زعماء الأحزاب خدام الدولة العميقة

بقلم. عبد القادر زعري
بعد طول سجال بين قادة الأحزاب السياسية “الفاعلة”، هدأت الساحة بعدما اشتعلت لأزيد من عامين على إيقاع حروب كلامية، تراشق فيها نجوم المشهد الحزبي بكل شيء وقالوا في بعضهم البعض كل شيء، والآن لم يعد يتذكر المواطن عن تلك السجالات أي شيء، لأنها وبكل بساطة لم ولن تكون مفيدة في أي شيء، ولم تكن تصلح إلا ليطالعها المواطن صباح كل يوم على صفحات الجرائد عند مائدة الإفطار.
كانت حربا مفتوحة على كل الواجهات، في البرلمان والمنتديات والمؤتمرات وعلى واجهة الإعلام بكل قنواته. حتى الإعلام العمومي وضع رأسه في تلك الحرب ونقل عن الكل وأبلغ الكل وساهم في الفرجة.
زعماء تلك الحروب الكلامية ونجومها كان أبرزهم، في المقدمة زعيم الإسلاميين “الحاكمين” عبد الإله بنكيران، وزعيم الاستقلال “النجم” حميد شباط، وزعماء الأصالة والمعاصرة طبعا بيمينييهم ويسارييهم، ثم زعيم الاتحاد ادريس لشكر، لكل هدفه ولكل أسلوبه.
بنكيران كان يهدف دوما للحفاظ على “شعبيته” التي كانت باستمرار مهددة بالتآكل، فنيران الزيادات في تكاليف المعيشة اشتعلت مباشرة بعد جلوسه على كرسي الرئاسة، وظلت أرقام مندوبية الإحصاء تطارده كالكوابيس يوميا وأينما حل وارتحل.
وشباط كان هدفه خدمة أجندات من النوع العالي، فالرجل خرج وبشكل مبكر، من خيمة آخر مؤتمر لحزبه والذي توجه رئيسا، خرج ناويا على خراب بيت حكومة بنكيران. وفعل كل شيء بعد صعوده كأمين عام، لشل تجربة الإسلامين المغاربة، واستغلال واقع الأزمة المتنامية، لتشكيل جبهة على الطريقة المصرية التي أطاحت بالدكتور مرسي.
وقادة الأصالة والمعاصرة طبعا كانوا ولا يزالون على الهدف الواضح والصريح نفسه الذي التقوا عليه من أول يوم، يعلنونه دوما بدون التواء، وهو دعم الاختيار العلماني، ومحاربة المد الأصولي، أو بالأحرى “إنقاذ” المملكة من التهديد الأصولي.
وأما لشكر فكان هدفه الذي سعى إليه جادا رغم قلة ذات اليد، هو لملمة الجراح التي خلفتها مشاركة الاتحاد في الحكومات السابقة، وإعادة القوة لحزب المهدي وبوعبيد، ورفع شعارات بين الفينة والأخرى، تهم الطفولة والمرأة والإرث وآفة التكفير، قد تكون ناجحة في خلق التفاف يضخ قوة في شرايين الحزب.
هؤلاء جميعا شغلوا الرأي العام، بما لايفيد المواطن، لا من قريب ولامن بعيد. فالمواطن لا يتم اللجوء إليه إلا في حالتين، إما ل”اصطياد” ثقته و”اقتناص” صوته في المواسم الانتخابية، وإما لتجييشه وتجنيده في معارك يخلقها القادة ويتساومون فيها من خلف الستار، ويستفيدون من مغانمها، لينقلبوا بعدها إلى دعاة للحكمة وعوامل للتهديء والتنويم.
هذا الكلام يقوله علم السياسة، قبل أن يقوله كل من له حظ بسيط من التجربة والتأمل وقليل من التبصر.
لكن تلك السجالات لم تكن في نشوبها واستمرارها مبرأة من انخراط قادة الصراع هؤلاء، في حسابات إقليمية فرضت تطويق المد الإسلامي الذي كان أبرز المسفيدين من رياح الربيع العربي.
والهدوء الذي “تنعم” به الساحة السياسية اليوم، ليس صدفة ولا هو برغبة وإرادة مستقلة من أطراف الصراع. والدليل هو أنه قبل شهر من الآن، أطلق كل القادة الحزبيين والنقابيين صواريخهم ضد الحكومة، النقابات الأربعة الكبرى ومعها أحزاب المعارضة الكبرى الأربعة كذلك، وانتفض معهم حتى حليفا بنكيران، التقدم والاشتراكية والحركة الشعبية، مهددين بالانسحاب من الحكومة، لكن وعند عزم الملك السفر إلى عواصم دول إفريقيا، هدأت الحرب وحلت الهدنة وعم الأمن والسلام الساحة.
إذن فمحاصرة زعماء الأحزاب السياسية “الوازنة” وكبرى النقابات، لحكومة بنكيران، وتصعيد الحرب عليها، كان هدفا تتقاطع عليه مصالح تلك القوى مع مصالح الدولة العميقة، والتي لها حسابات إقليمية فرضت عليها الدفع بحكم الإسلاميين نحو الأدنى ودحرجتها درجات نحو الخلف.
والهدنة المسجلة اليوم كذلك، هدنة فرتضها ما تطلبه الدولة العميقة من تسكين تام للساحة، أثناء غياب الملك عن المملكة التي تعيش طبقاتها الفقيرة ضغوطا متراكمة تعكسها الأرقام والإحصائيات ذات الصلة بالمعيش اليومي.
الآن و بعد عودة الملك إلى أرض المملكة ستعود الساحة للاشتعال، وسيعود الزعماء لتأجيج الرأي العام، وتجييشه ضد بنكيران، وستواصل عجلة طحن التجربة الإسلامية والإجهاز عليها، في تناغم تام بين أهداف “الدولة العميقة” في المغرب، والحسابات الإقليمية التي تفرض تقويض وتحطيم والإجهاز على أي تجربة يقودها إسلاميون.