحالة “نتائج التحقيق في اتهام مسؤولين أمنيين بالشطط على المدير العام للأمن الوطني” (جريدة الأخبار، العدد: 416)، وهو تحقيق أنجز بناء على “شكاية سبعة من تجار شارع “البرانس” بجامع الفنا تتهم أحد الضباط بتورطه “في الاستيلاء على أزيد من 16 هاتف نقال، لا علاقة لها بالهواتف المحجوزة” (نفس المصدر)، الواقعة بقرب المسافة الزمانية ذكرتني بقضية مماثلة قد أدانت بسببها جمركيين بعشر سنوات سجنا نافذا، ما لبث أن تحول الحكم إلى البراءة في ظروف تركت العديد من المتتبعين للشأن القانوني يتساءلون عن السر، وينتظرون أن يتلقوا الجواب المقنع من طرف الجهات المسؤولة.

طبعا المدير العام للأمن الوطني المعروف بشجاعته وتمكنه وتجربته الطويلة ومهنيته العالية زيادة على كفاءته وثقافته الواسعة (دكتوراه أحرز عليها في فترة كانت تلك الشهادة نادرة خاصة في الموضوع المختار، وهو موضوع كتبت عنه آنذاك مقالا في جريدة الأسبوع) سيقوم بالواجب الملقى على عاتقه دون تحيز، وسيقف بنفسه كما هي عادته على الإجراءات وسيرها العادي، حتى تلوح الحقيقة المنشودة، لأن بعض الأسماء التي وردت في حديث الشارع أو جاء بها الكلام كما يقال لا يشك أحد في نزاهتها، ولا ينازع في كفاءتها وترفعها نظرا لما أبانت في مناسبات عدة من حزم واستقامة ومسؤولية، وسيواصل أي المدير العام البحث مع كل الأطراف التي لها علاقة بالموضوع كي يفوز بثوابين أو أجرين كما يقولون، دون أن يتأثر أو يتفاعل مع الإشاعة والكلام غير المحكوم.

قبل هذه الواقعة كان قطاع الأمن بمدينة مراكش قد شهد تنقيلات وتغييرات، وهي رغم أهميتها لم تكن كافية في نظر المهتمين، لأن الملاحظة المهمة التي تبدو صامدة في كل مرة هي الاقتصار على رؤساء بعض الدوائر أو العاملين بها، والذين يتلاعبون باتهامات غير رسمية (كما قال الدامون في جريدة المساء، العدد: 2329)، رغم أن ما يحز في نفس المواطن الذي له رصيد محترم من الانتظارات هو غياب الشفافية والتعامل السلبي مع بعض القضايا وسوء المعاملة وإهمال بعض الشكايات التي يستمر الإبقاء عليها فوق الرفوف لسنوات إلى أن يتم التخلص من “صداعها” بإعادتها إلى النيابة العامة بملاحظة يستحيل الاطمئنان إليها وأخص بالذكر شكايات الشيك بدون رصيد، والإكراه البدني، زيادة على الشكايات المرتبطة بالمرأة ما يطالها من تعنيف، والتي عمل المسؤولون بوزارة العدل على تمكين وكيل الملك والوكيل العام من كل الوسائل والآليات لتفعيل عملية الإسراع والحماية إن صح التعبير، كالاستماع إلى المرأة الضحية، بمقر النيابة العامة وفي محاضر متوفرة حفاظا على الوقت وعلى كرامة السيدة المعنفة وما تحمله صور تعنيفها من مشاهد فاقعة (تتطلب ربط الجزاء بالجرم)، بالإضافة إلى تخصيص قسم أو فرع خاص بشكايات النساء في كل محكمة سواء أكانت ابتدائية أو استينافية.

إن تشخيص الداء الذي يعاني منه جهاز الأمن (وإن بنسبة أقل من بعض القطاعات الأخرى) ليس صعبا على رجل بتجربة عالية ودينامية فاعلة واستقامة نادرة، كانت سببا في مضايقته وإبعاده لسنوات عن المسؤولية رغم المؤهلات والإمكانات العلمية، قلت ليس كذلك خاصة وأن نداءات المواطنين ووعيهم بكل الحقوق لم تعد تذهب أدراج الرياح، بل الصعب أو الأصعب هو توفير وصفات للعلاج الذي يمكنه أن يجفف المستنقع لا أن يقتل البعوض (كما يقال)، ولعل التحركات التي أصبحت تداهمنا في كل لحظة المقامة على المراقبة والإكثار من عملية التفتيش والانتباه (مع نوع من الحذر) إلى ما تنشره الصحافة وتحيين مذكرات البحث الراقدة.

 إن تلك التحركات من شأنها أن تعيد الثقة إلى المواطن في رجل الأمن، وتحفزه على الاطمئنان التام على سلامته وسلامة وطنه، وتجعل منه أي المواطن عنصرا فاعلا في العملية التي لا يستبعد أن تحقق مصالحة حقيقية يحتاجها القطاع ويحتاجها المواطن بعد قضائه لسنوات إن لم أقل عقودا من المقاطعة، كانت كافية لخلق أثرياء، وأغنياء رغم وضعياتهم التي لا تسمح بذلك، راكموا الثروات بفضل القوة والاستبداد وسياسة “دين امك” التي لم تعد مقبولة اليوم في عهد جديد وبمفهوم جديد للسلطة أقره ملك البلاد محمد السادس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى