الرأي

كرونيك | نعم سيدي أعزك الله.. ولكنهم “شر الدواب عند الله”  

بقلم: سعيد الريحاني 

ليست هذه المرة الأولى التي يعبر فيها الملك محمد السادس عن غضبه من الطبقة السياسية، والواضح أنه “مل” مثلنا، نفس الوجوه الإنتهازية الجاتمة على القلوب، وهي تمتص ميزانية الدولة، ثارة باسم الأجور وثارة باسم الدعم العمومي لأنشطة الأحزاب، دون تكون لها أية فائدة.. لقد إختار البرتوكول الملكي هذه المرة، أن يخاطب البرلمانيين في افتتاح الدورة التشريعية بالإيات الكريمة التي تقول، في سورة الأنفال:”.. وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ.. إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُم. ولو أسمعهم لتولّوا و هم معرضون) الأنفال 22-23 .

الملك قالها بصراحة، لابد من الإصلاح حتى لو تطلب الأمر “إحداث زلزال سياسي”، لكن “شر الدواب عند الله”، سيفسرون الخطاب في صالحهم، وسيحولونه إلى  نخب في كؤوسهم.. “الساقطات” سيحاضرن في الشرف، واللصوص سيدعون لقطع يد السارق، والسكارى سيصوتون من جديد على أحزاب المتاجرة في الأخلاق والدين (..)، والإنفصاليون سيدعون للدفاع عن الملكية، والوحدويون ستوجه لهم تهمة الإنفصال، والوطنيون سيخضعون لعملية تجفيف المنابع، وهناك من سيطالب بتأسيس جبهة للدفاع عن الملك، أليس الملك والوطن والله شيئا واحدا؟ المشكلة ليست في الأفكار، ولكنه الحق الذي يراد به باطل..  أما الخلاصة فهي  أننا سنطالب بكل شيء، ونحتاج كل شيء، وندعي أننا حققنا كل شيء في نفس الوقت.

“شر الدواب عند الله”.. سيقولون سمعنا، مرة أخرى، وسيصطفون أمام الصحافيين وشبه الصحافيين، للإدلاء بتصريحات تنوه بالخطاب الملكي، الذي يدعو إلى إحداث زلزال، وضرورة إيلاء عناية خاصة للشباب.. لكنهم بالمقابل سيعملون كل من جهته، على تفسير الخطاب الملكي حسب مصالحه ومصالح حزبه، هناك من سيختزل “الزلزال السياسي” في تعديل حكومي على المقاس، يفتح أبواب جديدة للريع بتعيين وزراء وحاشية جديدة من أعضاء الدواوين، بينما سيحاول آخرون من الآن إفراغ المجلس الأعلى للشباب الذي دعى الملك إلى تأسيسه من محتواه، بل إن بعض الشباب، الذين وصلوا إلى مناصب “الثمتيلية الإنتخابية” بالريع (الكوطا على سبيل المثال) سيقومون بقطع الطريق على الشباب بالنيابة عن شيوخ السياسة الذين تأكد بالملموس، تحولهم من كائنات إنتخابية، إلى كانئنات “إنتهازية” تبتز الشعب والنظام، مستغلة ضعف نسبة المشاركة، بل وصل الأمر إلى حد تمويل تزوير إرادة الناخبين باستعمال التمويل الأجنبي.. مرة أخرى سيبقى عدو الشباب هم الشباب أنفسهم..

مرة أخرى، نحن “الوطنيون” التافهون سنناقش السياسة، ونتحدث عن شباط وبن كيران وإلياس وأخنوش..  بل إن بعضنا لازال يؤمن بأن التغيير المنشود يحتاج إلى “امحند العنصر” وبنعبد الله ومحمد ساجد.. والأكثر تفاهة يراهنون على زعماء الفراغ التنظيمي الذي يبدأ من اليسار الإشتراكي الموحد.. قبل أن ينتهي عند أصحاب “الإختيار الثوري” في “نوايا” العمل السري داخل الجامعات، مرورا بحزب الطليعة، الذي يوجد في المؤخرة (..).

السجن ليس هو سجن العرجات أو عكاشة أو الزاكي.. بل السجن هو “سجن الفكر” داخل الدائرة الفارغة، حيث نتحول كلنا إلى انتهازيين، مشاركين في مؤامرة “سوق الدلالة”، الذي لا ينجح فيه إلا من يقبل على نفسه “الذل”، وقوانين السوق الخفية التي لا تقبل التمرد على قواعد أصحاب السوق.. هنا يتحول البشر إلى سلعة، والمواطن إلى شاهد زور، والعملية كلها في صالح “شر الدواب عند الله”.. أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور. (سورة الحج).

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى