الحـقــيقة الضــــائعة | صراع الأقطاب داخل أسوار القصر
عندما اكتشف هارون الرشيد، أن البرامكة رجال ثقته، المتصرفين حتى في قصوره(…) أصبحوا أغنى منه وأقوى، فدار فيهم(…) دورته التي دخلت التاريخ، وبقيت معروفة فيه إلى الآن، باسم “نكبة البرامكة”، جاءته امرأة تتشفع، فقال لها الملك، شعرا نقله عنه صاحب “مروج الذهب”:
وإذا بدت للنمل أجنحة
حتى يطير، فقد دنا أجله
ولكن تلك القصور الملكية، التي رفعت أسوارها عالية منذ أيام حكم هارون الرشيد، وبقيت كاتمة لأسرار كل القصور، يظهر أنها عندنا في المغرب هذه الأيام، لم تبق كاتمة لأي سر.
وإن كانت ظروف كشف تلك الأسرار، تكاد تكون مغمورة بالاستغراب فيما يدعو للتساؤل، كيف أن التحولات الخطيرة التي تسربت من القصر الملكي، ومن خلف أسواره، تكمن خبايا الغول الاقتصادي أونا، وتحت جناحها المؤسسة الاقتصادية س.ن.ي، وقد تفجرت حواليها وعليها، هذه الهزات الإعلامية، التي حدثت في غيبة الملك بإفريقيا، غيبة فاجأت بقرار تمديد إقامة جلالته بالغابون، القرار الذي صدر ساعات قليلة، بعد اعتقال كريم الزاز، الرجل الذي عاش حياة البرامكة في مجال الاتصالات التلفونية، وليس وحده(…) عندما أسس شركة وانا مثل ابنة عمتها أونا، بعماراتها ومكاتبها وأجهزتها وتلفوناتها، وكان الزاز، الولد المدلل في أطراف الكتابة الخاصة الملكية، وها هو محاميه يسهل علينا مصاعب التفسير(…) وينقل عنه صحفي من موقع كود قوله لوكيل الملك: “إن القضية لها من يحركها في الخفاء”(…).
وكانت حادثة أخرى قد تزامنت مع الوصول الملكي في زيارته لمالي، حينما تولى موقع إلكتروني، يسمى 360، فضح المستور في صفقة تخلص مؤسسة السي بوهمو، من شركة السكر، وما يجري حوله ويدور.
ويكاد الشيطان يلعب بعقولنا، ونحن نتوهم أن حصول هذه المتقلبات، في مؤسستين تابعتين للوبي الملكي، حصلت في غيبة الملك، وكأنها تكاد تنسينا الغضبة الملكية السريعة، على تصريحات شباط، بسحب وزرائه من حكومة بن كيران عندما كان الملك في سفر إلى فرنسا، ليقول شباط إن الملك اتصل به تلفونيا من باريس، للاستطلاع طبعا.
فهل لم يتصل الملك من إفريقيا، لا برئيس كتابته الخاصة الماجيدي المعني الأول بشؤون اللوبي الملكي، ولا برئيس مؤسسة الاستثمار، بوهمو، بعد صراعه(…) الصحفي، مع الموقع الإلكتروني، الذي تربطه على الأقل، وحسب المسمعين والناظرين(…) علاقة بمستشار المستشار الهمة، كريم بوزيدة.
لا حاجة لنا، إلى التذكير، بعهد الحسن الثاني، وكاتبه الخاص، عبد الفتاح فرج، الذي كان يقدم له كل سنة، على تقليد والي بنك المغرب، تقريرا سنويا عن ممتلكات سيدنا، ولكن أي أحد، لم يكن يعرف شيئا عن عبد الفتاح فرج، هذا الرباطي الذي لم تكن قامته القصيرة لتسمح لأحد بالتعرف عليه في المحيط الملكي، ولم يظهر اسمه في الصحف والكتب، إلا عندما هرب إلى ألمانيا، وطلب منه أحد الصحفيين أن يتكلم، فاكتفى بالأسف للملك محمد السادس الذي أبعده – حسب قوله – بطريقة غير لائقة، مضيفا: وسأحكي لكم فيما بعد، إلا أن الموت فاجأه سنة 2005، وهو في منفاه الذهبي بألمانيا، ولم يسمح له بأن يقول شيئا بعد أن أصر أن لا يدفن في المغرب.
ولا حاجة لنا بالتذكير، أن ما حصل داخل المربع الملكي في غيبة صاحب الأمر والنهي، وهو مشغول بإقامة قواعد العلاقات المغربية الإفريقية، هو شيء مستغرب، فلم يكن من حق بوهمو، أن يفتح واجهة للصراع الإعلامي، ويكلف محاميه الأساتذة منير ثابت، وطارق مصدق، وحميد كارتوا، بإرسال بيانات حقيقة، تدافع عن الرئيس بوهمو. بيانات يفهم من نصوصها، أن مدير شركة الاستثمارات الملكية، يدافع عن نفسه(…)، مبررا سلامة تفويته لصفقة السكر، ومنتهزا نفس الفرصة، ليثبت أيضا سلامة الصفقات السابقة(…)، سنطرال ليتيير، ودانون، وما جرى مع الشركة الفرنسية أوشان، وأكسا للتأمين، حتى أن ما نشر وما رد به بوهمو، يكاد يكتسي طابع مساءلة قانونية، لأحد أطرافها(…) وكأنه أمام قاض للتحقيق(…).
وكان الصحفي قد واخذ في رده على بيان بوهمو، كيف أنه لم يبق له إلا أن يقول للسيد بوهمو بالفرنسية ((وي سيدي)) مضيفا ((إن منطقك يذكرنا بإدريس البصري عندما كان يتعامل مع الصحف)) ويطمئن بوهمو ((بأن عهد المخزن انتهى، وأن الملك محمد السادس طرد إدريس البصري ليضع المغرب على طريق الديمقراطية، خلافا لعنفك(…) واحتقارك للصحفيين)).
وقد أيقظت هذه الملاحظة في هيأة تحرير الأسبوع الصحفي تضامنا مع الصحفي الكاتب، رغما أننا في الأسبوع لم نهتز لذلك التعامل الذي مارسه بوهمو مع الأسبوع باستثنائها، وتعامله مع الأسبوع على طريقة تعامل إدريس البصري معها، متناسيا مصير البصري ومصير كل ظالم آثم.. مضى وانقضى.
الأسبوع التي هي أكبر المبيعات الأسبوعية، سواء العربية أو الفرنسية، وهو قرار يكشف عن جبروت رافض للصحافة الحرة، وحمدا لله على أن بوهمو ليس ملكا على المغرب، ليمنع الأسبوع من حق مشروع، هذه الأسبوع التي تأسست عندما كان بوهمو يحبو صبيا على يديه ورجليه.
حمدا لله مرة أخرى، أننا لم ننشر إعلانات بوهمو عن بيع السكر(…) وها هي مواقع أخرى، تكشف أن تلك الصفقة فيها ما فيها(…) من أنها تعطي لشركة ويلمار(…) امتياز بيع السكر الخام للشركات المغربية.
وكنا قد عبرنا عن حسن أخلاقنا عندما قصرنا على صفحات جريدتنا، في اطلاع قرائنا على ما نشر عن بوهمو، من أخبار موثقة في موقع “دومان” ونقلته مواقع أخرى، لم ننشرها طبعا، لأنها تفاصيل من الضخامة(…) بحيث كنا، وبقينا ننتظر آثارها على موقع بوهمو، وموقع “دومان”، ثم أننا نتفادى نقل الفضائح الكبرى، مراعاة لمواقع منطلقاتها.
وها نحن مرة أخرى، ولازلنا في الانتظار(…) نتساءل عن هذا التحول، الذي جعل ملفين من أضخم الملفات المرتبطة بالهولدينغ الملكي، يفتحان في غيبة الملك، وهو الذي في حضوره حصلت هزات كبرى، بقيت في طي الكتمان، حين أبعد مصطفى الباكوري من الهولدينغ، دون أن يعلن، أو نعرف السبب، كما أبعد سعد بنديدي من رئاسة المؤسسة الملكية أونا، وأبعد المستشار الكبير للمؤسسة الملكية خالد الودغيري، الذي عاد للمغرب مؤخرا، بعد أن كان محكوما عليه بعشرين سنة حبسا، قبل أن يمتعه الملك محمد السادس، بعفو شامل.
وهي توقيفات وعقوبات اتخذت في حق مسؤولين كانوا أهم وأقوى من بوهمو، مثلما كان الزاز، المعتقل أخيرا، من الأولاد المدللين، في حديقة اللوبي الملكي.
وعلى هامش اعتقال هذا الولد الزاز(…)، يبقى تساؤلنا مشروعا، عن سر هذه السهولة(…) التي حصلت عليها بعض الصحف، وقد أدانت الزاز بالسرقة والتهريب وتكوين العصابات قبل أن يقول القضاء كلمته، فهذه الصحيفة تعنون أنه سرق مائتي مليار، والأخرى تقول 45 مليار، بينما تقول تقارير البوليس أنه لم يكن في حسابه البنكي يوم الاعتقال إلا 200 ألف درهم، بينما مصادر أخرى تقول، بأنه عندما كان في أزمة تدخلت لإنقاذه بنك الوفا، وصندوق الإيداع والتدبير من أجل استمرار شركته(…) فما هو التحول الذي أوصله إلى سجن عكاشة، بعد هذه الحماية والإنقاذ(…)، من طرف مؤسستين تنتسبان إلى الهولدينغ الملكي، وها هو الزاز يقول أمام المحققين أنه ليس مسؤولا عما جرى.
إن الشك الذي يكون دائما لصالح المتهم، في مساطر القضاء ينبع من حقيقة أخرى، وهي أن توقيف كريم الزاز حصل سنة 2012، ثم هيمن الصمت المطلق(…) ربما تفاديا لانفجار فضيحة كبرى في هذه المؤسسة المصونة(…) فماذا دفع الشرطة القضائية، لتفتح هذا الملف، ويقرر قاضي التحقيق الاعتقال، سنتين بعد حدوث الحادث، لنسمع المعنيين باعتقاله يقولون ((مازال ما درناش التقييم.. دابا مازال ما عارفينش)).
على هامش إفريقيا، التي كان السفر إليها، فرصة لتفجير هذه الملفات، إفريقيا، المعروفة بالحكم الثمينة التي تزخر بها أدغالها، يقول أحد الأمثلة الشعبية في دولة البينين ((مهما كان طول مدى التبول(…) فإن القطرات الأخيرة تنزل صغيرة بين أفخاذ المتبول)).
لابد إذن، من قطرات الحقيقة(…) تبقى شاهدة على ما جرى، لتكون سببا لما سيجري.
والواقع، أن الأيام وحدها، هي التي ستكشف سحايا الخبايا، لتعود الأمور إلى ما ستكشفه المرايا.
وكان الحسن الثاني رحمه الله، قد فسر أسباب الخبايا، وإن لم يكن في عهده قد نفذ ما وعد به يوم تنصيبه ملكا على المغرب، وبالتحديد يوم ثالث مارس 1961، يوم عيد عرشه الأول حين تعهد قائلا: ((سأسند الضعفاء حتى يتمكنوا من حقوقهم، وسأمنع الأقوياء من أن يستغلوا قوتهم، إني أريد أن أحكم مثل لويس الحادي عشر، هذا الملك الذي أعاد لفرنسا فرض النظام لبلد مشتت)).
وكان الحسن الثاني يقصد الملك الفرنسي، لويس الحادي عشر (1483-1461) الذي كان في حياة أبيه وليا للعهد ثائرا دائم الاحتجاج، وعندما أصبح ملكا، أعلن الحرب على البورجوازية التي حاربته، وكان ذكيا لا يهتم بمحاربتهم إلى أن احتفظ بعرشه من بعد لحوالي أكثر من مائتي عام.
بعد أكثر من خمسمائة عام على عهد لويس الحادي عشر كتب خبير أمريكي عن أسباب انهيار الدول في عصرنا: ((في السبعينات كانت الدولة(…) عبارة عن أرض عجائب للتجار والتاجرات، الابتزاز والرشاوي وأجور الوكلاء والعمولات، والتفاهم السري بين الأمراء وبين رجال العلاقات العامة، وعملاء المخابرات الأمريكية وحقائب السامسونيت المحشوة بأوراق الدولار، تحمل على طائرات رجال الأعمال الخاصة، والشركات التي عناوينها مجرد أرقام صناديق بريدية في بحر الكارايبي وليشنشتاين)) (شوكروس. الرحلة الأخيرة).
فما هي إذن، خبايا هذه الأسرار الكامنة خلف جدران القصر.