جهات

كواليس صحراوية | قصة الجدار الأمني الذي وقف في وجه البوليساريو

+ الأسبوع

  كثر الحديث عن قصة الجدار الأمني الذي شيدته المملكة المغربية، كاستراتيجية ناجعة لمواجهة عناصر جبهة البوليساريو المدعومين جزائريا وليبيا وكوبيا آنذاك، إبان مرحلة حرب الصحراء التي خاضت فيها القوات المسلحة الملكية المغربية حربا ضروسا، قصد القضاء على الكيان المزعوم وتوحيد الأراضي المغربية.

وكانت حرب الصحراء قد انطلقت سنة 1975، بعد انسحاب المستعمر الإسباني من المنطقة واستمرت إلى حدود سنة 1991، إذ امتدت لستة عشر سنة، وانتهت بتوقيع اتفاق وقف إطلاق بين المغرب وجبهة البوليساريو تحت الرعاية الأممية، حيث تخللت تلك الفترة، تضحيات جسام قدمها جنود الوطن فداء للوحدة الترابية للمملكة ولسيادتها على كافة أراضيها.

صنفت حرب الصحراء، حسب الكثيرين، من بين الأشد ضراوة، حيث اتسع مجالها الجغرافي من منطقة المحبس المحادية لآسا الزاك إلى حدود تشلة وأم كرين جنوبا، ونهجت فيها المملكة المغربية بقيادة الملك الراحل الحسن الثاني، أسلوبا عسكريا جديدا لصد مفهوم حرب العصابات التي استلهمها عناصر جبهة البوليساريو نتيجة لتباين القوى انطلاقا من تندوف، وتمثلت في بناء جدار رملي أمني للحد منها على طول ما يناهز 2700 كيلومتر بارتفاع ستة أمتار تتخلله مجموعة من الخنادق الدفاعية، إذ بنته على مدى خمس مراحل، أولاها في شهر دجنبر من سنة 1980 بمنطقة راس الخنفرة بين مدينة طانطان والسمارة، وثانيها في سنة 1982، وانطلقت من منطقة اجديرية التابعة حاليا لإقليم السمارة إلى حدود المحبس قرب آسا الزاك، وثالثتها كانت في ماي من سنة 1984، وامتد البناء من منطقة روس لمسامير إلى اكديم الشحم في منطقة لحمادة، ثم حوزة بإقليم السمارة، فيما استهلت المرحلة الرابعة من البناء من أمكالة إلى الكلتة فأم دريكة في مارس سنة 1985، بينما اختتمت آخر مراحل البناء، في مارس من سنة 1987، وكانت بمناطق أم دريكة وأوسرد وتشلة وبئر كندوز جنوبا.

سنوات ما بعد 1975، استمرت فيها معارك الكر والفر بين القوات المسلحة الملكية وعناصر البوليساريو التي دق الجدار الأمني آخر مسمار في نعشها، إذ لم تتمكن من اجتيازه بعد اكتمال تشييده بحكم قوته الدفاعية ويقظة الجيش المغربي الذي تفرغ بشكل مباشر لمطاردة البوليساريو وحسم المعركة لصالحه إلى حدود سنة 1989، عندما عبر الجدار نحو منطقة تفاريتي لإجراء آخر عملية عسكرية نوعية خلفه ثم العودة، وهي العملية التي تكبد فيها الطرف الآخر خسائر ثقيلة وهزيمة شعواء.

حدد الجيش المغربي عسكريا الجدار العازل كخط دفاعي عسكري أول، تاركا المنطقة خلف الجدار كواجهة لتوجيه ضربات متتالية للبوليساريو ودحر عناصرها، مسيجا تحركاتها ضمن منطقة جغرافية مكشوفة، فيما اعتبر الموقف سياسيا، بمثابة حسن نية من المملكة تجاه جهود إحلال السلام، لتأتي اتفاقية وقف إطلاق النار الموقعة بين الطرفين بتاريخ السادس من شتنبر سنة 1991، والتي اعتمدت فيها الأمم المتحدة، منطقة شرق الجدار الأمني، منطقة عازلة بموافقة الطرفين، وهي المرحلة التي سعت فيها المنظمة الأممية لحقن الدماء وفسح المجال أمام الجهود السياسية لتسوية النزاع، وتنشأ البعثة الأممية “المينورسو” لتنظيم الاستفتاء بناء على القرار الأممي رقم S/22464.

وبالحديث عن اتفاقية وقف إطلاق النار، خصوصا في شقها العسكري، وبالضبط الملحق رقم 1، فقد اعتبرت الأمم المتحدة بشكل صريح، المنطقة خلف الجدار الأمني الشرقي، منطقة تحت مسؤوليتها وإدارتها بشكل حصري بعيدا عن أي تواجد لأي طرف من الجانبين، وهي المنطقة التي تتواجد بها حاليا جبهة البوليساريو وشيدت فيها خيما، مسوقة بذلك كونها تابعة لها، حيث تأتي محاولة الاستيلاء عليها بعد سلسلة مناورات سابقة من لدن البوليساريو للتملص من روح الاتفاقية باعتبارها “محررة”، إذ تصدى لها المغرب بمراسلة الأمناء العامين للأمم المتحدة خصوصا في سنة 1995، ولازال من خلال استحضار ملحق الاتفاقية المؤسس على أن أي تواجد عسكري بالمنطقة، مخالف للاتفاقية وخرق لها.

المغرب لما قبل بعملية وقف إطلاق النار وإشراف الأمم المتحدة على القرار، تخلى بمحض إرادته عن 20 بالمائة من مساحة الصحراء التي كان قد أفرغها من البوليساريو، فهذه الأراضي التي تسمى “عازلة” حسب الأمم المتحدة، ظلت ممنوعة على البوليساريو وعلى المغرب أيضا، لكن قيادة الجبهة حاولت أن تخرق هذا القرار، فما كان من القوات المسلحة الملكية إلا أن قصفت كل عملية تجاوز قام بها البوليساريو.

في السنوات الأخيرة، كثر تحرش البوليساريو، وبدأت الجبهة تتحدث عن نقل ما تسميه وزاراتها إلى تلك الأراضي خاصة تيفاريتي٬ ثم انتقل عدد من قياديوها إلى تلك الأراضي والكل يتذكر ذلك الخرق الذي قام به رئيس الجبهة إبراهيم غالي بمنطقة “الكركرات”، وقبل أيام تم نقل سفراء بعض الدول المعترفة بالبوليساريو ككوبا، إلى تلك المناطق، كما سجل المغرب رفع قاصرين لرايات قرب الجدار الأمني سرعان ما أزالتها القوات المسلحة الملكية، تحرشات كانت سببا في رفع الرباط لرسالة إلى الأمم المتحدة بلهجة صارمة، من أجل ردع الكيان المزعوم للتراجع عن الاستفزازت التي يقوم بها، أو أن الأمور ستتطور إلى ما لا يحمد عقباه. كلام لا يحتاج لأي تأويل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى